صفحة جزء
2123 - مسألة : الجاني يستقاد منه فيموت أحدهما ؟ قال علي : اختلف الناس في هذا - فقالت طائفة : إذا مات المستقيد ، فكما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء : رجل استقاد من رجل قبل أن يبرأ ثم مات المستقيد من الذي أصابه ، قال أرى : أن يودى ؟ قلت : فمات المستقاد منه ، قال : أرى أن يودى ، قال ابن جريج : قال عمرو بن دينار : أظن أنه سيودى .

[ ص: 223 ] وعن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال : لو أن رجلا استقاد من آخر ثم مات المستقاد منه غرم ديته .

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر ، وابن جريج عن ابن شهاب قال : السنة أن يودى - يعني المستقاد منه .

وبه - إلى معمر عن الزهري في رجل أشل أصبع رجل ؟ قال يستقيد منه ، فإن شلت أصبعه ، وإلا غرم له الدية .

وعن عبد الرزاق عن هشيم عن أبي إسحاق الشيباني أو غيره - شك عبد الرزاق في ذلك - الشعبي في رجل جرح رجلا فاقتص منه ثم هلك المستقاد ؟ قال : عقله على المستقاد منه ويطرح عنه دية جرحه من ذلك فما فضل فهو عليه .

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن شبرمة عن الحارث العقيلي في الذي يستقاد منه ثم يموت ، قال : يغرم ديته ; لأن النفس خطأ .

وعن إبراهيم النخعي عن علقمة : أنه قال في المقتص منه : أيهما مات ودي .

ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة قال : استأذنت زياد بن جرير في الحج فسألني عن رجل شج رجلا فاقتص له منه فمات المقتص منه فقلت : عليه الدية ويرفع عنه بقدر الشجة ، ثم نسيت ذلك ، فجاء إبراهيم فسألته فقال : عليه الدية ، قال شعبة فسألت الحكم وحمادا عن ذلك ؟ فقالا جميعا : عليه الدية . وقال حماد : ويرفع عنه بقدر الشجة .

وقال أبو حنيفة ، وسفيان الثوري ، وابن أبي ليلى : إذا اقتص من يد ، أو شجة ، فمات المقتص منه فديته على عاقلة المقتص له .

وقد روي ذلك عن ابن مسعود ، وعن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود .

قال أبو محمد : الذي يقتص منه ديته على المقتص له غير أنه يطرح عنه دية جرحه .

وقال آخرون : لا شيء في هلاك المقتص منه .

[ ص: 224 ] كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن المسيب قال : قال عمر بن الخطاب في الرجل يموت في القصاص : قتله كتاب الله تعالى ، أو حق ، لا دية له .

ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة نا قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي بن أبي طالب ، وعمر بن الخطاب ، قالا جميعا : من مات في قصاص أو حد ، فلا دية له .

وبه - إلى قتادة عن الحسن من مات في قصاص أو حد ، فلا دية له .

ومن طريق ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا مسعر بن كدام وسفيان عن أبي حصين عن عمير بن سعد قال : قال علي بن أبي طالب : ما كنت لأقيم على رجل حدا فيموت فأجد في نفسي منه شيئا إلا صاحب الخمر ، لو مات وديته .

وعن الحسن البصري عن الأحنف بن قيس عن عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، قالا جميعا في المقتص منه يموت ؟ قالا جميعا : قتله الحق ولا دية له .

وعن سعيد بن المسيب مثل ذلك : قتله الحق ، لا دية له .

وعن أبي سعيد أن أبا بكر ، وعمر ، قالا : من قتله حد فلا عقل له .

قال ابن وهب : وأخبرني الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال : من استقيد منه بمثل ما دخل على الناس منه فقتله القود ، فليس له عقل - ولو أن كل من استقيد منه حق قبله للناس فمات منه غرمه المستقيد : رفض الناس حقوقهم .

قال ابن وهب : قال يونس : قال ربيعة : إن مات الأول - وهو المقتص - قتل به الجارح المقتص منه - وإن مات الآخر - وهو المقتص منه - فبحق أخذ منه كان منه التلف .

وبه - يقول مالك ، وعبد العزيز بن أبي سلمة ، والشافعي ، وأبو يوسف ومحمد بن الحسن ، وأبو سليمان .

قال أبو محمد : فهذه ثلاثة أقوال . أحدها - أنه إن مات المقتص ودي ، وإن مات المقتص منه ودي ، ورفع عنه قدر جنايته .

[ ص: 225 ] وهو قول روي عن ابن مسعود ، كما أوردنا عن إبراهيم النخعي ، والشعبي وحماد بن أبي سليمان - وبه يقول عثمان البتي ، وابن أبي ليلى .

وقول آخر : أنه يودى ، ولا يرفع عنه لجنايته شيء - وهو قول عطاء ، وطاوس - وروي أيضا عن الحكم بن عتيبة - وهو قول الزهري ، وعن عمرو بن دينار ، وأبي حنيفة ، وسفيان الثوري .

وقول ثالث - : أنه لا دية للمقتص منه - وروي عن أبي بكر ، وعمر - رضي الله عنهما - وصح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

وهو قول الحسن ، وابن سيرين ، والقاسم ، وسالم ، وسعيد بن المسيب ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وربيعة .

وهو قول مالك ، والشافعي ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، وأبي سليمان ؟ قال أبو محمد : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك ليلوح الحق فنتبعه بعون الله تعالى فوجدنا من قال : أنه يودى جملة ، فإما يرفع عنه بقدر جنايته ، وإما لا يرفع عنه بقدر جنايته .

يقولون : إن الله تعالى إنما أوجب على القاطع ، والجارح ، والكاسر ، والفاقئ ، والضارب : القود مما فعلوا فقط ، ولم يوجب عليهم قتلا ، فدماؤهم محرمة ، ولا خلاف في أن المقتص من شيء من هذا لو تعمد القتل فلزمه القود ، فإذ هو كذلك فمات المقتص منه مما فعل به بحق ، فقد أصيب دمه خطأ ، ففيه الدية .

وقالوا أيضا : إن من أدب امرأته فماتت فيها الدية ، وهو إنما فعل مباحا ، فهذا المقتص منه ، وإن مات من مباح ففيه الدية ؟ قال علي : ما نعلم لهم حجة غير هاتين ؟ فنظرنا في قول من أسقط الدية في ذلك ، فكان من حجتهم أن قالوا : إن القصاص مأمور به ، ومن فعل ما أمر به فقد أحسن ، وإذ أحسن فقد قال الله تعالى { ما على المحسنين من سبيل } وإذ لا سبيل عليه فلا غرامة تلحقه ، ولا على عاقلته من أهله .

وأما قياس المقتص على موت امرأته فالقياس باطل ، ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل ; لوجهين : [ ص: 226 ] أحدهما - أنه قياس مموه وذلك من أدب امرأته فلا يخلو من أن يكون متعديا - وضع الأدب في غير موضعه - أو غير متعد .

فإن كان متعديا ففيه القود ، وإن كان وضع الأدب موضعه ، فلا سبيل إلى أن يموت من ذلك الأدب الذي أبيح له ، إذ لم يبح له قط أن يؤدبها أدبا يمات مع مثله ، ومن أدب هذا النوع من الأدب فهو ظالم متعد ، والقود عليه في النفس فما دونها ; لأنه لا يجوز لأحد أن يجلد في غير حد أكثر من عشر جلدات - على ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم .

كما روينا - من طريق البخاري نا عبد الله بن يوسف نا الليث بن سعد حدثني يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن عبد الرحمن بن جابر عن عبد الله عن أبي بردة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول { لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله تعالى } .

قالوا : فلم يبح له في العدد أكثر من عشر جلدات ، ولا أبيح له جلدها بما يكسر عظما ، ويجرح جلدا ، أو يعفن لحما ; لأن كل هذا هو غير الجلد ، ولم يبح له إلا الجلد وحده .

وبيقين يدري كل ذي حس سليم أن عشر جلدات لامرأة صحيحة غير مريضة ، ولا ضعيفة ، ولا صغيرة : لا تجرح ، ولا تكسر ، وأنه لا يموت منها أحد .

فإن وافقت منية في خلال ذلك أو بعده : فبأجلها ماتت ، ولا دية في ذلك ، ولا قود ، لأننا على يقين من أنها لم تمت من فعله أصلا .

وإن تعدى في العدد أو ضرب بما يكسر ، أو يجرح ، أو يعفن فعفن ، أو جرح أو كسر ، فالقود في كل ذلك في العمد ، في النفس فما دونها ، أو الدية فيما لم يعمده - وبالله تعالى التوفيق .

قال أبو محمد : وأما قولهم : إن المقتص منه إنما أبيح عضوه ، أو بشرته ولم يبح دمه - فصح أنه إن مات من ذلك ، فإنه مقتول خطأ ، ففيه الدية - فإن هذا قول غير [ ص: 227 ] صحيح ; لأن القصاص الذي أمر الله تعالى بأخذه لا يخلو من أحد وجهين : إما أن يكون مما يمات من مثله ، كقطع اليد ، أو شق الرأس ، أو كسر الفخذ ، أو غير ذلك .

أو يكون مما لا يمات من مثله ، كاللطمة ، وضربة السوط ، ونحو ذلك .

فإن كان مما يمات من مثله فذلك الذي قصد فيه ; لأنه قد تعدى بما قد يمات من مثله ، فوجب أن يتعدى عليه بما قد يمات من مثله ، فإن مات فعلى ذلك بنى فيه ، وعلى ذلك بنى هو فيما تعدى فيه .

والوجه الذي مات منه أمرنا الله تعالى أن نتعمده فيه ، فإذ ذلك كذلك فليس عدوانا ، وإذ ليس عدوانا عليه فلا قود ، ولا دية ; لأنه لم يقتل خطأ ، فإن مات من عمد أمرنا الله تعالى أن نتعمده فيه ، ولم يكلفنا أن لا يموت من ذلك - ولو أن الله تعالى أراد ذلك لما أهمله ، ولا أغفله ، ولا ضيعه ، فإذ لم يبين لنا تعالى ذلك فبيقين ندري أنه تعالى لم يرده قط .

وإن كان الذي اقتص به منه مما لا يمات منه أصلا فوافق منيته فإنما مات بأجله ، ولم يمت مما عمل به ، لا قود ، ولا دية .

فإن تعمد المقتص فتعدى على المقتص منه ما لم يبح له ، فهو متعد ، وعليه القود في النفس فما دونها ، وإن أخطأ فأتى بما لم يبح له عمله : فهو خطأ الدية على عاقلته ، وعليه الكفارة في النفس - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية