صفحة جزء
2091 - مسألة : هل يقام القصاص أو الحدود في الشهر الحرام أم لا ؟

قال علي : قال الله تعالى { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وقال تعالى { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير } إلى قوله تعالى : { والفتنة أكبر من القتل } . قال أبو محمد : وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء : [ ص: 153 ] أرأيت الرجل يقتل في الحرم أين يقتل قاتله ؟ قال : حيث شاء أهل المقتول ؟ قال : فإن قتل في الحل ولم يقتل في الحرم ؟ قال عطاء : وكذلك الشهر الحرام .

وبه : إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : شهر الله الأصم رجب ، قال - فكان المسلمون يعظمون الأشهر الحرم ، لأن الظلم فيها أعظم قال : ومن قتل في شهر حلال أو جرح لم يقتل في شهر حرام حتى يجيء شهر حلال ، قال الله تعالى { الشهر الحرام بالشهر الحرام } .

وبه - إلى عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني عطاء أن رجلا جرح في شهر حلال فأراد عثمان بن محمد بن أبي سفيان أن يقيده - وهو أمير في شهر حرام - فأرسل إليه عبيد بن عمير - وهو في طائفة من الدار : لا تقده حتى يدخل شهر حلال ؟ قال أبو محمد : فهذا عبيد بن عمير ، والزهري لا يريان أن يقاد في شهر حرام من جنى في شهر حلال .

وعن عطاء بن أبي رباح يرى من قتل في شهر حرام أن يقتل في شهر حرام فإن قتل في شهر حلال لم يقد منه في شهر حرام . فهؤلاء من أكابر التابعين وفقهاء مكة والمدينة .

قال علي : قال الله تعالى { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم } فإنما نهى الله تعالى فيها عن الظلم ، فكان الظلم فيها أوكد من الظلم في غيرها ، ولا يحل أن يزاد على الله تعالى ما لم يقل .

ثم نظرنا في قوله تعالى { الشهر الحرام بالشهر الحرام } فكان موجب هذه الآية أن من قتل أو جرح في شهر حرام فلم يظفر به إلا في شهر حلال ، فإن ولي الاستقادة من الدم ، أو الجرح مخير : إن شاء تأخيره إلى شهر حرام فذلك له بنص الآية ، وإن لم يرد ذلك فهو بعض حقه تجافى عنه ولم تمنعه الآية من ذلك - وبهذا نقول - وبالله تعالى التوفيق .

وأما قوله تعالى { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه } إنما هذا في القتال ، وليس في القود في شيء ؟ [ ص: 154 ] قال أبو محمد : ويحبس الذي وجب عليه القود فأخره المجني عليه أو ولي الدم حتى يأتي شهر حرام ، لأنه قد وجب أخذه بما جنى ، فلا ينبغي تسريحه ، بل يوقف بلا خلاف للقود ، ويمنع من الانطلاق .

قال أبو محمد : وأما الحدود فتقام في الشهر الحرام كلها من رجم وغيره ، لأن الله تعالى لم يأت عنه نص بالمنع من ذلك ، ولا من رسوله عليه الصلاة والسلام - وتعجيل الطاعة المفترضة في إقامة الحدود واجب بيقين ، ندري أن الله تعالى لو أراد تأخير ذلك عن الشهر الحرام لبينه تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كما بين ذلك في الحرم بمكة ، فإذا لم يفعل فنحن نشهد بشهادة الله تعالى أنه ما أراد قط أن لا تقام الحدود إلا في الأشهر الحرم . وهكذا القول في حرم المدينة { وما كان ربك نسيا } وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية