صفحة جزء
2233 - مسألة : فيمن قذف صغيرا أو مجنونا ، أو مكرها ، أو مجبوبا ، أو رتقاء ، أو قرناء ، أو بكرا ، أو عنينا ؟ قال أبو محمد : أنا عبد الله بن ربيع أنا ابن مفرج أنا قاسم بن أصبغ أنا ابن وضاح أنا [ ص: 234 ] سحنون أنا ابن وهب أخبرني يزيد بن عياض الليثي عن ابن هشام أنه قال في صبية افتري عليها أو افترت ؟ قال : إذا قاربت الحيض أو مسها الرجل جلد قاذفها الحد .

وقال مالك : إذا بلغ مثلها أن يوطأ : جلد قاذفها الحد ، وكذلك يجلد قاذف المجنون - وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهما ، والحسن بن حي : لا حد على قاذف صغير ، ولا مجنون ؟

قال علي : قال الله تعالى { والذين يرمون المحصنات } الآية . وقد قلنا : إن " الإحصان " في لغة العرب : هو المنع ، وبه سمي الحصن حصنا ، يقال : درع حصينة - وقد أحصن فلان ماله : إذا أحرزه ومنع منه . قال تعالى {لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة } . والصغار : محصنون بمنع الله تعالى لهم من الزنى ، وبمنع أهليهم ، وكذلك المجانين - وكذلك المجبوب ، والرتقاء ، والقرناء ، والعنين - وقد يكون كل هؤلاء محصنين بالعفة . وأما البكر والمكره فمحصنان بالعفة ، فإذا كل هؤلاء يدخلون في جملة " المحصنات " بمنع الفروج من الزنى ، فعلى قاذفهم الحد ، ولا سيما القائلون : إن الحرية إحصان ، وكل حرة محصنة ، فإن الصغيرة الحرة ، والمجنونة ، والرتقاء ، وسائر من ذكرناهم محصنون ، وإسقاط الحد عن قاذفهم خطأ محض لا إشكال فيه .

فما علمنا لهم حجة أكثر من أن قالوا : إن من قذف من ذكرنا فقد تيقنا كذبه ؟ فقلنا لهم : صدقتم ، والآن حقا وجب الحد على القاذف ، إذ قد صح كذبه - وبالله تعالى التوفيق ؟

قال أبو محمد : وهذا مكان عظمت فيه غفلة من أغفله ، لأن القذف لا يخلو من أحد أوجه ثلاثة لا رابع لها ، إما أن يكون صادقا ، وقد صح صدقه فلا خلاف في أنه لا حد عليه - أو يكون ممكنا صدقه ، وممكنا كذبه فهذا عليه الحد بلا خلاف لإمكان كذبه فقط ولو صح صدقه لما حد - أو يكون كاذبا قد صح كذبه ، فالآن حقا طابت النفس على وجوب الحد عليه بيقين ، إذ المشكوك في صدقه أو كذبه لا بد له من [ ص: 235 ] أحدهما ضرورة ، فلو كان صادقا لما صح عليه حد أصلا - فصح يقينا ، إذ قد سقط الحد عن الصادق أنه باق على الكذب ، إذ ليس إلا صادقا أو كاذبا ، وهذا في غاية البيان والحمد لله رب العالمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية