صفحة جزء
2272 - مسألة : ما يجب فيه على آخذه القطع ؟ قال أبو محمد رحمه الله : تنازع الناس في أشياء ، فقال قوم : لا قطع في سرقتها .

وقال قوم : فيها القطع ، من ذلك : التمر ، والجمار ، والشجر ، والزرع ؟ قال أبو محمد رحمه الله : نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن خالد أخبرني أبي نا سلمة بن عبد الملك الغوصي عن الحسن - هو ابن صالح بن حي - عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن رافع بن خديج قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا قطع في ثمر ، ولا كثر } والكثر الجمار - وفي هذا آثار كثيرة لم نذكرها ، لئلا نطول بذكرها ، ولو صحت لوجب الأخذ بها بذلك ، وللزم حينئذ أن لا يقطع في شيء من الثمر ، والحبوب - سواء حصد أو لم يحصد ، جد أو لم يجد - كان في المخازن أو لم يكن - لعموم هذا اللفظ .

ولأن الله تعالى سمى اليابس ثمرا ، فقال { ومن ثمرات النخيل والأعناب } فسمى الله تعالى ما تثمره الشجرة ، والنخلة ، والزرع ، ثمرا بقوله تعالى { وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان } الآية إلى قوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } .

فوجب الحق فيه يوم حصاده - والحصاد لا يكون إلا في اليابس - وأما ساق الشجر ، والنخل ، وأغصانه ، فلا يقع عليه اسم ثمر أصلا ، لا في لغة ، ولا في شريعة .

واختلف المتأخرون في هذا ، فقال سفيان الثوري : لا قطع فيما يفسد من يومه من الطعام ، مثل : الثريد ، واللحم ، وما أشبهه ، لكن يعزر . وإذا كانت الثمرة في شجرتها لم تقطع اليد في سرقتها ، لكن يعزر . [ ص: 317 ] قال أبو حنيفة : لا يقطع في شيء من : الإبل ، ولا البقر ، ولا الغنم ، ولا الخيل ، ولا البغال ، ولا الحمير - إذا سرق كل ذلك من المرعى ، فإذا كانت في المراح ، أو في الدور ففيها القطع .

ولا يقطع في شيء من : الفواكه الرطبة كانت في الدور أو في الشجر - في حرز كانت أو غير حرز - وكذلك البقول كلها .

وكذلك ما يسرع إليه الفساد من اللحم ، والطعام كله - كان في حرز أو في غير حرز .

ولا قطع في الملح ، ولا في التوابل ، ولا في الزروع كلها ، فإذا يبس الزرع وحمل إلى الأندر ، أو إلى البيوت وجب القطع في سرقة شيء منه ، إذا بلغ ما يجب فيه القطع .

وقال مالك : كل ما كان من الفواكه في أشجاره ، والزرع في مزرعته ، فلا قطع في شيء منه - وكذلك الأنعام في مسارحها ، فإذا أحرزت الأنعام في مراح ، أو دار ، ففيها القطع ، فإذا جمع الزرع في أندره أو في الدور ففيه القطع ، وإذا جنيت الفواكه ، وأدخلت في الحرز ففيها القطع ، وكذلك تقطع في البقول ، والفواكه كلها ، وفي اللحم وفي كل شيء إذا كان في حرز - وهذا قول الشافعي أيضا . وقال أبو ثور : إذا كانت الفواكه في أشجارها - رطبة أو غير رطبة - وكان الفسيل في حائطه ، وكان كل ذلك محرزا ممنوعا ، ففيه القطع - وقال - فيما عدا ذلك - بقول مالك ، والشافعي ، وقال مالك ، والشافعي وأبو ثور في البعير ، أو الدابة تسرق من الفدان ، ففيه القطع . وقال أصحابنا في كل ما ذكرنا : القطع - محرزا كان أو غير محرز - إذا سرقه السارق ولم يأخذه معلنا ؟ قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا كما ذكرنا نظرنا في ذلك ، ونظرنا في قول أبي ثور فوجدناه صحيحا ، إلا اشتراطه الحرز فقط ، فإن الحرز لا معنى له على ما بينا قبل . [ ص: 318 ] وقول أبي ثور هذا إنما صح لموافقته عموم قول الله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } . وبحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع السارق عموما دون اشتراط حرز . وقول أبي ثور ، مخالف للأحاديث المذكورة قبل هذا ; لأنها واهية ، ولا حجة إلا في صحيح .

ثم نظرنا في قول مالك ، والشافعي ، فوجدنا حجتهما إنما هي خبر عمرو بن شعيب ، وابن المسيب ، وخبر حميد بن قيس ، وعبد الرحمن بن عبد الله ، لا حجة لهما غيرها ، وقد بينا أن هذه الأخبار في غاية الوهي ، وأن الاحتجاج بالواهي باطل ; وقد قلنا : إن هذه الأخبار لا تصح ولو صحت لما كان في شيء منها دليل على ما ادعاه من ادعاه من الحرز ، بل كان الواجب حينئذ أن لا يقطع في شيء مما يقع عليه اسم ثمر ، ولا اسم كثر ، وأن يقطع في ذلك إن آواه الجرين - رطبا كان أو غير رطب - فهذا كان يكون الحكم - لو صح الخبر - وما عدا هذا فباطل ، بظن كاذب

فإذا لم تصح الآثار أصلا فالواجب ما قاله أصحابنا من أن القطع واجب في كل ثمر ، وفي كل كثر - معلقا كان في شجره أو مجذوذا ، أو في جرين كان أو غير جرين - إذا أخذه سارقا له ، مستخفيا بأخذه ، غير مضطر إليه ، وبغير حق له ، فإن القطع في كل طعام كان مما يفسد أو لا يفسد - إذا أخذه على وجه السرقة غير مشهور بأخذه ، لا حاجة إليه ، ولا عن حق أوجب له أخذه ، فإن القطع واجب في الزرع ، إذا أخذ من فدانه ، أو هو بأندره ، على وجه السرقة مستترا ، أو مختفيا بأخذه ، لا عن حاجة إليه ، ولا عن حق له .

وأما الماشية - فالقطع فيها أيضا كذلك ، إلا أن تكون ضالة يأخذها معلنا فيكون محسنا ، حيث أبيح له أخذها ، وعاصيا لا سارقا ، حيث لم يبح له أخذها ، فلا قطع هاهنا ; لأنه ليس سارقا ; وإنما القطع على السارق - وعمدتنا في ذلك قول الله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع السارق عموما وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية