صفحة جزء
وأما الحال التي يجوز فيها الفداء - فروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني قال : كان أبو قلابة يرى أن المرأة إذا فجرت فاطلع زوجها على ذلك فليضربها حتى تفتدي .

قال أبو محمد : وهذا لا معنى له إذا رأى ذلك وهي محصنة حل له قتلها .

ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا مسدد نا المعتمر بن سليمان التيمي سمعت أبي يقول : إن أبا قلابة ، ومحمد بن سيرين كانا يقولان : لا يحل الخلع حتى يجد على بطنها رجلا قال الله تعالى : { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } .

قال أبو محمد : هذا في الإخراج من البيوت من العدة ، لا في الخلع .

ومن طريق حماد بن سلمة نا حميد أن بكر بن عبد الله المزني سأل الحسن عمن رأى امرأته يقبلها رجل غيره ؟ قال : قد حل أن يخلعها .

روينا عن علي - ولا يصح - يطيب الخلع للرجل إذا قالت : والله لا أبر لك قسما ، ولا أطيع لك أمرا ، ولا أغتسل لك من جنابة ، ولا أكرم لك نفسا - فيها إسرائيل - وهو ضعيف - عن جابر - وهو كذاب .

وعنه أيضا - من طريق فيها إبراهيم بن أبي يحيى : يحل خلع المرأة ثلاثا إذا أفسدت عليك ذات يدك ، أو دعوتها لتسكن إليها فأبت ، أو خرجت بغير إذنك .

ومن طريق حماد بن سلمة أخبرني مروان الأصفر عن حميد بن عبد الرحمن الحميري قال : لا يصح الخلع حتى تقول المرأة : والله لا أطيع لك أمرا ، ولا أغتسل لك من جنابة .

ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس عن عطاء ، ومجاهد ، قال أحدهما : لا يصح [ ص: 523 ] الخلع حتى لا تغتسل له من جنابة ، ولا تطيع له أمرا ، ولا تبر له قسما ، وقال الآخر : لو فعلت هذا كفرت ، ولكن حتى تقول : لا أبر لك قسما ، ولا أغتسل لك من جنابة ، ولا أطيع لك أمرا .

ومن طريق وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن الحسن قال : الخلع إذا قالت : والله لا أغتسل لك من جنابة - وكل هذا لا برهان على صحته .

ومن طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي إذا كرهت المرأة زوجها فليأخذ منها .

من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري : لا يحل له أخذ شيء من الفدية حتى يكون النشوز من قبلها ، أن تظهر له البغضاء ، وتسيء عشرته وتعصي أمره ، ولا يحل له أن يأخذ أكثر مما أعطاها .

ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن أبيه في الخلع قال : قال الله عز وجل : { أن يخافا أن لا يقيما حدود الله } . ولم يكن يقول قول السفهاء : لا يحل له حتى تقول : لا أغتسل لك من جنابة ، لكن { أن يخافا أن لا يقيما حدود الله } تعالى فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة .

قال أبو محمد : هذا هو الحق ، لقوله تعالى الذي ذكرنا وبالله تعالى التوفيق .

وقال الشافعي : الخلع جائز بتراضيهما وإن لم يخف منهما نشوزا ولا إعراضا ولا خافا { أن لا يقيما حدود الله } وهذا خطأ ، لأنه قول بلا برهان .

وأما الخلع الفاسد - فقد أجازه قوم : وما أعلم لهم حجة ، وكيف يجوز عمل فاسد ، والله تعالى يقول : { إن الله لا يصلح عمل المفسدين }

وقال أبو حنيفة : لا يحل له أن يأخذ منها شيئا - وهو مضار بها - فإن فعل لزمه الطلاق ، وجاز له ما أخذ .

قال أبو محمد : في هذا القول عجب ، لئن كان لا يحل له أن يأخذه فما يحل له إذا [ ص: 524 ] أخذه ، ولئن كان يحل له إذا أخذه : أنه ليحل له أن يأخذه ؟ - وما عدا هذا فوساوس .

وقال الزهري ، ومالك : لا يحل له أن يأخذ منها شيئا - وهو مضار لها - فإن فعل لزمه الطلاق ، ويرد ما أخذ ؟ وهذه أيضا مناقضة ، لأنه إن لزمه الطلاق وجب له تملك ما أخذه عوضا عن الطلاق ، وإن لم يجب له تملك ما أخذه عوضا من الطلاق : لم يلزمه الطلاق ، لأنه لم يطلق طلاقا مطلقا ، بل طلاقا بعوض ، لولاه لم يطلق .

وقال قتادة : إن أخذه منها وهو مضار لها يرد ما أخذ ، وله أن يرجع إليها ما دامت في العدة ، ولا يرجع إليها بعد انقضاء العدة إلا برضاها ؟ وهذا خطأ ، لأنه إن كان الطلاق له لازما ، فالذي أخذ له ملك ، إلا إن كان يقول : إن طلاق الخلع طلاق رجعي ؟ فقد قلنا : إذا لم يصح العوض الذي لم يعقد الطلاق إلا عليه : لم يصح الطلاق الذي لا وقوع له بصحة ملك المطلق لما أخذ عوضا من الطلاق .

وقول عطاء أنه إن افتدت منه وكانت له مطاوعة فإنها ترجع إليه ، ومالها لها ، إلا أن تكون الثالثة فتذهب - : روينا ذلك من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عنه ، فهو أيضا خطأ لما ذكرنا في بطلان قول قتادة ، ومالك ، وقول طاوس هو الحق : رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال : إن أخذ فداءها - ولا يحل له أخذه - رجع إليها مالها ورجعت إليه ، ولم تذهب بنفسها ومالها - وهذا الذي لا يجوز غيره ، لما ذكرنا قبل .

وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية