صفحة جزء
2223 - مسألة : الشهود في الزنى لا يتمون أربعة ؟

قال أبو محمد رحمه الله : قال قوم : إذا لم يتم الشهود أربعة حدوا حد القذف : كما نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا علي بن زيد بن جدعان عن عبد الرحمن بن أبي بكرة : أن أبا بكرة وزيادا ، ونافعا ، وشبل بن معبد ، كانوا في دار أبي عبد الله في غرفة ورجل في أسفل ذاك ، إذ هبت ريح فتحت الباب ووقعت الشقة ، فإذا رجل بين فخذيها ؟ فقال بعضهم : قد ابتليا بما ترون ، فتعاهدوا وتعاقدوا على أن يقوموا بشهادتهم ، فلما حضرت صلاة العصر أراد الرجل أن يتقدم فيصلي بالناس فمنعه أبو بكرة ، وقال : لا والله لا تصلي بنا ، وقد رأينا ما رأينا ؟ فقال الناس : دعوه فليصل فإنه الأمير ، واكتبوا بذلك إلى عمر ؟ فكتبوا إلى عمر ؟ فكتب عمر بن الخطاب : أن اقدموا علي ؟ فلما قدموا شهد عليه أبو بكرة ، ونافع ، وشبل ، وقال زياد : قد أريت رعة سيه ، ورأيت ورأيت ، ولكن لا أدري أنكحها أم لا ؟ فجلدهم عمر ، إلا زيادا فقال أبو بكرة : ألستم قد جلدتموني ؟ قالوا : بلى ، قال : فأشهد بالله ألف مرة لقد فعل ؟ فأراد عمر بن الخطاب أن يجلده الثانية ، فقال علي بن أبي طالب : إن كانت شهادة أبي بكرة شهادة : رجلين فارجم صاحبك وإلا فقد جلدتموه .

[ ص: 210 ] حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب قال : شهد على المغيرة بن شعبة ثلاثة بالزنى ونكل زياد ، فجلد عمر الثلاثة ، وقال لهم : توبوا تقبل شهادتكم ؟ فتاب اثنان ولم يتب أبو بكرة - فكانت لا تقبل شهادته - وأبو بكرة أخو زياد لأمه - فحلف أبو بكرة أن لا يكلم زيادا أبدا ، فلم يكلمه حتى مات .

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن بديل العقيلي عن أبي الوضاح قال : شهد ثلاثة نفر على رجل وامرأة بالزنى ، وقال الرابع : رأيتهما في ثوب واحد ، فإن كان هذا زنى فهو ذاك ، فجلد علي الثلاثة وعزر الرجل والمرأة ؟

قال أبو محمد رحمه الله رحمه الله : وبهذا يقول أبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهما .

وقال أبو ثور ، وأبو سليمان ، وجميع أصحابنا : لا يحد الشاهد بالزنى أصلا - كان معه غيره أو لم يكن ؟

قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لقولها ليلوح الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى ، فوجدنا من قال : يحد الشهود إذا لم يتموا أربعة ، بأن ذكروا : ما ناه حمام نا ابن المفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { قضاء الله ورسوله أن لا تقبل شهادة ثلاثة ، ولا اثنين ، ولا واحد ، على الزنى ويجلدون ثمانين جلدة ، ولا تقبل لهم شهادة أبدا حتى يتبين للمسلمين منهم توبة نصوح وإصلاح } .

وقالوا : حكم عمر بن الخطاب بحضرة علي وعدة من الصحابة - رضي الله عنهم - لا ينكر ذلك عليه منهم أحد ، فكان هذا إجماعا ، وهذا كل ما موهوا به ، ما نعلم لهم حجة غير هذا ، إلا أن بعضهم ذكر { قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي رمى امرأته البينة وإلا حد في ظهرك } .

قال أبو محمد رحمه الله : وكل هذا لا حجة لهم فيه : أما خبر [ ص: 211 ] عمرو بن شعيب فمنقطع أقبح انقطاع لأنه لم يذكر من بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حجة عندنا في مرسل ، ولا عند الشافعي ، فلا يجوز لهم أن يحتجوا علينا به ، لأننا لا نقول به أصلا ، فيلزمونا إياه على أصلنا ، وهم لا يقولون به فيحتجوا به على أصولهم ؟ قال أبو محمد رحمه الله : ثم نظرنا في قول من قال " إنه لا حد على الشاهد سواء كان وحده - لا أحد معه - أو اثنين كذلك ، أو ثلاثة كذلك " فوجدناهم يقولون : قال الله تعالى { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة }

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { للقاذف البينة وإلا حد في ظهرك } .

فصح يقينا لا مرية فيه بنص كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم أن الحد إنما هو على القاذف الرامي ، لا على الشهداء ، ولا على البينة .

وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا من شهركم هذا } فبشرة الشاهد حرام بيقين لا مرية فيه ، ولم يأت نص قرآن ، ولا سنة صحيحة ، يجلد الشاهد في الزنى إذا لم يكن معه غيره - وقد فرق القرآن ; والسنة ، بين الشاهد من البينة وبين القاذف الرامي ، فلا يحل ألبتة أن يكون لأحدهما حكم الآخر - فهذا حكم القرآن والسنة الثابتة .

وأما الإجماع - فإن الأمة كلها مجمعة - بلا خلاف من أحد - على أن الشهود إذا شهدوا واحدا بعد واحد ، فتموا عدولا أربعة ، فإنه لا حد عليه .

[ ص: 212 ] وكذلك أجمعوا - بلا خلاف من أحد منهم - لو أن ألف عدل قذفوا امرأة أو رجلا كذلك بالزنى مجتمعين ، أو مفترقين : أن الحد عليهم كلهم حد القذف إن لم يأتوا بأربعة شهداء ، فإن جاءوا بأربعة شهداء : سقط الحد عن القذفة - فقد صح الإجماع المتيقن الذي لا شك فيه .

وأما المخالفون لنا في الجملة على الفرق بين حكم القاذف وبين حكم الشاهد وأن القاذف ليس شاهدا ، وأن الشاهد ليس قاذفا ، فقد صح الإجماع على هذا بلا شك ، وصح اليقين ببطلان قول من قال : بأن يحد الشاهد والشاهدان والثلاثة ، إذا لم يتموا أربعة ، لأنهم ليسوا قذفة ، ولا لهم حكم القاذف - وهذا هو الإجماع حقا ، الذي لا يجوز خلافه .

وأما طريق النظر - فنقول وبالله تعالى التوفيق : إنه لو كان ما قالوا لما صحت في الزنا شهادة أبدا ، لأنه كان الشاهد الواحد إذا شهد بالزنى صار قاذفا عليه الحد - على أصلهم - فإذ قد صار قاذفا فليس شاهدا ، فإذا شهد الثاني - فكذلك أيضا - يصير قاذفا - وهذا فاسد كما ترى ، وخلاف للقرآن في إيجاب الحكم بالشهادة بالزنى ، وخلاف السنة الثابتة بوجوب قبول البينة في الزنى ، وخلاف الإجماع المتيقن بقبول [ ص: 213 ] الشهادة في الزنى ، وخلاف الحس والمشاهدة في أن الشاهد ليس قاذفا ، والقاذف ليس شاهدا .

وأيضا فنقول لهم : أخبرونا عن الشاهد إذا شهد على آخر بالزنى - وهو عدل : ماذا هو الآن عندكم : أشاهد أم قاذف ؟ أم لا شاهد ولا قاذف ؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث ؟ فإن قالوا : وهو شاهد ؟ قلنا : صدقتم ، وهذا هو الحق ، وإذ هو شاهد فليس قاذفا حين نطق بالشهادة ، فمن المحال الممتنع أن يصير قاذفا إذا سكت ولم يأت بثلاثة عدول إليه ، وليس في المحال أكثر من أن يكون شاهدا لا قاذفا ، فإن تكلم بإطلاق الزنى على المشهود عليه ، ثم يصير قاذفا لا شاهدا إذا لم يتكلم ولا نطق بحرف ؟ ؟ فهذا محال لا إشكال فيه ، وإن قالوا هو قاذف ؟ فقد ذكروا وجوب الحد على القاذف بلا شك ، فقد وجب الحد عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية