صفحة جزء
2224 - مسألة : شهد أربعة بالزنى على امرأة ، أحدهم : زوجها ؟ قال أبو محمد رحمه الله : اختلف الناس في هذا : فقالت طائفة : ليست شهادة ويلاعن الزوج : كما روينا عن ابن عباس في أربعة شهداء شهدوا بالزنى على امرأة ، وأحدهم زوجها ؟ قال : يلاعن الزوج ، ويحد الآخرون - وعن إبراهيم النخعي بمثله - وبه يقول مالك ، والشافعي ، والأوزاعي - في أحد قوليه .

وقال آخرون : إن كانوا عدولا فالشهادة تامة ، وتحد المرأة : كما روينا عن الحسن البصري في أربعة شهدوا على امرأة بالزنى أحدهم زوجها ؟ قال : إذا جاءوا مجتمعين ، الزوج أجوزهم شهادة .

[ ص: 214 ] وعن الشعبي أنه قال في أربعة شهدوا على امرأة بالزنى - أحدهم زوجها - أنه قد جازت شهادتهم ، وأحرزوا ظهورهم .

وقال الحكم بن عتيبة - في أربعة شهدوا على امرأة بالزنى أحدهم زوجها حتى يكون معهم من يجيء بها - وبهذا يأخذ أبو حنيفة ، والأوزاعي ، في أحد قوليه ؟ قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتج به كل قائل منهم لقول ، فوجدنا كلتا الطائفتين تتعلق بقول الله تعالى { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } وبقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { لهلال بن أمية البينة وإلا حد في ظهرك }

فنظرنا في هذين النصين فوجدناهما : إنما نزلا في الزوج إذا كان راميا قاذفا ، إلا إذا كان شاهدا ، هذا نص الآية ، ونص الخبر ، فليس حكم الزوج إذا كان شاهدا لا قاذفا راميا ، فوجب أن نطلب حكم شهادة الزوج في غيرهما .

فوجدنا الله تعالى يقول { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم } فشرط الله تعالى على القاذف إن لم يأت بأربعة شهداء أن يجلد ، ولم يخص تعالى أولئك الأربعة الشهداء أن لا يكون منهم زوجها { وما كان ربك نسيا } .

ولو أراد الله تعالى أن لا يكون الزوج أحد أولئك الشهداء لبين ذلك ولما كتمه ، ولا أهمله ، فإذ عم الله تعالى ولم يخص فالزوج وغير الزوج في ذلك سواء بيقين لا شك فيه .

فصح من هذا أن الزوج إن قذف امرأته فعليه حد القذف إلا أن يلاعن ، أو يأتي بأربعة شهداء سواء ، لأنه قاذف ، ورام - والقاذف والرامي : مكلف أن يخلص نفسه بأربعة شهداء ولا بد - وهكذا الأجنبي ولا فرق ، إذا قذف ، فلا بد من أربعة غيره ، فإنجاء الزوج شاهدا لا قاذفا ، فهو كالأجنبي الشاهد ولا فرق ، لا حد عليه ولا لعان [ ص: 215 ] أصلا ، لأنه لم يرمها ، ولا قذفها ، فإن كان عدلا وجاء معه بثلاثة شهود ، فقد تمت الشهادة ، ووجب الرجم عليها ، لأنهم أربعة شهود - كما أمر الله تعالى - وبه نأخذ .

وأما اشتراط الحكم بن عتيبة - من أن يكون معهم من يأتي بهم ، فلا معنى له ، لأن الله تعالى لم يوجب ذلك ، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم : ولا يخلو ذلك الخامس من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها : إما أن يكون قاذفا - وإما أن يكون شاهدا - وإما أن يكون متطوعا لا قاذفا ولا شاهدا .

فإن كان قاذفا - فمن الحرام والباطل أن يلزم الشهود أن يأتي قاذفا يتقدمهم ، أو يأمر بقذف المحصنة والمحصن ، ليتوصل بذلك إلى إقامة الشهادة .

وإن كان ذلك الخامس شاهدا - فهذا إيجاب لخمسة شهود - وهذا خلاف القرآن ، والسنة ، والإجماع .

وإن كان متطوعا لا قاذفا ولا شاهدا - فهذا باطل ، لأن الله تعالى لم يوجبه ، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فسقط قول الحكم في ذلك ؟

قال أبو محمد رحمه الله : فالحكم في هذا على ثلاثة أوجه : إذا كان الزوج قاذفا فلا بد من أربعة شهود سواء وإلا حد أو يلاعن فإن لم يكن قاذفا لكن جاء شاهدا فإن كان عدلا ومعه ثلاثة عدول فهي شهادة تامة وعلى المشهود عليها حد الزنى كاملا .

وإن كان الزوج غير عدل ، أو كان عدلا وكان في الذين معه غير عدل أو لم يتم ثلاثة سواه والشهادة لم تتم فلا على المشهود ، وليس الشهود قذفة ، فلا حد عليهم ، ولا حد على الزوج ، ولا لعان ، لأنه ليس قاذفا - وبالله تعالى التوفيق :

التالي السابق


الخدمات العلمية