صفحة جزء
2023 - مسألة : والقتل قسمان : عمد ، وخطأ .

برهان ذلك - : الآيتان اللتان ذكرنا آنفا ، فلم يجعل عز وجل في القتل قسما ثالثا - وادعى قوم أن هاهنا قسما ثالثا ، وهو عمد الخطأ - وهو قول فاسد ; لأنه لم يصح في ذلك نص أصلا ، وقد بينا سقوط تلك الآثار في " كتاب الإيصال " والحمد لله رب العالمين .

مع أن الحنفيين ، والشافعيين القائلين بشبه العمد هم مخالفون لتلك الآثار الساقطة التي موهوا بها فيما فيها من صفة الدية ، وغير ذلك على ما بينا في غير هذا الموضع - وهو عندهم ينقسم قسمين - : أحدهما - ما تعمد به المرء مما قد يمات من مثله - وقد لا يمات من مثله .

قال أبو محمد : رضي الله عنه : هذا عمد وفيه القود أو الدية ، كما في سائر العمد ; لأنه عدوان ، وقال عز وجل : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } .

والثاني - ما تعمد به مما لا يموت أحد أصلا من مثله ، فهذا ليس قتل عمد ولا خطأ - ولا شيء فيه إلا الأدب فقط .

ومن عجائب الأقوال هاهنا أن الحنفيين يقولون : من أخذ حجرا من قنطار فضرب متعمدا رأس مسلم ، ثم لم يزل يضربه به حتى شدخ رأسه كله : فإنه لا قود فيه ، وليس قتل عمد .

وكذلك لو تعمد ضرب رأسه بعود غليظ حتى يكسره كله ويسيل دماغه ويموت ولا فرق .

وقال المالكيون من ضرب بيده في فخذ مسلم فمات المضروب إثر الضربة - : ففيه القود ، ويقتل الضارب .

وسماع هذين القولين يكفي من تكلف الرد عليهما .

[ ص: 215 ] قال أبو محمد رضي الله عنه : فالخطأ من رمى شيئا فأصاب مسلما لم يرده بما قد يمات من مثله فمات المصاب ، أو وقع على مسلم فمات من وقعته - فهذا كله لا خلاف في أنه قتل خطأ لا قود فيه .

أو قتل في دار الحرب إنسانا يرى أنه كافر فإذا به مسلم ، أو قتل إنسانا متأولا غير مقلد - وهو يرى أنه على الحق فإذا به على الخطأ .

برهان قولنا في القاتل في دار الحرب - : قول الله تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } .

" من " هاهنا بمعنى " في " لأنه لا خلاف بين أحد في أن قوما كفارا حربيين أسلم منهم إنسان وخرج إلى دار الإسلام فقتله مسلم خطأ : فإن فيه الدية لولده ، والكفارة - فصح بذلك ما قلنا - والحمد لله رب العالمين .

وأما المتأول - فلما روينا من طريق أبي داود السجستاني أنا مسدد أنا يحيى بن سعيد القطان أنا ابن أبي ذئب حدثني سعيد - هو ابن أبي سعيد المقبري - سمعت أبا شريح الكعبي يقول : { قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل وإني عاقله ومن قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين : أن يأخذوا العقل ، وبين أن يقتلوا } .

قال أبو محمد - رضي الله عنه - : فلا شك أن خزاعة قتلوه متأولين أن لهم قتله - وهكذا نقول فيمن قامت عليه الحجة من النص ثم قتل متماديا على تأويله الفاسد ، المخالف للنص ، أو على تقليد من تأول فأخطأ : فعليه القود .

وهذا الخبر زائد على خبر أسامة بن زيد - وخالد - رضي الله عنهما - في قتل خالد من قتل من بني خذيمة متأولا - وفي قتل أسامة : الرجل الذي قال : لا إله إلا الله - والزيادة لا يجوز تركها .

التالي السابق


الخدمات العلمية