صفحة جزء
مسألة : المستأجرة للزنى ، أو للخدمة والمخدمة ؟

[ ص: 196 ] قال أبو محمد : حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج ني محمد بن الحارث بن سفيان عن أبي سلمة بن سفيان : أن امرأة جاءت إلى عمر بن الخطاب فقالت : يا أمير المؤمنين أقبلت أسوق غنما لي فلقيني رجل فحفن لي حفنة من تمر ، ثم حفن لي حفنة من تمر ثم حفن لي حفنة من تمر ، ثم أصابني ؟ فقال عمر : ما قلت ؟ فأعادت ، فقال عمر بن الخطاب ويشير بيده : مهر مهر مهر - ثم تركها .

وبه - إلى عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن الوليد بن عبد الله - وهو ابن جميع - عن أبي الطفيل أن امرأة أصابها الجوع فأتت راعيا فسألته الطعام ؟ فأبى عليها حتى تعطيه نفسها ، قالت : فحثى لي ثلاث حثيات من تمر وذكرت أنها كانت جهدت من الجوع ، فأخبرت عمر ، فكبر وقال : مهر مهر مهر - ودرأ عنها الحد ؟

قال أبو محمد رحمه الله : قد ذهب إلى هذا أبو حنيفة ولم ير الزنى ، إلا ما كان مطارفة ، وأما ما كان فيه عطاء أو استئجار فليس زنى ولا حد فيه .

وقال أبو يوسف ، ومحمد ، وأبو ثور ، وأصحابنا ، وسائر الناس ، هو زنى كله وفيه الحد .

وأما المالكيون ، والشافعيون ، فعهدنا بهم يشنعون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف - إذا وافق تقليدهم - وهم قد خالفوا عمر - رضي الله عنه - ولا يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ، بل هم يعدون مثل هذا إجماعا ، ويستدلون على ذلك بسكوت من بالحضرة من الصحابة عن النكير لذلك .

فإن قالوا : إن أبا الطفيل ذكر في خبره أنها قد كان جهدها الجوع ؟ قلنا لهم : وهذا أيضا أنتم لا تقولون به ، ولا ترونه عذرا مسقطا للحد ، فلا راحة لكم في رواية أبي الطفيل مع أن خبر أبي الطفيل ليس فيه أن عمر عذرها بالضرورة ، بل فيه : أنه درأ الحد من أجل التمر الذي أعطاها وجعله عمر مهرا .

وأما الحنفيون المقلدون لأبي حنيفة في هذا فمن عجائب الدنيا التي لا يكاد يوجد لها نظير : أن يقلدوا عمر في إسقاط الحد هاهنا بأن ثلاث حثيات من تمر مهر ، وقد خالفوا هذه القضية بعينها فلم يجيزوا في النكاح الصحيح مثل هذا وأضعافه [ ص: 197 ] مهرا ، بل منعوا من أقل من عشرة دراهم في ذلك - فهذا هو الاستخفاف حقا ، والأخذ بما اشتهوا من قول الصاحب حيث اشتهوا ، وترك ما اشتهوا تركه من قول الصاحب إذا اشتهوا ، فما هذا دينا ؟ وأف لهذا عملا ، إذ يرون المهر في الحلال لا يكون إلا عشرة دراهم لا أقل ، ويرون الدرهم فأقل مهرا في الحرام ، إلا أن هذا هو التطريق إلى الزنى ، وإباحة الفروج المحرمة ، وعون لإبليس على تسهيل الكبائر ، وعلى هذا لا يشاء زان ولا زانية أن يزنيا علانية إلا فعلا وهما في أمن من الحد ، بأن يعطيها درهما يستأجرها به للزنى .

فقد علموا الفساق حيلة في قطع الطريق ، بأن يحضروا مع أنفسهم امرأة سوء زانية وصبيا بغاء ، ثم يقتلوا المسلمين كيف شاءوا ، ولا قتل عليهم من أجل المرأة الزانية والصبي البغاء ، فكلما استوقروا من الفسق خفت أوزارهم وسقط الخزي والعذاب عنهم .

ثم علموهم وجه الحيلة في الزنى ، وذلك أن يستأجرها بتمرتين وكسرة خبز ليزني بها ثم يزنيان في أمن وذمام من العذاب بالحد الذي افترضه الله تعالى .

ثم علموهم الحيلة في وطء الأمهات والبنات ، بأن يعقدوا معهن نكاحا ثم يطئونهن علانية آمنين من الحدود .

ثم علموهم الحيلة في السرقة أن ينقب أحدهم نقبا في الحائط ويقف الواحد داخل الدار والآخر خارج الدار ، ثم يأخذ كل ما في الدار فيضعه في النقب ، ثم يأخذه الآخر من النقب ، ويخرجا آمنين من القطع .

ثم علموهم الحيلة في قتل النفس المحرمة بأن يأخذ عودا صحيحا فيكسر به رأس من أحب حتى يسيل دماغه ويموت ويمضي آمنا من القود ومن غرم الدية من ماله .

ونحن نبرأ إلى الله تعالى هذه الأقوال الملعونة ، وما قال أئمة المحدثين ما قالوا باطلا - ونسأل الله السلامة .

ولو أنهم تعلقوا في كل ما ذكرنا بقرآن أو سنة لأصابوا ، بل خالفوا القرآن والسنة ، وما تعلقوا بشيء إلا بتقليد مهلك ، ورأي فاسد ، واتباع الهوى المضل ؟

[ ص: 198 ] قال أبو محمد رحمه الله : وحد الزنى واجب على المستأجر والمستأجرة ، بل جرمهما أعظم من جرم الزاني والزانية بغير استئجار ، لأن المستأجر والمستأجرة زنيا كما زنى غير المستأجر ولا فرق ، وزاد المستأجر والمستأجرة على سائر الزنى حراما آخر - وهو أكل المال بالباطل .

وأما المخدمة - فروي عن ابن الماجشون صاحب مالك : أن المخدمة سنين كثيرة لا حد على المخدم إذا وطئها - وهذا قول فاسد ومع فساده ساقط : أما فساده - فإسقاطه الحد الذي أوجبه الله تعالى في الزنى .

وأما سقوطه - فتفريقه بين المخدمة مدة طويلة ، والمخدمة مدة قصيرة ، ويكلف تحديد تلك المدة المسقطة للحد التي يسقط فيها الحد ، فإن حد مدة كان متزيدا من القول بالباطل بلا برهان ، وإن لم يحد شيئا كان محرما موجبا شارعا ما لا يدري فيما لا يدري - وهذه تخاليط نعوذ بالله منها .

والحد كامل واجب على المخدم والمخدمة ، ولو أخدمها عمر نوح في قومه - لأنه زنى وعهر من ليست له فراشا - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية