صفحة جزء
2232 - مسألة : قذف العبيد والإماء قال أبو محمد : اختلف الناس فيمن قذف عبدا أو أمة بالزنا : [ ص: 231 ] فقالت طائفة : لا حد عليه كما روي عن النخعي ، والشعبي أنهما قالا جميعا : لا يضرب قاذف أم ولد .

وعن حماد بن أبي سليمان قال : إذا قال رجل لرجل أمه أم ولد أو نصرانية : لست لأبيك ؟ لم يضرب ، لأن النفي وقع على الأم .

وعن ابن سيرين قال : أراد عبيد الله بن زياد أن يضرب قاذف أم ولد ، فلم يتابعه على ذلك أحد .

وقد روي عن عطاء ، والحسن ، والزهري : لا حد على قاذف أم ولد ؟

قال علي : وممن لم ير الحد على قاذف العبد والأمة : أبو حنيفة ، ومالك ، والأوزاعي ، وسفيان الثوري ، وعثمان البتي ، والحسن بن حي ، والشافعي ، وأصحابهم .

وقالت طائفة بإيجاب الحد في ذلك - نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر قال : إن أميرا من الأمراء سأل ابن عمر عن رجل قذف أم ولد لرجل ؟ فقال ابن عمر : يضرب الحد صاغرا .

وعن الحسن البصري قال : الزوج يلاعن الأمة ، وإن قذفها - وهي أمة - جلد ، لأنها امرأته ؟ قال أبو محمد : وبهذا يقول أصحابنا ، وهذا الإسناد عن ابن عمر من أصح إسناد يوجد في الحديث فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لنعلم الحق من ذلك فنتبعه - بعون الله تعالى ولطفه : فنظرنا في قول من لم ير الحد على قاذف الأمة والعبد ، فلم نجد لهم شيئا يمكن أن يتعلقوا به ، إلا ما روينا من طريق البخاري نا مسدد نا يحيى بن سعيد القطان عن الفضيل بن غزوان عن ابن أبي نعم عن أبي هريرة قال " سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول : { من قذف مملوكه وهو بريء مما قال ، جلد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال } .

حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا سويد بن نصر [ ص: 232 ] أنا عبد الله - هو ابن المبارك - عن الفضيل بن غزوان عن أبي نعم : أنه حدثه أنه قال : قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم { من قذف مملوكه بريئا مما قال أقيم عليه الحد يوم القيامة ، إلا أن يكون كما قال } .

وعن الحسن عن ابن عمر قال : من قذف مملوكه كان لله تعالى في ظهره حد يوم القيامة ، إن شاء آخذه ، وإن شاء عفا عنه ؟

قال أبو محمد : ولعلهم يدعون الإجماع ، أو يقولون : لا حرمة للعبد ولا للأمة ، فكثيرا ما يأتون بمثل هذا .

فإن ادعوا الإجماع أكذبهم ما روينا عن ابن عمر بأصح طريق ، وما نعلم قولهم عن أحد من الصحابة أصلا ، إلا رواية لا نقف الآن على موضعها من أصولنا .

عن أبي بردة - أنه كانت له ابنة من حرة ، وابنة من أم ولد ، فكانت ابنة الحرة تقذف ابنة أم الولد ، فأعتق أمها ، وقال لابنة الحرة : اقذفيها الآن إن قدرت ؟ وعن نفر من التابعين قد ذكرناهم خالفوهم في أكثر أقوالهم : فأما الرواية عن أبي بردة - فلا متعلق لهم بها ، لأنه ليس فيها أنه لا حد فيها على قاذفها ، ولعل حاكم وقته كان لا يرى الحد على قاذف أم الولد - فبطل تعلقهم بهذا .

وأما قولهم " لا حرمة للعبد ولا للأمة " فكلام سخيف ، والمؤمن له حرمة عظيمة ، ورب عبد جلف خير من خليفة قرشي عند الله تعالى ، قال الله تعالى { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } الآية إلى قوله { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } .

والناس كلهم في الولادة أولاد آدم وامرأته ، ثم تفاضل الناس بأخلاقهم وأديانهم ، لا بأعراقهم ، ولا بأبدانهم .

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام } فسوى - عليه السلام - بين حرمة العرض من الحر والعبد نصا ، ولا سيما [ ص: 233 ] الحنفيون الموجبون القود على الحر للعبد ، وعلى الحرة للأمة ، فقد أثبتوا حرمتهما سواء ؟

قال علي : أقوال لهم في هذه المسائل ، قد اختلف فيها ، فمن قال لامرأته : زنيت في كفرك أو قال : زنيت وأنت أمة : حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يونس أنه سأل ابن شهاب عن رجل قذف امرأته فقال لها : زنيت وأنت أمة أو نصرانية ؟ فقال ابن شهاب : إن لم يأت على ذلك بالبينة جلد الحد ثمانين .

وبه - يقول أبو حنيفة ، وسفيان ، ومالك ، والأوزاعي ، وأصحابهم .

وقال الشافعي ، وأصحابه : لا حد عليه .

قال أبو حنيفة ، وأصحابه ، وسفيان ، والشافعي ، وأصحابه : فيمن قال : زنيت وأنت صغيرة ، أو قال : زنيت وأنت مكرهة أن لا حد .

وقال مالك : عليه الحد أيضا في قوله : زنيت وأنت مكرهة ؟ قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة ، وأصحابه فظاهر التناقض ، لأنهم يقولون : لا حد على قاذف الأمة ، والكافرة ، والصغيرة - ثم فرقوا هاهنا فحدوا من قال : زنيت وأنت أمة ، ولم يحدوا من قال : زنيت وأنت صغيرة .

فإن قالوا : إنما قذفها وهي حرة مسلمة ؟

قيل : وكذلك إنما قذفها وهي بالغ .

فإن قالوا : إن المكرهة ليست زانية ، وكذلك الصغيرة ؟ قيل لهم : فالآن يوجب عليه الحد إذا صح كذبه بيقين .

التالي السابق


الخدمات العلمية