صفحة جزء
1965 - مسألة : واليمين بالطلاق لا يلزم - سواء بر أو حنث - لا يقع به طلاق ، ولا طلاق إلا كما أمر الله عز وجل ، ولا يمين إلا كما أمر الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .

برهان ذلك - : قول الله عز وجل : { ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم } وجميع المخالفين لنا هاهنا لا يختلفون في أن اليمين بالطلاق ، والعتاق والمشي إلى مكة ، وصدقة المال فإنه لا كفارة عندهم في حنثه في شيء منه إلا بالوفاء بالفعل ، أو الوفاء باليمين .

فصح بذلك يقينا أنه ليس شيء من ذلك يمينا ، إذ لا يمين إلا ما سماه الله تعالى يمينا .

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رويناه من طريق أبي عبيد نا إسماعيل بن جعفر نا [ ص: 477 ] عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله } فارتفع الإشكال في أن كل حلف بغير الله عز وجل فإنه معصية وليس يمينا .

وهذا مكان اختلف فيه - فصح : عن الحسن فيمن قال لامرأته : أنت طالق إن لم أضرب غلامي ، فأبق الغلام ؟ قال : هي امرأته ينكحها ويتوارثان حتى يفعل ما قال ، فإن مات الغلام قبل أن يفعل ما قال فقد ذهبت منه امرأته .

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن مطر الوراق عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب في رجل طلق امرأته إن لم يفعل كذا ؟ قال : لا يقرب امرأته حتى يفعل ما قال ، فإن مات قبل أن يفعل فلا ميراث بينهما .

وصح خلاف هذا عن طائفة من السلف .

كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء في رجل قال لامرأته : أنت طالق إن لم أتزوج عليك ؟ قال : إن لم يتزوج عليها حتى تموت أو يموت توارثا .

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن غيلان بن جامع عن الحكم بن عتيبة قال في الرجل يقول لامرأته : أنت طالق إن لم أفعل كذا - ثم مات أحدهما قبل أن يفعل فإنهما يتوارثان - قال سفيان الثوري : إنما وقع الحنث بعد الموت .

قال أبو محمد : هذا عجب ؟ ميت يحنث بعد موت - وقد تقصينا هذا في " كتاب الأيمان " من كتابنا هذا .

وممن روي عنه مثل قولنا - : كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن رجلا تزوج امرأة وأراد سفرا فأخذه أهل امرأته ، فجعلها طالقا إن لم يبعث بنفقتها إلى شهر ، فجاء الأجل ولم يبعث إليها بشيء فلما قدم خاصموه إلى علي فقال علي : اضطهدتموه حتى جعلها طالقا ، فردها عليه .

ومن طريق عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن شريح : أنه خوصم إليه في رجل طلق امرأته إن أحدث في الإسلام حدثا فاكترى بغلا إلى حمام أعين فتعدى به إلى أصبهان فباعه واشترى به خمرا ؟ فقال شريح : إن شئتم شهدتم عليه أنه طلقها ؟ فجعلوا يرددون عليه القصة ويردد عليهم - فلم يره حدثا ؟

[ ص: 478 ] قال أبو محمد : لا متعلق لهم بما روي من قول علي - رضي الله عنه - اضطهدتموه ، لأنه لم يكن هنالك إكراه ، إنما طالبوه بحق نفقتها فقط فإنما أنكر على اليمين بالطلاق فقط ولم يرد الطلاق يقع بذلك - وكذلك لا متعلق لهم بما في خبر شريح من قول أحد من رواه فلم يره حدثا - فإنما هو ظن من محمد بن سيرين ، أو من هشام بن حسان - وهو ظن خطأ - أو ما نعلم في الإسلام أكثر ممن تعدى من " حمام أعين " وهو على أميال يسيرة دون العشرة من الكوفة إلى أصبهان ، وهي أيام كثيرة من الكوفة ، ثم باع بغل مسلم ظلما واشترى بالثمن خمرا .

ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول : الحلف بالطلاق ليس شيئا ، قلت : كان يراه يمينا ؟ قال : لا أدري - فهؤلاء : علي بن أبي طالب ، وشريح ، وطاوس لا يقضون بالطلاق على من حلف به فحنث ، ولا يعرف لعلي في ذلك مخالف من الصحابة - رضي الله عنهم - .

قال أبو محمد : والطلاق بالصفة عندنا كما هو الطلاق باليمين ، كل ذلك لا يلزم - وبالله تعالى التوفيق .

ولا يكون طلاقا إلا كما أمر الله تعالى به وعلمه ، وهو القصد إلى الطلاق وأما ما عدا ذلك فباطل ، وتعد - لحدود الله عز وجل .

وقد ذكرنا قول عطاء فيمن حلف بطلاق امرأته ثلاثا إن لم يضرب زيدا فمات زيد أو مات هو : أنه لا طلاق عليه أصلا ، وأنه يرث امرأته إن ماتت ، وترثه إن مات - وهو قول أبي ثور .

وقال سفيان : الطلاق يقع بعد الموت - وهذا خطأ ظاهر .

وقال الشافعي : الطلاق يقع عليه والحنث في آخر أوقات الحياة - وهذه دعوى بلا برهان .

وقال مالك : يوقف عن امرأته ، وهو على حنث حتى يبر - وهذا كلام فاسد ، لأنه إن كان على حنث فهو حانث فيلزمه أن تطلق عليه امرأته ، أو أن تلزمه الكفارة باليمين بالله ، وإلا فليس حانثا ، وإذا لم يكن حانثا فهو على بر - لا بد من أحدهما - ولا سبيل إلى حال ثالثة للحالف أصلا . [ ص: 479 ] فصح أن قوله " هو على حنث " كلام لا يعقل - وبالله تعالى التوفيق .

وليت شعري - لأي شيء يوقف عن امرأته ، ولا تخلو من أحد وجهين - : إما أن تكون حلالا فلا يحل توقفه عن الحلال .

أو تكون حراما فلا تحرم عليه إلا بالحنث فليطلقها عليه .

ثم نقول لهم : من أين أجزتم الطلاق بصفة ولم تجيزوا النكاح بصفة ؟ والرجعة بصفة ؟ كمن قال : إذا دخلت الدار فقد راجعت زوجتي المطلقة - أو قال : فقد تزوجتك ؟ وقالت هي مثل ذلك ، وقال الولي مثل ذلك - ولا سبيل إلى فرق - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية