صفحة جزء
2078 - مسألة : من قتل في الزحام ، أو لم يعرف من قتله ، أو أصابه سهم ، أو حجر ، لا يدرى من رماه ، أو هرب قاتله :

قال علي : نا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقي بن مخلد نا أبو بكر بن أبي شيبة نا وكيع نا شعبة عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي : أن رجلا قتل في الطواف ، فاستشار عمر الناس . فقال علي : ديته على المسلمين ، أو في بيت المال .

وبه : إلى وكيع نا وهب بن عقبة ، ومسلم بن يزيد بن مذكور - سمعاه من يزيد بن مذكور قال : إن الناس ازدحموا في المسجد الجامع بالكوفة يوم الجمعة ، فأفرجوا عن قتيل ، فوداه علي بن أبي طالب من بيت المال .

نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي عن الأسود إن رجل قتل في الكعبة فسأل عمر عليا ، فقال : من بيت المال - يعني ديته .

ومن طريق ابن وهب حدثني سعيد بن عبد الله الثقفي عن أبيه عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب في رجلين ماتا في الزحام : أن يوديا من بيت المال ، فإنما قتله يد ، أو رجل .

وقد روي هذا أيضا عن سعيد بن المسيب أيضا ، وعروة بن الزبير .

وقد روي غير هذا : كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : من قتل في زحام فإن ديته على الناس - من حضر ذلك في جمعة ، أو غيرها

قال علي : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما تحتج به كل طائفة [ ص: 108 ]

فوجدنا أهل القول الأول يحتجون بما حدثناه حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن كتاب لعمر بن العزيز قال : بلغنا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن قتل يوم أضحى ، أو يوم فطر ، فإن ديته على الناس جماعة } .

لأنه لا يدرى من قتله - وهذا خبر مرسل ، ولا حجة في مرسل .

والذي نقول به : إن من ضغط في زحام حتى مات من ذلك الضغط فقد عرفنا أن الجماعة تلك بعينها كلهم قتله ، إذ كلهم تضاغطوا حتى مات من ضغطهم ، فإذ قد عرف قاتلوه فالدية واجبة على عواقلهم بلا شك ، فإن قدر على ذلك فهو عليهم ، وإن جهلوه فهم غارمون حيث كانوا ، وحق الغارمين واجب في صدقات المسلمين ، وفي سائر الأموال الموقوفة لجميع مصالح المسلمين .

لقول الله تعالى { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم } الآية .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي } .

وإن كان مات من أمر لا يدرى من أصابه فديته واجبة على جميع الأموال الموقوفة لمصالح المسلمين ، لأن مصيبه غارم ، أو عاقلته ، ولا بد .

وهذا هو نص الخبر - وإن كان لا يحتج به بإرساله لكن معناه صحيح بالنصوص التي ذكرنا - وبالله تعالى التوفيق .

قال أبو محمد : وقد حدثناه حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر قال : قضى هشام بن سليمان في قوم كانوا في ماء فتماقلوا فمات واحد منهم في الماء ، فشهد اثنان على ثلاثة ، وثلاثة على اثنين ، فقضى بديته على جميعهم .

حدثنا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقي بن مخلد نا أبو بكر بن أبي شيبة نا محمد بن أبي عدي عن أشعث عن الحسن أنه قال [ ص: 109 ] في قوم تناضلوا فأصابوا إنسانا ، لا يدرى أيهم أصابه . قال : الدية عليهم .

ورويناه من طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا سلمة بن كهيل وحماد بن أبي سليمان أن علي بن أبي طالب قضى في ستة غلمة كانوا يتغاطون في النهر فغرق أحدهم ، فشهد اثنان على ثلاثة أنهم غرقوه ، وشهد ثلاثة على اثنين أنهما غرقاه - فجعل علي بن أبي طالب ثلاثة أخماس الدية على الاثنين ، وخمسي الدية على الثلاثة قال علي : أما الرواية عن علي بن أبي طالب فلا تصح ، ولو صحت لكان جميع الحاضرين من خصومنا مخالفين لحكمه فيها .

وأما القول عندنا فهو أن الله تعالى حرم الأموال إلا بيقين الحق ، لقوله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل }

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام } فلا يصح قضاء بدية على أحد إلا حيث أوجبها نص [ قرآن أو سنة ] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فإذا مات إنسان في تغاط ، أو نضال ، أو في وجه ماء ، فإنه لا يحل أن يغرم من حضر شيئا من ديته ، ولا عواقلهم ، لأننا لا ندري أجميعهم قتله أم بعضهم ؟ وإذ لا ندري من القاتل له ، فلا فرق بين الحاضرين وبين العابرين على السبيل ، وإلزامهم ديته ، أو عواقلهم ظلم لا شك ، بل نوقن أن جميعهم لم يقتله ، فنحن على يقين من أن إلزام جميعهم الدية ظلم لا شك فيه - فحق هذا أن يؤدي من سهم الغارمين ، أو من الأموال الموقوفة لمصالح جميع المسلمين ، لأن الله تعالى افترض ديته بقوله تعالى { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } فلا بد من دية مسلمة إلى أهله .

وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قد ذكرناه بإسناده في مواضع من كتابنا هذا ولله الحمد " من قتل له قتيل بعد مقالتي هذه فأهله بين خيرتين بين أن يقتلوا أو يأخذوا العقل " أو كما قال عليه الصلاة والسلام . [ ص: 110 ] فالعقل واجب على كل حال في العمد والخطأ ; ولا يخلو قتيل من أحد هذين الوجهين . قال أبو محمد : وهكذا من أصابه حجر لا يدرى من رماه ، أو سهم كذلك ولا فرق - ولو أن امرأ خرج إليه عدو في طريق فقتله ، وجماعة ثقات ينظرون إلى ذلك ، إلا أنهم لا يعرفون القاتل من هو ؟ فلما رآهم القاتل هرب وصار خلف ربوة ، أو في بيت ، أو في خان ، فاتبعته الجماعة فوجدوا خلف الرابية أو الخان أو البيت : جماعة من الناس ، أو اثنين فصاعدا ، فيهم ثقات وغير ثقات ، فسألوهم : من دخل عندكم الساعة ؟ فقال كل امرئ منهم : لا ندري ، كل امرئ منا مشغول بأمره . فأما المالكيون يقولون : يقذف كل من كان في الخان ، وكل من كان في البيت ، وكل من كان خلف الرابية في السجن الدهر الطويل ، حتى يكون موتهم خيرا لهم من الحياة - وهذا ظلم عظيم متيقن ، وخطأ عند الله تعالى بلا شك ; لأنهم على يقين من أنهم كلهم مظلومون إلا واحدا ، فقد أقدموا على ظلم ألف إنسان بيقين ، وهم يدرون أنهم ظالمون لهم خوف أن يفلت ظالم واحد لا يعرفونه بعينه . قال أبو محمد : ويلزم من قال بهذا القول على كل حال أن يقصد إلى أهل كل سوق فيقذفهم في الحبس ، لأننا ندري أن فيهم آكل ربا بيقين ، وشارب خمر بيقين .

وكذلك يلزمهم في قتيل وجد في مدينة أو جزيرة أن يسجنوا جميع أهل تلك المدينة ، وأهل الجزيرة ، وإلا فقد تناقضوا أفحش تناقض .

ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أبطل هذا الحكم الفاسد بفعله في أهل خيبر ، إذ قتل فيهم عبد الله بن سهل - رضي الله عنه - فما سجن أحد منهم ، بل قنع منهم بالأيمان فقط على من ادعى عليه منهم أو بأيمانهم . قال أبو محمد : ويبطل هذا أيضا قول الله تعالى { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس } [ ص: 111 ] وقوله تعالى { إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا }

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث } فلا يحل لأحد الإقدام على أحد بالظن ، فكيف وهم هاهنا قد أقدموا بالجور المحض والظلم المتيقن .

والواجب في هذا أن لا يسجن واحد منهم ، لكن من ادعي عليه حلف المدعون على حكم القسامة ، فإن نكلوا حلف هو يمينا واحدة .

وكذلك لو ادعوا على جماعة بأعيانهم كل واحد منهم يحلف يمينا واحدة ويبرأ ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { لو أعطي الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على من ادعي عليه }

وإن كان وجد في دار قوم أيضا حكم هنالك بحكم القسامة

وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية