صفحة جزء
2006 - مسألة : وإذا تنازع الزوجان في متاع البيت في حال الزوجية أو بعد الطلاق ، أو تنازع أحدهما مع ورثة الآخر بعد الموت ، أو ورثتهما جميعا بعد موتهما ، فكل ذلك سواء ، وكل ذلك بينهما مع أيمانهما ، أو يمين الباقي منهما ، أو ورثة الميت منهما ، أو أيمان ورثتهما معا - وسواء في ذلك السلاح ، والحلي ، وما لا يصلح إلا للرجال ، أو إلا للنساء ، أو للرجال والنساء ، إلا ما على ظهر كل واحد منهما فهو له مع يمينه .

وقد اختلف السلف في هذا على أقوال - : فقول - كما روينا من طريق عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري أنه قال في تداعي الزوجين : البيت بيت المرأة ، إلا ما عرف للرجل .

ومن طريق معمر عن أيوب السختياني عن أبي قلابة في ذلك مثل قول الزهري .

ومن طريق عبد الرزاق أنا معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن الحسن البصري قال : للمرأة ما أغلق عليها بابها إذا مات زوجها .

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن قال : ليس للرجل إلا سلاحه وثياب جلده .

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : أما ما أحدث الرجل من متاع فهو له إذا أقام عليه البينة .

[ ص: 126 ] ومن طريق سعيد بن منصور أنا هشيم أنا منصور عن الحسن في رجل طلق امرأته أو مات عنها - وقد أحدثت في بيته أشياء - فقال الحسن : لها ما أغلقت عليه بابها ، إلا سلاح الرجل ومصحفه .

وقالت طائفة : غير هذا - : كما روينا من طريق سعيد بن منصور أنا هشيم أنا منصور عن ابن سيرين قال : ما كان من صداق فهو لها وما كان من غير صداق فهو ميراث .

وقال ثالث - كل شيء للرجل إلا ما على المرأة من الثياب أو الدرع ، والخمار - وهو قول ابن أبي ليلى .

وقول رابع - كما أنا محمد بن سعيد بن نبات أنا أحمد بن عبد الله بن عبد البصير أنا قاسم بن أصبغ أنا محمد بن السلام الخشني أنا محمد بن المثنى ثنا الضحاك بن مخلد - هو أبو عاصم - عن سفيان الثوري عن عبيدة بن مغيث عن إبراهيم النخعي أنه قال في الرجل إذا مات فادعت المرأة متاع البيت أجمع ؟ قال : إن كان من متاع الرجل فهو للرجل - وأما ما كان من متاع النساء فهو للمرأة وما كان مما يكون للرجل وللمرأة فهو للباقي منهما ، فإن كان فرقة - وليس موتا - فهو للرجل .

وقول خامس - كما روينا من طريق سعيد بن منصور أنا سويد بن عبد العزيز قال : سألت ابن شبرمة عن تداعي الزوجين فقال : متاع النساء للنساء ، ومتاع الرجال للرجال وما كان من متاع يكون للرجال والنساء فهو بينهما - وسألت ابن أبي ليلى عن ذلك ؟ فقال مثل قول ابن شبرمة - وزاد : في الحياة والموت .

ومن طريق سعيد بن منصور أنا هشيم أنا من سمع ابن ذكوان المدني ، وعثمان البتي يقولان : ما كان للرجال والنساء فهو بينهما - .

وهو قول عبيد الله بن الحسن ، والحسن بن حي - وأحد قولي زفر - وأوجبوا الأيمان مع ذلك كله .

وقول سادس - كما روينا من طريق سعيد بن منصور أنا هشيم عن ابن شبرمة ، وابن أبي ليلى ، قالا جميعا : ما كان للرجال فهو للرجل ، وما كان للنساء فهو للمرأة ، [ ص: 127 ] وما كان مما يكون للرجال والنساء فهو للرجل وهو قول الحكم - وهو قول مالك - الفرقة والموت سواء في ذلك عنده - ويحلف كل واحد منهما في كل ذلك .

وقول سابع - كما روينا من طريق سعيد بن منصور أنا هشيم : أخبرنا من سمع الحكم بن عتيبة ، وسعيد بن أشوع يقولان : ما كان للرجال فهو للرجل ، وما كان للنساء فهو للمرأة ، وما كان للرجال والنساء فهو للمرأة - وبهذا يقول هشيم .

وقول ثامن - كما روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة أنا غندر عن شعبة عن حماد أنه سئل عن متاع البيت ؟ قال : ثياب المرأة للمرأة ، وثياب الرجل للرجل ، وما تشاجرا فيه ولم يكن لهذا ولا لهذا بينة فهو للذي في يديه .

وقال أبو حنيفة : إن كان أحد الزوجين مملوكا والآخر حرا ، فالمال كله لمن كان منهما حرا مع يمينه - وكذلك قال أبو يوسف ، ومحمد ، إلا أن يكون العبد مأذونا له في التجارة فهو كالحر في حكمه في ذلك .

ثم اختلفوا - فقال أبو يوسف : فإن كانا حرين ، أو مكاتبين ، أو مأذونين لهما في التجارة ، أو أحدهما حرا والآخر مكاتبا ، أو مأذونا له في التجارة ، أو مسلمين ، أو أحدهما ، فإنه يقضى للمرأة بمثل ما تجهز به إلى زوجها ، فما بقي بعد ذلك ، فسواء كان مما لا يصلح إلا للرجال ، أو لا يصلح إلا للنساء ، أو يصلح للرجال والنساء - : فكل ذلك للرجل مع يمينه في الفرقة والموت .

وقال أبو حنيفة في كل هؤلاء : ما كان من متاع الرجال فهو للرجل مع يمينه ، وما كان من متاع النساء فهو للمرأة مع يمينها - هذا في الفرقة والموت ، وما صلح للرجال والنساء فهو للرجال مع يمينه في الفرقة - وهو للباقي منهما أيهما كان - ووافقه على كل ذلك : محمد بن الحسن إلا في الموت ، فإنه جعل ما يصلح للرجال والنساء للرجل ، أو لورثته مع يمينه أو أيمانهم .

وقول تاسع - كما قلنا نحن - وهو قول سفيان الثوري ، والقاسم بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود القاضي ، وشريك بن عبد الله القاضي ، والشافعي ، وأبي سليمان وأصحابهما - ، وأحد قولي : زفر بن الهذيل ، وقول الطحاوي . [ ص: 128 ]

قال أبو محمد احتج من قال بأن ما صلح للرجال فهو للرجل ، وما صلح للنساء فهو للمرأة .

بما رويناه من طريق سعيد بن منصور أنا سويد بن عبد العزيز الدمشقي أنا أبو نوح المدني - من آل أبي بكر - قال : أنا الحضرمي - رجل قد سماه - عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { متاع النساء للنساء ، ومتاع الرجال للرجال } .

قال أبو محمد : هذا خبر موضوع مكذوب لا يحل لأحد أن يرويه إلا على بيان وضعه - : سويد بن عبد العزيز مذكور بالكذب - وأبو نوح لا يدري أحد من هو ؟ والحضرمي مثل ذلك .

ثم لو صح لكان غير حجة لهم ; لأن ظاهره أن لكل أحد متاعا الذي بيده ; لأنه لم يقل فيه : إن اختلف الزوجان ، ولا قال فيه : ما صلح للرجال ، ولا ما صلح للنساء - وإنما فيه : متاع النساء ، ومتاع الرجال ، والمتاع : هو متاع المرء الذي في ملكه - سواء صلح له أو لم يصلح له - وإذا لم يخص به اختلاف الزوجين ، فليس لأحد أن يخص هذا الباب دون اختلاف الأخ والأخت - فبطل تمويههم بهذا الخبر المكذوب .

قال أبو محمد : ولا يختلف المخالفون لنا من الحنفيين ، والمالكيين في أخ وأخت ساكنين في بيت ، فتداعيا ما فيه أنه بينهما بنصفين مع أيمانهما ، ولم يحكموا في ذلك بما حكموا به في الزوجين .

وكذلك لم يختلفوا في عطار ، ودباغ ، أو بزار ، ساكنين في بيت : في أن كل ما في البيت بينهما - مع أيمانهما - ولم يحكموا أن ما كان من عطر فللعطار ، وما كان من آلة الدباغ فللدباغ ، وما كان من آلة البز فللبزاز - فظهر تناقضهم ، وفساد قولهم بيقين ، وأنه ظن كاذب ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث } .

برهان صحة قولنا - : أن يد الرجل ، ويد المرأة على ما في البيت الذي يسكنانه ، [ ص: 129 ] أو دار سكناهما - أي شيء كان - فليس أحدهما أولى به ، فهو لهما إذ هو بأيديهما مع أيمانهما .

ولا ننكر ملك المرأة للسلاح ، ولا ملك الرجل للحلي ، وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية