صفحة جزء
2192 - مسألة : صفة الضرب ؟ قال أبو محمد رحمه الله : أجاز قوم أن يسال الدم في جلد الحدود ، والتعزير - وهو لم يأت به عن الصحابة شيء من ذلك ، بل قد صح عن عمر - رضي الله عنه - مما قد ذكرناه قبل لا تجد ، فاجلدها ، ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة - رضي الله عنهم - والذي نقول به في الضرب في الزنى ، والقذف ، والخمر ، والتعزير : أن لا يكسر له عظم ، ولا أن يشق له جلد ، ولا أن يسال الدم ، ولا أن يعفن له اللحم ، لكن بوجع سالم من كل ذلك ، فمن تعدى فشق في ذلك الضرب جلدا ، أو أسال دما ، أو [ ص: 82 ] عفن لحما ، أو كسر له عظما ، فعلى متولي ذلك القود ، وعلى الآمر أيضا القود إن أمر بذلك

برهان ذلك : قول الله تعالى { قد جعل الله لكل شيء قدرا }

فعلمنا يقينا أن لضرب الحدود قدرا لا يتجاوزه وقدرا لا ينحط عنه بنص القرآن ، فطلبنا ذلك فوجدنا أدنى أقداره أن يؤلم ، فما نقص عن الألم فليس من أقداره - وهذا ما لا خلاف فيه من أحد - وكان أعلى أقداره نهاية الألم في الزنى مع السلامة من كل ما ذكرنا ، ثم الحطيطة من الألم على حسب ما وصفنا

فأما المنع من كل ما ذكرنا ، فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام } فحرمت إسالة الدم نصا إذ هرق الدم حرام ، إلا ما أباحه نص ، أو إجماع - ولا نص ، ولا إجماع على إباحة إسالة الدم في شيء من الحدود - نعم ، ولا عن أحد من التابعين

وأما تعفن اللحم : فقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريم البشرة ، فلا يحل منها إلا ما أحله نص أو إجماع ، وإنما صح النص والإجماع على إباحتها للألم فقط ، وأما كسر العظام ، فلا يقول بإباحته في ضرب الحدود أحد من الأمة بلا شك ؟

قال أبو محمد رحمه الله : ومن خالفنا في هذه الأشياء سألناه ألشدة الضرب في ذلك حد أم لا ؟ فإن قالوا : لا ، تركوا قولهم ، وخالفوا الإجماع ، ولزمهم أن يبيحوا أن يجلد في كل ذلك بسوط مملوء حديدا أو رصاصا يقتل من ضربه - وهذا لا يقوله أحد من الأمة

وإن قالوا : إن لذلك حدا وقدرا نقف عنده فلا يحل تجاوزه : سئلوا عن ذلك ، فإن حدوا فيه غير ما حددنا كانوا متحكمين في الدين بلا برهان

فإن قالوا : إن الحدود إنما جعلت للردع ؟ قلنا لهم : كلا ، ما ذلك كما تقولون ، إنما ردع الله تعالى بالتحريم وبالوعيد في [ ص: 83 ] الآخرة فقط ، وأما بالحدود فإنما جعل الله تعالى كما شاء ، ولم يخبرنا الله تعالى أنها للردع ، ولو كانت للردع كما تدعون لكان ألف سوط أردع من مائة ومن ثمانين ، ومن أربعين ، ومن خمسين ، ولكان قطع اليدين والرجلين أردع من قطع يد واحدة ، ولكنا نقول : هي نكال وعقوبة ، وعذاب ، وجزاء ، وخزي ، كما قال الله تعالى في المحاربة { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون } الآية

وقال تعالى { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب }

وقال تعالى في القاذف { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا } الآية

وقال تعالى { والسارق والسارقة } الآية

وقال تعالى { الزانية والزاني } الآية وإنما التسمية في الدين إلى الله تعالى ، لا إلى الناس

فصح أنه تعالى جعلها كما شاء حيث شاء ، ولم يجعلها حيث لم يشأ

قال أبو محمد رحمه الله : فإذ قد صح ما ذكرنا ، وصح مقدار الضرب الذي لا يتجاوز ، فقد صح أن من تجاوز ذلك المقدار فإنه متعد لحدود الله تعالى ، وهو عاص بذلك ، ولا تنوب معصية الله تعالى عن طاعته ، فإذ هو متعد فعليه القود ، قال الله تعالى { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه } الآية فضرب التعدي لا يتبعض بلا شك ، فإذ لا يتبعض - وهو معصية - فباطل أن يجزي عن الحد الذي هو طاعة لله تعالى فيقتص له منه ، ثم يقام عليه الحد ولا بد - وبالله تعالى التوفيق

التالي السابق


الخدمات العلمية