صفحة جزء
213 - مسألة :

ويبدأ بعد اليوم والليلة المقيم وبعد الثلاثة أيام بلياليها المسافر من حين يجوز له المسح إثر حدثه ، سواء مسح وتوضأ أو لم يمسح ولا توضأ ، عامدا أو ساهيا ، فإن أحدث يومه بعد ما مضى أكثر هذين الأمدين أو أقلهما كان له أن يمسح باقي الأمدين فقط ، ولو مسح قبل انقضاء أحد الأمدين بدقيقة كان له أن يصلي به ما لم يحدث .

قال علي : قال أبو حنيفة والشافعي والثوري : يبتدئ بعد هذين الوقتين من حين يحدث .

وقال أحمد بن حنبل : يبدأ بعدهما من حين يمسح ، وروي عن الشعبي يمسح لخمس صلوات فقط إن كان مقيما ، ولا يمسح لأكثر ، ويمسح لخمس عشرة صلاة فقط ، إن كان مسافرا ، ولا يمسح لأكثر وبه يقول إسحاق بن راهويه وسليمان بن داود الهاشمي وأبو ثور .

قال علي : فلما اختلفوا وجب أن ننظر في هذه الأقوال ونردها إلى ما افترض الله عز وجل علينا أن نردها عليه من القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلنا ، فنظرنا في قول من قال يبدأ بعد الوقتين من حين يحدث ، فوجدناه ظاهر الفساد ; لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم - الذي به تعلقوا كلهم وبه أخذوا أو وقفوا في أخذهم به - إنما جاءنا بالمسح مدة أحد الأمدين المذكورين ، وهم يقرون بهذا ، ومن المحال الباطل أن يجوز له المسح في الوضوء في حال الحدث ، هذا ما لا يقولون به هم ولا غيرهم ، ووجدنا بعض الأحداث قد تطول جدا الساعة والساعتين والأكثر كالغائط .

ومنها ما يدوم أقل كالبول ، [ ص: 331 ] فسقط هذا القول بيقين لا شك فيه وهو أيضا مخالف لنص الخبر ، ولا حجة لهم فيه أصلا .

ثم نظرنا في قول من حد ذلك بالصلوات الخمس أو الخمس عشرة ، فوجدناهم لا حجة لهم فيه إلا مراعاة عدد الصلوات في اليوم والليلة وفي الثلاثة الأيام بلياليهن وهذا لا معنى له ، لأنه إذا مسح المرء بعد الزوال في آخر وقت الظهر فإنه يمسح إلى صلاة الصبح ثم لا يكون له أن يصلي الضحى بالمسح ، ولا صلاة بعدها إلى الظهر وكذلك من مسح لصلاة الصبح في آخر وقتها فإنه يمسح إلى أن يصلي العتمة ، ثم لا يكون له أن يوتر ولا أن يتهجد ولا أن يركع ركعتي الفجر بمسح ، وهذا خلاف لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه عليه السلام فسح للمقيم في مسح يوم وليلة ، وهم منعوه من المسح إلا يوما وبعض ليلة ، أو ليلة وأقل من نصف يوم ، وهذا خطأ بين .

وأيضا فإنه يلزمهم أن من عليه خمس صلوات نام عنهن ثم استيقظ - وكان قد توضأ ولبس خفيه على طهارة ثم نام - أنه يمسح عليهما ، فإذا أتمهن لم يجز أن يمسح بعدهن باقي يومه وليلته ، وهذا خلاف الخبر ، فسقط هذا القول بمخالفته للخبر وتعريه من أن يكون لصحته برهان .

ثم نظرنا في قول أحمد فوجدناه يلزمه إن كان إنسان فاسق قد توضأ ولبس خفيه على طهارة ثم بقي شهرا لا يصلي عامدا ثم تاب : أن له أن يمسح من حين توبته يوما وليلة أو ثلاثا إن كان مسافرا .

وكذلك إن مسح يوما ثم تعمد ترك الصلاة أياما فإن له أن يمسح ليلة ، وهكذا في المسافر ، فعلى هذا يتمادى ماسحا عاما وأكثر ، وهذا خلاف نص الخبر ، فسقط أيضا هذا القول ولم يبق إلا قولنا .

فنظرنا فيه فوجدناه موافقا لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي صح عنه وموافقا لنص الخبر الوارد في ذلك ، ولم يبق غيره فوجب القول به ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بأن يمسح يوما وليلة ، فله أن يمسح إن شاء ، وأن يخلع ما على رجليه ، لا بد له من أحدهما ، ولا يجزيه غيرهما ، وهو عاص لله عز وجل ، فاسق إن لم يأت بأحدهما ، فإن مسح فله ذلك وقد أحسن ، وإن لم يمسح فقد عصى الله ، أو أخطأ إن فعل ذلك ناسيا ولا حرج عليه ، وقد مضى من الأمد الذي وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة ، وبقي باقيها فقط ، وهكذا إن تعمد أو نسي حتى ينقضي اليوم والليلة للمقيم والثلاثة الأيام بلياليهن [ ص: 332 ] للمسافر ، فقد مضى الوقت الذي وقته له الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وليس له أن يمسح في غير الوقت الذي أمره الله تعالى بالمسح فيه .

فلو كان فرضه التيمم ولم يجد ماء فتيمم ثم لبس خفيه ، فله أن يمسح إذا وجد الماء ، لأن التيمم طهارة تامة .

قال الله تعالى وقد ذكر التيمم : { ولكن يريد ليطهركم } ومن جازت له الصلاة بالتيمم فهو طاهر بلا شك ، وإذا كان طاهرا كله فقدماه طاهرتان بلا شك ، فقد أدخل خفيه القدمين وهما طاهرتان ، فجائز له المسح عليهما الأمد المذكور للمسافر ، فإن لم يجد الماء إلا بعد تمام الثلاث بأيامها - من حين أحدث بعد لباس خفيه على طهارة التيمم - لم يجز له المسح ، لأن الأمد قد تم ، وقد كان ممكنا له أن يمسح بنزول مطر أو وجود من معه ماء .

وكذلك لو لم يجد الماء إلا بعد مضي بعض الأمد المذكور ، فليس له أن يمسح إلا باقي الأمد فقط .

قال علي : فإذا تم حدثه فحينئذ جاز له الوضوء والمسح ولا يبالي بالاستنجاء لأن الاستنجاء بعد الوضوء جائز ، وليس فرضه أن يكون قبل الوضوء ولا بد ; لأنه لم يأت بذلك أمر في قرآن ولا سنة ، وإنما هي عين أمرنا بإزالتها بصفة ما للصلاة فقط ، فمتى أزيلت قبل الصلاة وبعد الوضوء أو قبل الوضوء ، فقد أدى مزيلها ما عليه وليس بقاء البول في ظاهر الخرت وبقاء النجو في ظاهر المخرج حدثا ، إنما الحدث خروجهما من المخرجين فقط ، فإذا ظهرا فإنما خبثان في الجلد تجب إزالتهما للصلاة فقط ، فمن حينئذ يعد ، سواء كان وقت صلاة أو لم يكن ; لأن التطهر للصلاة قبل دخول وقتها جائز ، وقد يصلي بذلك الوضوء في ذلك الوقت صلاة فائتة ، أو ركعتي دخول المسجد ، فإن كان مقيما فإلى مثل ذلك الوقت من الغد إن كان ذلك نهارا ، وإلى مثله من الليلة القابلة إن كان ذلك ليلا ، فإن انقضى له الأمد المذكور وقد مسح أحد خفيه ولم يمسح شيئا من الآخر بطل المسح ، ولزمه خلعهما وغسلهما ، لأنه لم يتم له مسحه إلا في وقت قد حرم عليه فيه المسح ، وإن كان مسافرا فإلى مثل ذلك الوقت من اليوم الرابع إن كان حدثه نهارا أو إلى مثل ذلك الوقت من الليلة الرابعة إن كان ذلك ليلا ، وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية