صفحة جزء
[ ص: 286 ] وقالت طائفة : الدية على أهل الإبل من الإبل ، وعلى أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق الورق ، وعلى أهل البقر مائتا بقرة ، وعلى أهل الغنم ألفا شاة ، وعلى أهل الحلل ألفا حلة - ولا تكون الدية إلا من هذه الأصناف .

وقالت طائفة : بمثل ذلك - وزادوا : أن الدية على أهل الطعام من الطعام .

فأما الذين قالوا : على أهل الذهب ألف دينار - : فروينا من طريق إسماعيل بن إسحاق أنا ابن أبي أويس عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه في " كتاب السبعة " أنهم كانوا يقولون : الدية على أهل الذهب ألف دينار .

ومن طريق إسماعيل أيضا أنا سليمان بن حرب أنا حماد بن زيد قال : قال مطر الوراق : ثبتت الدية في الإبل والدنانير والدراهم - وسقطت في البقر . قال أبو محمد رضي الله عنه : وقول السبعة مقصور على ابن أبي الزناد - وهو ضعيف ، أول من ضعفه مالك .

فمن العار والمقت على أصحابه أن يحتجوا برواية كان من قلدوه دينهم أول من أسقط روايته ، وأشار إلى تكذيبه .

وأما قول مطر ففي غاية السقوط ، ليت شعري ما الذي أثبت الدية في الدنانير ، والدراهم ، وأسقطها من البقر ؟ إن هذا لعجب - .

وهو قول أبي حنيفة ، وزفر ، ومالك ، والليث .

وأما اختلافهم في مقدار الدية من الورق - : فطائفة قالت : إنها اثنا عشر ألف درهم - : روينا ذلك من طريق ابن أبي الزناد عن أبيه عن السبعة - ورويناه أيضا من طريق ابن أبي وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه أنه قال ذلك .

وصح عن عروة بن الزبير ، والحسن البصري - وهو قول مالك ، وأحمد ، وإسحاق .

وأما الذين قالوا : عشرة آلاف درهم - : فروينا من طريق حماد بن سلمة عن حميد قال : كتب عمر بن عبد العزيز في الدية عشرة آلاف درهم - .

وهو قول سفيان الثوري ، وأبي حنيفة ، وأصحابه ، وأبي ثور صاحب الشافعي .

وقالت طائفة : بل هي ثمانية آلاف درهم - على ما نورد بعد هذا - إن شاء الله عز وجل .

[ ص: 287 ] وأما الذين قالوا : إن الدية أيضا تكون من البقر ، والغنم ، والحلل - : فكما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء الدية من البقر مائتا بقرة ، كان يقال : على أهل البقر البقر ، وعلى أهل الشاء الشاء . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ، وقتادة ، قالا جميعا : الدية من البقر مائتا بقرة ، قال قتادة : الثنية فصاعدا - .

قال قتادة : على أهل الذهب الذهب ، وعلى أهل الورق الورق ، وعلى أهل الغنم الغنم ، وعلى أهل البز الحلل . وهذا إسناد في غاية الصحة عن الزهري ، وقتادة .

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن مكحول في الدية مائتا بقرة .

ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار سمعت طاوسا يقول : دية الحمير في ثلاثمائة حلة من حلل الثلاث . وقال ابن جريج : قلت لعطاء : البدوي صاحب البقر ، والشاة ، أله أن يعطى إبلا إن شاء ، وإن كره المتبع ؟ فقال : المعقول له هو حقه ، له ماشية العاقل - كائنة ما كانت - لا تصرف إلى غيرها إن شاء . ومن طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال : على أهل الإبل الإبل ، وعلى أهل البقر البقر ، وعلى أهل الغنم الغنم ، وعلى أهل الحلل الحلل . ومن طريق وكيع أنا زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي : يعطي أهل المال المال ، وأهل الإبل الإبل ، وأهل الغنم الغنم - في البعير الذكر خمس عشرة شاة ، وفي الناقة عشرون شاة . ومن طريق وكيع أنا أبو هلال عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال : كنا نأخذ عن البقر خمس شياه ، وعن الجزور عشر شياه . وممن قال : تكون الدية من الإبل ، ومن الذهب ، ومن الفضة ، ومن الغنم ، ومن البقر ، ومن الحلل : الحسن البصري - وهو قول سفيان الثوري وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن .

[ ص: 288 ] قال أبو محمد رضي الله عنه : أما من اقتصر بالدية على الذهب والورق فقط ، ولم يرها في بقر ، ولا غنم ، ولا حلل ، فإنهم شغبوا في ذلك ، بأن قالوا : قد أجمعوا على الدية تكون من الذهب ، والفضة .

فصح بهذا أنها توقيف ، وأنها ليست أبدالا ، إذ لو كانت أبدالا لوجب أن تراعى قيمة الإبل - فتزيد وتنقص - ولم يجمعوا على أن الدية تكون من بقر ، أو من غنم ، أو من حلل ، ولم تجب أن تكون دية إلا ما أجمعوا عليه .

قال أبو محمد رضي الله عنه : هذا كذب بحت ، وما أجمعوا قط ، على أن الدية لا تكون من فضة ، ولا من ذهب ، ولا من غير الإبل ، وقد ذكرنا قول علي ، وزيد ، وابن مسعود ، وطاوس ، وعطاء ، وقولهما : إن الدنانير ، والدراهم في ذلك إنما تكون بقيمة الإبل زادت أو نقصت ، وقول الشافعي وغيره في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية