صفحة جزء
[ ص: 251 ] قال أبو محمد - رضي الله عنه : نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الأعرابي نا أبو داود نا القعنبي نا عبد العزيز بن محمد - هو الدراوردي - عن سعد - هو ابن سعيد - عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { كسر عظم الميت ككسره حيا } .

قال أبو محمد رحمه الله : هذا لا يسند إلا من طريق سعد بن سعيد الأنصاري أخي يحيى بن سعيد - وهم ثلاثة إخوة : يحيى بن سعيد إمام ثقة ، وعبد ربه بن سعيد لا بأس به وليس بالهنالك في الإمامة ، وسعد بن سعيد وهو ضعيف جدا لا يحتج به - لا خلاف في ذلك ، فبطل أن يتعلق بهذا الحديث ، ولو صح لقلنا به في كسر العظم خاصة ، ولما كان لقول من قال : إن هذا في الحرمة معنى ; لأنه كان يكون دعوى بلا دليل ، وتخصيصا بلا برهان .

قال أبو محمد رحمه الله : فمن جرح ميتا ، أو كسر عظمه ، أو أحرقه ، فلا شيء عليه في ذلك - أما القتل فلا شك فيه ; لأنه ليس قاتلا - وأما الجرح والكسر ، فلو وجد فيه خلاف لوجب القصاص ; لأنه عدوان - وإن صح الإجماع في أن لا قود في ذلك وجب الوقوف عند الإجماع ، وإلا فقد قال تعالى { والجروح قصاص } وهذا جرح وجارح .

وقال تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } ، وقال تعالى { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } ، وهذا الفعل بالميت سيئة واعتداء ، فالقصاص واجب في ذلك إلا أن يمنع منه إجماع .

فإن قيل : إن الله تعالى قال { والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له } وقال تعالى { وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله } فدل هذا على أن ذلك كله للحي ؟ [ ص: 252 ] قلنا ، وبالله تعالى التوفيق : هذا لا حجة لكم فيه لوجهين : أحدهما - : أن الأمر بالقصاص والاعتداء عموم ، ثم قد يخص بالعفو والصدقة بعض المعتدى عليهم دون بعض .

والوجه الثاني - أنه تعالى لم يمنع بقوله تعالى الصادق { فمن تصدق به فهو كفارة له } ولا بقوله الصادق { فمن عفا وأصلح فأجره على الله } من أن يكون القصاص واجبا لمن لا عفو له ولا صدقة ، كالمجنون والصبي ، فيكون الميت داخلا في هذا العموم .

ووجه ثالث - وهو : أن الله تعالى قال { فمن عفا وأصلح } وقال تعالى { فمن تصدق به } ولم يقل تعالى فإن تصدق المجروح وحده ، ولا قال فمن عفا من الذين العفو إليهم خاصة ، ولكن أجمل - عز وجل - الأمر ، فجائز عفو المجني عليه وصدقته إذا كان ممن له عفو وصدقة ، وجائز عفو الولي إذا بطل أن يكون للمجني عليه عفو ويئس من ذلك ؟ وأكثر الحاضرين من خصومنا يرون القطع على من سرق من ميت كفنه - وبه نأخذ ، وعلى من قذف ميتا .

ومن الناس من يرى الحد على من زنى بميتة ، فإن من فرق بين ما رأوه من ذلك وبين القود له من الجرح والكسر - وليس هذا قياسا ; لأنه ليس بعض ذلك أصلا لبعض ، بل كله باب واحد ، من عمل عملا جاء النص بإيجاب حكم على عامل ذلك العمل ، فواجب إنفاذ ذلك الحكم على من عمل ذلك العمل ؟ .

قال أبو محمد رحمه الله : وهذا قول يؤيده النظر ، ويشهد له القرآن والسنن بالصحة ، وما نعلم هاهنا قولا لأحد من الصحابة - رضي الله عنهم - يمنع منه ، فكيف أن يصح الإجماع من جميعهم على المنع منه ؟ هذا أمر لا سبيل إلى وجوده أبدا ، ولو كان حقا لوجد بلا شك ، ولما اختفى ، فالواجب المصير إلى ما أوجبه القرآن والسنة - وإن لم يعلم قائل بذلك - إذا لم يصح إجماع متيقن بتخصيص النص ، أو بنسخه - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية