صفحة جزء
2278 - مسألة : سراق اختلف الناس في وجوب القطع عليهم ؟ قال أبو محمد رحمه الله : قال أبو حنيفة ، وأصحابه : لا يقطع من سرق صليبا ، أو وثنا - ولو كان من فضة ، أو ذهب - قال : فإن سرق دراهم فيها صور أصنام ، أو صور صلبان ، فعليه القطع ; لأن ذلك يعبد وهذا لا يعبد ؟ قال أبو محمد رحمه الله : وهذا خطأ ، وتناقض ، واحتجاج فاسد .

أما الخطأ ، فإسقاط الحد الذي افترض الله تعالى من القطع على السارق .

وإنما وجب القطع على سارق الصليب ; لأنه سرق جوهرا لا يحل له أخذه . وإنما الواجب فيه كسره فقط ، وأما ملك جوهره فصحيح - ولا فرق بينه وبين من سرق إناء ذهب وإناء فضة ، والنهي قد صح عن اتخاذ آنية الفضة والذهب ، كما صح عن اتخاذ الصليب والوثن ولا فرق - والقطع واجب في كل ذلك ; لأنه لم يسرق الصورة ، ولا شكل الإناء ، وإنما سرق الجسم الحلال تملكه ، وإنما الواجب في الآنية المذكورة ، والصلبان ، والأوثان ، الكسر فقط . [ ص: 327 ] فإن كان الصليب ، أو الوثن ، من حجر لا قيمة له أصلا بعد الكسر ، فلا قطع فيه أصلا ، لما ذكرنا قبل من قول عائشة رضي الله عنها { إن يد السارق لم تكن تقطع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه } وسنستقصي الكلام في ذلك - إن شاء الله تعالى - في كلامنا " في مقدار ما يقطع فيه السارق " .

وأما التناقض ، فظاهر أيضا ; لأنه لا فرق بين صورة وصورة بلا برهان وكلاهما محرم تصويره ، ومتوعد عليه بالعذاب الشديد يوم القيامة . وأما فساد احتجاجه ، بأن الصليب يعبد ، والصورة التي في الدراهم لا تعبد ، فإن الهند يعبدون البقر كما يعبد النصارى الصليب ، ويعظمونها كما يعظم الصليب ، ولا فرق - فيلزمه أيضا ، أن لا يقطع في سرقة البقر .

فإن قالوا : إننا نحن لا نعبدها ؟ قلنا لهم : وإننا نحن أيضا لا نعبد الصليب ، ولا نعظمه - والحمد لله رب العالمين - والعجب كل العجب من إسقاط أبي حنيفة القطع عن سارق الصليب ، وهو يقتل المسلم إذا قتل عابد الصليب ؟ فلئن كان لعابد الصليب من الحرمة عندهم ما يستباح به دم المسلم ، فإن لمال عابد الصليب من الحرمة ما تستباح به يد سارقه ، والصليب مال من ماله ، هذا على أن النهي قد صح { أن لا يقتل مؤمن بكافر } عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

نعم ، وعن الله تعالى في القرآن ، إذ يقول { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } .

وإذ يقول تعالى { أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون } .

ولم يأت نهي قط عن قطع يد من سرق مال كافر ذمي بل أمر الله تعالى بقطعه في عموم قوله { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } .

وقد علم الله تعالى أن السارق يسرق من مسلم ومن ذمي ، فنحن نقسم بالله تعالى أنه لو أراد استثناء سارق مال الذمي لما سكت عن ذلك ، ولا نسيه ، ولبينه ، كما [ ص: 328 ] بين لنا { أن لا يقتل مؤمن بكافر } وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية