صفحة جزء
2109 - مسألة : الحائط يقع فيتلف نفسا أو مالا ؟ قال علي : روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان عن جابر الجعفي عن الشعبي عن شريح في الحائط إذا كان مائلا ، قال : إن شهدوا عليه ضمن .

وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في الجدار إذا كان مائلا إذا شهدوا على صاحبه فوقع على إنسان فقتله ، فإنه يضمن .

وعن إبراهيم النخعي مثل قول شريح في الجدار المائل .

وقال آخرون غير هذا : كما روينا من طريق ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب [ ص: 193 ] أخبرني يونس - هو ابن يزيد - عن ابن شهاب أنه قال في رجل مال جدار لجاره ، أو انصدع ، فقال له : اكسر جدارك هذا فإنا نخافه ؟ فأبى عليه ، ثم إن الجدار سقط فقتل عبد الذي نهاه ، أو حرا من أهله ؟ قال : لا نرى عليه شيئا ، وقد فرط وأساء .

وأما المتأخرون - فإن ابن أبي ليلى قال : إن علم صاحب الجدار بميله وضعفه فتركه فهو ضامن ، وإن لم يعلم لم يضمن - وبه يقول أبو ثور .

وقال سفيان الثوري : إن لم يشهدوا عليه لم يضمن ، وإن كان معتدلا - وهو مشقوق - لم يجبر على نقضه .

وقال إسحاق بن راهويه : يضمن ما أصاب جداره - أشهد عليه أو لم يشهد .

وقال أبو حنيفة ، ومالك ، وأصحابهما ، والحسن بن حي : إن أشهد عليه بهذا ضمن ، وإن لم يشهد عليه لم يضمن .

وقال الشافعي ، وأبو سليمان ، وأصحابهما : لا ضمان عليه - أشهد عليه أو لم يشهد عليه .

قال علي : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك ليلوح الحق من ذلك فنتبعه - بعون الله تعالى - فنظرنا فيمن فرق بين حكم الإشهاد عليه وحكم ترك الإشهاد عليه ، فلم نجد لهما متعلقا لا من قرآن ، ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب ، ولا قياس ، ولا نظر إلا أنهم قالوا : قد روي عن جماعة من التابعين - وهذا ليس بشيء ، لأننا قد أوردنا مما خالفوا فيه الطوائف من الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف كثيرا جدا ، فكيف ما اختلف فيه نفر من التابعين ؟ وقد أوردنا آنفا قول الزهري : أنه لا ضمان عليه - مع أن القوم بزعمهم أصحاب قياس ؟ ولا يختلفون فيمن وضع دابة في ملكه فخرجت فقتلت من غير فعله أنه لا ضمان عليه - أشهد أو لم يشهد عليه - فما الفرق بين هذا وبين الجدار ينهدم من غير فعله ؟ فبطل هذا القول وظهر فساده وبالله تعالى التوفيق .

[ ص: 194 ] ولم يبق إلا قول من ضمن ما أصاب الجدار - أشهد عليه أو لم يشهد عليه - أو قول من لم يضمنه ما أصاب - أشهد عليه أو لم يشهد - إذ قد صح أن التفريق بين الإشهاد وغير الإشهاد : لا معنى له ألبتة .

فنظرنا في ذلك فوجدنا صاحب الجدار المائل لا يسمى " قاتلا " لمن قتله الجدار في لغة العرب ؟ وقد يكون غائبا بأقصى المشرق والحائط بأقصى المغرب ، فإذ لا يسمى قاتل عمد ، ولا قاتل خطأ فلا دية في ذلك ، ولا كفارة ، ولا ضمان لما تلف من مال ، إذ الأموال محرمة ، ولا يجوز الحكم بغرامة على أحد لم يوجبها عليه نص ولا إجماع - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية