صفحة جزء
216 - مسألة :

فإن كان في الخفين أو فيما لبس على الرجلين خرق صغير أو كبير ، طولا أو عرضا ، فظهر منه شيء من القدم ، أقل القدم أو أكثرها أو كلاهما فكل ذلك سواء ، والمسح على كل ذلك جائز ، ما دام يتعلق بالرجلين منهما شيء ، وهو قول سفيان الثوري وداود وأبي ثور وإسحاق بن راهويه ويزيد بن هارون .

قال أبو حنيفة : إن كان في كل واحد من الخفين خرق عرضا يبرز من كل خرق أصبعان فأقل أو مقدار أصبعين فأقل : جاز المسح عليهما ، فإن ظهر من أحدهما دون الآخر ثلاثة أصابع أو مقدارها فأكثر لم يجز المسح عليهما قال : فإن كان الخرق طويلا مما لو فتح ظهر منه أكثر من ثلاثة أصابع جاز المسح .

وقال مالك : إن كان الخرق يسيرا لا يظهر منه القدم جاز المسح ، وإن كان كبيرا فاحشا لم يجز المسح عليهما ، فيهما كان أو في أحدهما .

وقال الحسن بن حي والشافعي وأحمد : إن ظهر من القدم شيء من الخرق لم يجز المسح عليهما ، فإن لم يظهر من الخرق شيء من القدم جاز المسح عليهما .

قال الحسن بن حي : فإن كان من تحت الخرق قل أو كثر جورب يستر القدم جاز المسح .

وقال الأوزاعي : إن انكشف من الخرق في الخف شيء من القدم مسح على [ ص: 335 ] الخفين وغسل ما انكشف من القدم أو القدمين وصلى ، فإن لم يغسل ما ظهر أعاد الصلاة .

قال علي : فلما اختلفوا وجب أن ننظر ما احتجت به كل طائفة لقولها ، فوجدنا قول مالك لا معنى له ، لأنه منع من المسح في حال ما وأباحه في حال أخرى ، ولم يبين لمقلديه ولا لمريدي معرفة قوله ولا لمن استفتاه ، ما هي الحال التي يحل فيها المسح ، ولا ما الحال الذي يحرم فيها المسح فهذا إنشاب للمستفتي فيما لا يعرف وأيضا فإنه قول لا دليل على صحته ، ودعوى لا برهان عليها ، فسقط هذا القول .

ثم نظرنا في قول أبي حنيفة فكان تحكما بلا دليل ، وفرقا بلا برهان ، لا يعجز عن مثله أحد ، ولا يحل القول في الدين بمثل هذا ، وأيضا فالأصابع تختلف في الكبر والصغر تفاوتا شديدا ، فليت شعري أي الأصابع أراد وما نعلم أحدا سبقه إلى هذا القول مع فساده ، فسقط أيضا هذا القول بيقين .

ثم نظرنا في قول الحسن بن حي والشافعي وأحمد فوجدنا حجتهم أن فرض الرجلين الغسل إن كانتا مكشوفتين أو المسح إن كانتا مستورتين ، فإذا انكشف شيء منهما وإن قل فقد انكشف شيء فرضه الغسل ، قالوا : ولا يجتمع غسل ومسح في رجل واحدة ، ما نعلم لهم حجة غير هذا .

قال علي : كل ما قالوه صحيح ، إلا قولهم إذا انكشف من القدم شيء فقد انكشف شيء فرضه الغسل ، فإنه قول غير صحيح ، ولا يوافقون عليه ، إذ لم يأت به قرآن ولا سنة ولا إجماع ، لكن الحق في ذلك ما جاءت به السنة المبينة للقرآن من أن حكم القدمين اللتين ليس عليهما شيء ملبوس يمسح عليه أن يغسلا ، وحكمهما إذا كان عليهما شيء ملبوس أن يمسح على ذلك الشيء ، بهذا جاءت السنة { وما كان ربك نسيا } .

وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذ أمر بالمسح على الخفين وما يلبس في الرجلين ومسح على الجوربين - أن من الخفاف والجوارب وغير ذلك مما يلبس على الرجلين المخرق خرقا فاحشا أو غير فاحش ، وغير المخرق ، والأحمر والأسود والأبيض ، والجديد والبالي ، فما خص عليه السلام بعض ذلك دون بعض ، ولو كان حكم ذلك في الدين يختلف لما أغفله الله تعالى أن يوحي به ، ولا أهمله رسول الله صلى الله عليه وسلم المفترض [ ص: 336 ] عليه البيان ، حاشا له من ذلك فصح أن حكم ذلك المسح على كل حال ، والمسح لا يقتضي الاستيعاب في اللغة التي بها خوطبنا ، وهكذا روينا عن سفيان الثوري أنه قال : امسح ما دام يسمى خفا ، وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مشققة مخرقة ممزقة ؟ وأما قول الأوزاعي فنذكره إن شاء الله في المسألة التالية لهذه وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية