صفحة جزء
2234 - مسألة : كافر قذف مسلما أو كافرا ؟ قال أبو محمد : قد ذكرنا وجوب الحد على من قذف كافرا فإذا قذف الكافر مسلما ، قد ذكرنا فيما سلف من كتابنا هذا وجوب الحكم على الكفار بحكم الإسلام ، لقول الله تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } .

وبقوله تعالى { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } .

وقد ذكرنا وجوب قتل من سب مسلما من الكفار لنقضهم العهد وفسخهم الذمة ، لقول الله تعالى { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } . فافترض الله تعالى إصغارهم ، فإذا خرجوا عن الصغار فلا ذمة لهم ، وإذا لم تكن لهم ذمة فقتلهم وسبيهم ، وأموالهم : حلال ، وإذا سبوا مسلما فقد خرجوا عن الصغار ، وأصغروا المسلم ، فقد برئت الذمة ممن فعل ذلك منهم ، ولا ذمة له : حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا إسحاق بن خالد ، قال : سألت الشعبي عن يهودية افترت على مسلم ؟ قال : تضرب الحد .

وبه - إلى وكيع حدثنا سفيان الثوري عن طارق بن عبد الرحمن قال : شهدت الشعبي ضرب نصرانيا قذف مسلما ، فجلده ثمانين ؟ قال أبو محمد : أما الحد - فواجب بلا شك ، لأنه حكم الله تعالى على كل قاذف ، والقتل واجب كما ذكرنا لنقض الذمة سواء كان رجلا أو امرأة لا بد من قتلهما ، إلا أن يسلما فيتركا عن القتل لا عن الحد .

فإن قال قائل : هلا أوقفتم المرأة ولم تقتلوها ، لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء ؟ ولأنها إذا نقضت ذمتها بسب المسلم فقد عادت حربية ، وإذا عادت حربية فلا ذمة لها فليس عليها إلا الاسترقاق ؟ [ ص: 236 ] قلنا - وبالله تعالى التوفيق - : إن حكم الحربي قبل التذمم غير حكمه بعد نقضهم الذمة ، لأن حكمهم قبل التذمم المقاتلة ، فإذا قدرنا عليهم ، فإما المن وإما الفداء ، وإما القتل ، وإما الإبقاء على الذمة - هذا في الرجال ، وكذلك في النساء حاش القتل ، وأما بعد نقض الذمة فليس إلا القتل ، أو الإسلام فقط ، لقول الله تعالى { وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر } فافترض الله تعالى قتالهم بعد نكث أيمانهم من بعد عهدهم حتى ينتهوا - ولا يجوز أن يخص الانتهاء هاهنا عن بعض ما هم عليه دون جميع ما هم عليه ، إذ لا دليل يوجب ذلك ، ونحن على يقين أننا إذا انتهوا عن الكفر فقد حرمت دماؤهم ، ولا نص معنا ولا إجماع على أنهم إن انتهوا عن بعض ما هم عليه دون بعض عادوا إلى حكم الاستبقاء - .

وقد تقصينا هذا في " كتاب الجهاد " في مواضع من ديواننا وحكم المرأة في ذلك حكمها إذا أتت بعد الذمة بشيء يبيح الدم من زنى بعد إحصان ، وقتل نفس ، أو غير ذلك .

وأما إذا قذف الكافر كافرا فليس إلا الحد فقط ، على عموم أمر الله تعالى فيمن قذف محصنة بنص القرآن ؟

قال أبو محمد رحمه الله : والعجب ممن يرى أنه لا حد على كافر إذا زنى بمسلمة ، ولا على كافرة إذا زنى بها مسلم ، ولا يرى الحد على كافر في شرب الخمر - ثم يرى الحد على الكافر إذا قذف مسلما أو مسلمة ، فليت شعري ما الذي فرق بين أحكام هذه الحدود عندهم ؟

فإن قالوا : إن الحد في القذف حق للمسلم ؟

قلنا لهم : وقولوا أيضا : إن حد الكافر إذا زنى بمسلمة حق لأبي تلك المسلمة ، ولزوجها ، وأمها ولا فرق - والعجب أيضا ممن قطع يد الكافر إذا سرق من كافر ، ثم لا يحده له إذا قذفه ، وهذه عجائب لا نظير لها ؟ خالفوا فيها نصوص القرآن ، وتركوا القياس الذي إليه يدعون ، وبه يحتجون ، إذ فرقوا بين هذه الأحكام ، ولم يقيسوا بعضها على بعض بغير دليل في كل ذلك - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية