صفحة جزء
2166 - مسألة : قال أبو محمد رحمه الله : قال قوم : إن أمان العبد ، والمرأة ، والرجل الحر جائز لأهل البغي .

وهذا عندنا ليس بشيء ; لأن أمان أهل البغي بأيديهم ، متى تركوا القتال حرمت [ ص: 361 ] دماؤهم ، وكانوا إخواننا ، وما داموا مقاتلين باغين فلا يحل لمسلم إعطاؤهم الأمان على ذلك ، فالأمان والإجارة هاهنا هدر ولغو ، وإنما الأمان والإجارة للكافر الذي يحل للإمام قتله - إذا أسروه - واستبقاؤه ، لا في مسلم - إن ترك بغيه - كان هو ممن يعطى الأمان ويجار .

ولو أن أحدا من أهل البغي أجار كافرا جازت إجارته ، كإجارة غيره ، ولا فرق ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { يجير على المسلمين أدناهم } .

ولو أن أهل البغي دخلوا غزاة إلى دار الحرب فوافقوا أهل العدل فقاتلوا معهم فغنموا ، فالغنيمة بينهم على السواء ; لأنهم كلهم مسلمون .

ومن قتل من أهل البغي قتيلا من أهل الحرب فله سلبه ; لأنه من جملة المخاطبين بذلك الحكم .

ولو ترك أهل الحرب من الكفار ، وأهل المحاربة من المسلمين على قوم من أهل البغي ، ففرض على جميع أهل الإسلام ، وعلى الإمام عون أهل البغي وإنقاذهم من أهل الكفر ، ومن أهل الحرب ; لأن أهل البغي مسلمون .

وقد قال الله تعالى { إنما المؤمنون إخوة } وقال تعالى { أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } وقال تعالى { أشداء على الكفار رحماء بينهم } وأما أهل المحاربة من المسلمين فإنهم يريدون ظلم أهل البغي في أخذ أموالهم ، والمنع من الظلم واجب - قال الله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } فمن ترك المحارب ، لم يعن المطلوب فقد أعان المحارب على إثمه وعدوانه ، وهذا حرام .

ولو أن أهل العدل وأهل البغي توادعوا وتعاطوا الرهان فهذا لا يجوز ، إلا مع ضعف أهل العدل على المقاتلة ; لقول الله تعالى { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } فما دمنا قادرين على المقاتلة لهم لم يحل لنا غيرها أصلا ، ولسنا [ ص: 362 ] في سعة من تركها ساعة فما فوقها ، فإن ضعفنا عن ذلك ، فقد قال الله تعالى { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } فإن قتلوا رهن أهل العدل لم يحل لنا قتل رهنهم ; لأنهم مسلمون غير مقاتلين ، ولم يقتلوا لنا أحدا وإنما قتل الرهن غيرهم ، وقد قال الله تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى } .

التالي السابق


الخدمات العلمية