صفحة جزء
وأما بكم تحرم الأمة تحت العبد من عدد الطلاق أو الحرة ؟ وبكم تحرم الأمة والحرة تحت الحر ؟ فروينا من طريق إسحاق بن أحمد نا العقيلي نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبي نا محمد بن جعفر غندر نا همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب أنه قال : السنة بالنساء - يعني الطلاق والعدة - قال همام : لا أشك فيه ولا أمتري .

قال أبو محمد : وهو قول قتادة - ومن طريق سعيد بن منصور نا عبد الرحمن بن زياد عن شعبة عن أشعث بن سوار عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود قال : السنة بالنساء الطلاق والعدة .

ومن طريق عبد الرزاق عن محمد بن يحيى ، وغير واحد عن عيسى عن الشعبي عن اثني عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : الطلاق [ بالرجال ] والعدة بالمرأة .

ومن طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان ، وداود ، وقتادة ، قال حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم ، وقال داود : عن الشعبي ، وقال قتادة : عن الحسن ، قالوا كلهم : العبد يطلق الحرة ثلاثا وتعتد ثلاث حيض ، والحر يطلق الأمة تطليقتين وتعتد حيضتين .

ومن طريق الحجاج بن المنهال ، نا حماد بن زيد نا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين والحسن ، قالا جميعا : الطلاق والعدة بالنساء .

ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال : يطلق المملوك الحرة ثلاثا ، ويطلق الحر المملوكة تطليقتين . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا ابن علية عن أيوب السختياني عن نافع قال : تبين الأمة من الحر والعبد بتطليقتين .

[ ص: 506 ] قال أيوب : وثبت عند ابن عباس : الطلاق والعدة بالنساء .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا زيد بن الحباب عن سيف عن مجاهد قال : إذا كانت الحرة تحت العبد فطلاقها ثلاث ، وعدتها ثلاث حيض ، وإذا كانت الأمة تحت الحر فطلاقها اثنتان ، وعدتها حيضتان .

ومن طريق الحجاج بن المنهال : نا شعبة عن الحكم بن عتيبة ، والأعمش ، قال الحكم عن إبراهيم أنه سأل عبيدة السلماني عمن كان تحته أمة فطلقها ثنتين ، ثم اشتراها أن يأتيها ؟ فأبى ، وقال الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق فيمن كانت تحته أمة فطلقها اثنتين ثم اشتراها ؟ فكره أن يأتيها .

وبه يقول سفيان الثوري ، والحسن بن حي ، وأبو حنيفة ، وأصحابه فهم : علي - وصح عنه - وابن مسعود ، وابن عباس ، واثني عشر من الصحابة - رضي الله عنهم - ولا يصح عن أحد منهم ، لأنه إما منقطع ، وإما عن أشعث بن سوار ، وعيسى الحناط - وكلاهما ضعيف - وهو صحيح عن قتادة والنخعي ، والشعبي ، ومسروق ، وعبيدة ، والحسن ، وابن سيرين ، ونافع مولى ابن عمر - ومجاهد .

وقالت طائفة - بخلاف ذلك - كما روينا من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أخبرني قبيصة بن ذؤيب : أنه سمع زيد بن ثابت يقول : إن كان الرجل حرا وامرأته أمة طلق ثلاث تطليقات ، واعتدت حيضتين - وإن كان عبدا وامرأته حرة طلق تطليقتين ، واعتدت ثلاث حيض .

ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن أيوب السختياني : نا رجاء بن حيوة عن قبيصة بن ذؤيب عن عائشة أم المؤمنين : أن غلاما طلق امرأته - وهي حرة - تطليقتين ، فسأل عائشة ؟ فقالت : لا تقربها .

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : قضى عثمان بن عفان في مكاتب طلق امرأته - وهي حرة - تطليقتين : أنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره .

ومن طريق عبد الرزاق عن عبد الله بن زياد بن سمعان : أن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري أخبره عن نافع عن أم سلمة - أم المؤمنين - مثل قول عثمان ، وزيد .

[ ص: 507 ] ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن هشام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقول : الطلاق بالرجال ، والعدة بالنساء .

ومن طريق ابن أبي شيبة أنا علي بن مسهر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : إذا كانت الحرة تحت العبد فقد بانت منه بتطليقتين ، وعدتها ثلاث حيض ، وإذا كانت الأمة تحت الحر فقد بانت منه بثلاث ، وعدتها حيضتان .

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال : الطلاق بالرجال ، والعدة بالنساء .

ومن طريق ابن أبي شيبة عن وكيع عن الشعبي عن مكحول قال : الطلاق بالرجال ، والعدة بالنساء .

ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال : الطلاق بالرجال ، والعدة بالنساء .

ومن طريق ابن وهب أخبرني رجال من أهل العلم عن القاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، وعمر بن عبد العزيز ، ويحيى بن سعيد ، ويزيد بن قسيط ، وعبد الرحمن بن عبد الله بن الهدير ، وربيعة ، وأبي الزناد ، وسليمان بن يسار ، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، وعمرو بن شعيب : الطلاق بالرجال ، والعدة بالنساء .

وهو قول : مالك ، والشافعي ، فهم : زيد بن ثابت ، وعثمان ، وابن عباس وابن عمر - ولا يصح عن غيرهم - وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، وسائر ذلك منقطع .

وقالت طائفة : الحكم للرق خاصة - كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : الحر يطلق الأمة تطليقتين وتعتد حيضتين ، والعبد يطلق الحرة تطليقتين ، وتعتد ثلاث حيض .

وبه يقول عثمان البتي .

وذهبت طائفة - إلى مثل قولنا - كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا إسماعيل بن إسحاق النصري نا عيسى بن حبيب نا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري [ ص: 508 ] نا جدي محمد بن عبد الله نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد - مولى ابن عباس - عن ابن عباس أن عبدا له طلق امرأته طلقتين فأمره ابن عباس أن يراجعها فأبى ؟ فقال له ابن عباس : هي لك فاستحلها بملك اليمين - وبه يأخذ أبو سليمان ، وجميع أصحابنا .

قال أبو محمد : شغبت الطائفة الأولى بما روينا من طريق أبي داود : نا محمد بن مسعود نا أبو عاصم عن ابن جريج عن مظاهر بن أسلم عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان } قال أبو عاصم : حدثني به مظاهر عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه قال { وعدتها حيضتان } .

نا حمام نا يحيى بن مالك بن عائذ نا ابن أبي غسان نا أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي نا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي نا عمر بن شبيب المسلي نا عبد الله بن عيسى عن عطية عن ابن عمر قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { طلاق الأمة ثنتان ، وعدتها حيضتان } .

وقالوا : لما اتفقنا مع المالكيين ، والشافعيين على أن عدة الأمة نصف عدة الحرة ، وكان الطلاق هو الموجب للعدة وجب أن يكون طلاقها نصف طلاق الحرة .

قالوا : ولما كان حد العبد والأمة الزانيين : نصف حد الحر والحرة - سواء زنيا بحر أو بحرة ، أو بعبد أو أمة .

ولما كان حد الأمة القاذفة للحر والعبد ، وللأمة والحرة : نصف حد الحرة وجب أن يكون الطلاق لها كذلك - ما نعلم لهم حجة غير هذا ؟ قال أبو محمد : الأثران ساقطان - : لأن أحدهما - من طريق مظاهر بن أسلم ، وهو ضعيف .

وفي الثاني - عمر بن شبيب المسلي ، وعطية ، وهما ضعيفان .

ضعف مظاهرا : أبو عاصم الذي روى عنه ، والبخاري .

وضعف عطية : سفيان الثوري ، وأحمد بن حنبل .

وضعف عمر بن شبيب : ابن معين ، والساجي - فسقط التعلق بهما . [ ص: 509 ] وأما قياسهم الطلاق على القذف ، والزنا ، والعدة ، فهلا قاسوه على ما اتفق عليه جميع أهل الإسلام من أن عدة الأمة بوضع الحمل كعدة الحرة .

من أن حد العبد والأمة في القطع وفي السرقة وفي الحرابة - كل ذلك سواء كالحر والحرة ؟ لا سيما والحنفيون يقولون : إن أجل العبد العنين من زوجه الأمة والحرة كأجل الحر ، وصيام العبد في الظهار كصيام الحر ، وفي كفارة اليمين كذلك - فبطل هذا القول .

ثم نظرنا فيما احتجت به الطائفة الثانية - فوجدنا ما روينا من طريق عبد الرزاق نا ابن جريج قال : كتب إلي عبد الله بن زياد بن سمعان أن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري أخبره عن نافع عن { أم سلمة - أم المؤمنين - أن غلاما لها طلق امرأة له حرة تطليقتين فاستفتت أم سلمة النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام : حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك } .

وقالوا : لما كان حد العبد نصف حد الحر وجب أن يكون طلاقه نصف طلاق الحر ؟ قال أبو محمد : أما القياس - فعارضه قياس الطائفة الأولى ، وكل ذلك باطل ودعوى بلا حجة ؟

ويقال لهم : هلا قستم طلاق العبد على مساواته للحر في حد السرقة والحرابة ، وعلى ما أباح له مالك من زواج أربع كالحر ، وعلى ما جعل الشافعي أجله في الإيلاء كأجل الحر ، وعلى صيامه في الكفارات ؟ لا سيما وكلهم متناقض إذا احتجوا - بزعمهم - لكون طلاق العبد ، أو الأمة نصف طلاق الحر والحرة .

وقد أبطلوا في ذلك ، لأن طلاق العبد عند إحدى الطائفتين : طلقتان ، وطلاق الأمة عند الطائفة الأخرى : ثلاثا - طلاق الحر والحرة .

[ ص: 510 ] وما وجدنا حدا يكون للعبد ثلثي حد الحر ؟ فإن قالوا : لم يقدر على طلقة ونصف ؟ قلنا : فأسقطوا ما عجزتم عنه وحرموها بطلقة .

وأما الخبر - ففي غاية الفساد ، لأن ابن سمعان مذكور بالكذب ، وعبد الله بن عبد الرحمن مجهول - مع أن هذا الأثر الساقط يعارض ذينك الأثرين الساقطين ، فهي متدافعة متكاذبة ، لا يحل القول بشيء منها .

وتالله لو صح شيء منها لما سبقونا إليه ، ولا إلى القول به ، ولكن القول بالباطل لا يحل ، كما لا تحل مخالفة الحق - وبالله تعالى التوفيق .

وأما من غلب عليه الرق فما نعلم لهم حجة إلا أن جمعوا قياس الطائفتين .

فيقال لهم : ما الفرق بينكم وبين من غلب الحرية ، وهل هي إلا دعوى كدعوى ؟ فإن قيل : إن ابن عباس إنما أمر غلامه أن يراجع زوجته الأمة بعد أن طلقها طلقتين ، لأنه لا يرى طلاق العبد شيئا ؟ قلنا : قد أعاذ الله ابن عباس من التدليس ، بل روى عنه عطاء : لا طلاق للعبد - وقد روى عنه أبو معبد : أن طلاقه جائز ، وكلاهما ثقة مأمون ، فإذ لا نص في الفرق بين طلاق العبد ، وطلاق الحر ، ولا بين طلاق الأمة ، وطلاق الحرة : فلا يحل تخصيص القرآن في أن الطلاق لا يحرم إلا بثلاث - في حر أو عبد ، أو حرة أو أمة - : بالدعوى بلا برهان وبالله تعالى نتأيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية