صفحة جزء
2135 - مسألة : قال أبو محمد - رحمه الله - : ولو أن كافرا ذميا قتل ذميا ثم أسلم القاتل بعد قتله المقتول ، أو قبل موت المقتول : فلا قود على القاتل أصلا ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يقتل مؤمن بكافر } .

قالوا : ودية المقتول - إن اختاروا الدية قبل إسلام قاتل وليهم ، أو فادوه ثم أسلم : بقيت الغرامة لهم عليه ; لأنه مال استحقوه عنده ، والأموال تجب للكافر على المؤمن ، وللمؤمن على الكافر - وقد { مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعا من شعير أخذها صلى الله عليه وسلم لقوت أهله } وقد ذكرناه بإسناده قبل هذا .

[ ص: 250 ] فلو أن المجروح أسلم أيضا ثم مات - وهو مسلم - فالقود له واجب ; لأنه مؤمن بمؤمن ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { المؤمنون تتكافأ دماؤهم } .

قال أبو محمد رحمه الله : فلو أن مسلما جرح ذميا عمدا ظالما فأسلم الذمي ثم مات من ذلك الجرح فالقود في ذلك بالسيف خاصة ، ولا قود في الجرح لأن الجرح حصل ، ولا قود فيه للكافر { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } فلما أسلم ثم مات مسلما من جناية ظلم يمات من مثلها : حصل مقتولا عمدا - وهو مسلم - ففيه ما جعل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على من قتل مؤمنا - وبالله تعالى التوفيق .

فلو أن صبيا ، أو مجنونا جرحا إنسانا ، ثم عقل المجنون وبلغ الصبي ، ثم مات المجروح ، فلا شيء في ذلك ، لا دية ، ولا قود ، لأنه مات من جناية هدر لا حكم لها .

فإن قيل : قد قلتم في الذي يرمي حربيا ثم يسلم ، ثم يموت : إن فيه الدية على العاقلة ، فكيف تجعلون الدية فيمن مات من جناية مأمور بها ، ولا تجعلون الدية فيمن مات من جناية هذا ؟ فقد قلنا - وبالله تعالى التوفيق - : هكذا قلنا ; لأن الجاني المأمور بتلك الجناية مخاطب مكلف ملزم في قتل الخطأ كفارة أو كفارة ودية على عاقلته ، وليس المجنون والصبي مخاطبين أصلا ، ولا مكلفين شريعة في قتل عمد ، ولا في قتل خطأ : فسقط حكم كل ما عملا ، ولم يكن له في الشرع دخول ، ولم يسقط ما فعله المخاطب المكلف المأمور المنهي .

ولو أن عاقلا قتل أو جرح ثم جن فمات المجروح من تلك الجناية : فالقود على المجنون ، أو الدية في ماله ، ولا مفاداة هنالك ؟ ; وذلك لأن القود قد وجب عليه حين جنى ، وحكم تلك الجناية لازم له ، وقد يسقط عنه بذهاب عقله ، إذ لم يوجب ذلك نص قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع - وكذلك يقام عليه في جنونه حد لزمه في حال عقله ، ولا يقام عليه في حال عقله كل حد كان منه في حال جنونه ، بلا خلاف من الأمة ، والسكران مجنون ؟ .

التالي السابق


الخدمات العلمية