صفحة جزء
. 2283 - مسألة : سرقة أحد الزوجين من الآخر ؟ [ ص: 340 ] قال أبو محمد رحمه الله : اختلف الناس في هذا : فقالت طائفة : لا قطع في ذلك - كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال : بلغني عن الشعبي قال : ليس على زوج المرأة في سرقة متاعها قطع .

وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : لا قطع على الرجل فيما سرق من مال امرأته ولا على المرأة فيما سرقت من مال زوجها .

وقال مالك ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبو ثور : على كل واحد منهما القطع فيما سرق من مال الآخر من حرز .

وقال الشافعي ثلاثة أقوال : أحدها - كقول أبي حنيفة .

والآخر - كقول مالك ، والثالث - أن الزوج إذا سرق من مالها قطعت يده ، وإن سرقت هي من ماله فلا قطع عليها ؟ قال أبو محمد : فلما اختلفوا كما ذكرنا نظرنا في ذلك : فوجدنا من لا يرى القطع يحتج : بما رويناه من طريق مسلم نا محمد بن رمح نا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولدها وهي مسئولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته } .

وهكذا رواه عبد الله بن عمر بن حفص وحماد بن زيد ، وأيوب السختياني ، والضحاك بن عثمان ، وأسامة بن زيد ، كلهم عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ورواه سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد فيه : كما روينا بالسند المذكور إلى مسلم ثني حرملة ثني ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر هذا الحديث .

وزاد فيه { والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته } . [ ص: 341 ] قالوا : فكل واحد من الزوجين أمين في مال الآخر ، فلا قطع عليه كالمودع .

وزاد بعض من لا يعبأ به في هذا الحديث زيادة لا نعرفها ، ولفظا مبدولا ، وهو { المرأة راعية في مال زوجها والرجل راع في مال امرأته } ؟ قال أبو محمد رحمه الله : وكل هذا لا حجة لهم فيه أصلا .

أما الخبر المذكور فحق واجب لا يحل تعديه ، وهو أعظم حجة عليهم ; لأنه عليه السلام أخبر : أن كل من ذكرنا راع فيما ذكر ، وأنهم مسئولون عما استرعوا من ذلك - فإذ هم مسئولون عن ذلك فبيقين يدري كل مسلم أنه لم تبح لهم السرقة ، والخيانة ، فيما استودعوه وأسلم إليهم ، وأنهم في ذلك - إن لم يكونوا كالأجنبيين والأباعد ومن لم يسترع - فهم بلا شك أشد إثما ، وأعظم جرما ، وأسوأ حالة من الأجنبيين ، وأن ذلك كذلك ، فأقل أمورهم أن يكون عليهم ما على الأجنبيين ولا بد ؟ فهذا حكم هذا الخبر على الحقيقة .

وأيضا - فإنهم لا يختلفون أن على من ذكرنا في الخيانة ما على الأجنبيين من إلزام رد ما خانوا وضمانه ، وهم أهل قياس بزعمهم ، فهلا قاسوا ما اختلف فيه من السرقة والقطع فيها على ما اتفق عليه من حكم الخيانة ، ولكنهم قد قلنا إنهم لا النصوص اتبعوا ولا القياس أحسنوا ؟ وأيضا - فليس في هذا الخبر دليل أصلا على ترك القطع في السرقة ، والقول في الزيادة التي زادوها سواء - كما ذكرنا - لو صحت ولا فرق .

وأما قولهم " إن كليهما كالمودع ، وكالمأذون له في الدخول " فأعظم حجة عليهم ; لأنهم لا يختلفون أن المودع إذا سرق مما لم يودع عنده لكن من مال لمودع آخر في حرزه ، وأن المأذون له في الدخول لو سرق من مال محرز عنه للمدخول عليه الإذن له في الدخول لوجب القطع عليهما عندهم بلا خلاف .

فيلزمهم بهذا التشبيه البديع بالضد أن لا يسقطوا القطع عن الزوجين فيما سرق أحدهما من الآخر إلا فيما اؤتمن عليه ، ولم يحرز منه ، وإن لم يجب القطع على كل واحد منهما فيما لم يأمنه صاحبه عليه ، وأحرز عنه ، كالمودع والمأذون له في الدخول ولا فرق - وهذا قياس لو صح : قياس ساعة من الدهر ؟ [ ص: 342 ] قال أبو محمد رحمه الله : فبطل كل ما موهوا به من ذلك - والحمد لله رب العالمين - ثم نظرنا في ذلك في قول من فرق بين الزوج والزوجة ، فرأى عليه القطع إذا سرق من مالها ، ولم ير عليها القطع إذا سرقت من ماله .

فوجدناهم يقولون " إن الرجل لا حق له في مال المرأة أصلا ، فوجب القطع عليه إذا سرق منه شيئا ; لأنه في ذلك كالأجنبي " .

فوجدنا المرأة لها في ماله حقوقا من : صداق ، ونفقة ، وكسوة ، وإسكان ، وخدمة ، فكانت بذلك كالشريك - ووجدنا { رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لهند بنت عتبة إذ أخبرته أن أبا سفيان لا يعطيها ما يكفيها وولدها ، فقال لها عليه السلام خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف } .

قالوا : فقد أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها على مال زوجها تأخذ منه ما يكفيها وولدها ، فهي مؤتمنة عليه كالمستودع ، ولا فرق .

قالوا : والزوج بخلاف ذلك ; لأن الله تعالى قال { وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا } الآية .

وقال تعالى { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } فبين الله تعالى تحريم القليل من مالها والكثير عليه ؟ قال أبو محمد رحمه الله : أما قولهم - إن لها في ماله حقوقا من صداق ونفقة ، وكسوة ، وإسكان ، وخدمة .

وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلق يدها على ماله حيث كان من حرز أو غير حرز ، لتأخذ منه ما يكفيها وولدها بالمعروف - إذا لم يوفها وإياهم حقوقهم - فنعم ، كل هذا حق واجب ، وهكذا نقول .

ولكن لا يشك ذو مسكة من حس سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطلق يدها على ما لا حق لها فيه من مال زوجها ، ولا على أكثر من حقها ، فإذ لا شك في ذلك ، فإباحة [ ص: 343 ] الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لأخذ الحق والمباح ليس فيه دليل أصلا على إسقاط حدود الله تعالى على من أخذ الحرام غير المباح .

ولو كان ذلك ، لكان شرب العصير الحلال مسقطا للحد عنه ، إذا تعدى الحلال منه إلى المسكر الحرام ، ولا فرق بين الأمرين ، فإذ ذلك كذلك فلها ما أخذت بالحق ، وعليها ما افترض الله تعالى من القطع فيما أخذت بوجه السرقة للحق الواجب حكمه ، وللمباح حكمه ، وللباطل المحرم حكمه { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } .

وهي في ذلك كالأجنبي - سواء سواء - يكون له حقوق عند السارق ، فمباح له أن يأخذ حقه ومقدار حقه من مال الذي له عنده الحق من حرز ، أو من غير حرز - نعم ، ويقاتله عليه إن منعه ، ويحل له بذلك دمه ، وهو مأجور في كل ذلك ، فإن تعمد أخذ ما ليس له بحق ، فإن تعمد أخذه بإفساد طريق فهو محارب ، له حكم المحارب ، وإن أخذه مجاهرا غير مفسد في الأرض فله حكم الغاصب ، وإن أخذه مختفيا فله حكم السارق ، والمحارب .

هذا والزوجة في مال زوجها كذلك ; لأن الله تعالى لم يخص إذ أمر بقطع السارق والسارقة ، إلا أن تكون زوجة من مال زوجها ، ولا يكون زوج من مال زوجته { وما كان ربك نسيا } .

فصح يقينا - أن القطع فرض واجب على الأب والأم إذا سرقا من مال ابنهما ، وعلى الابن والبنت إذا سرقا من مال أبيهما ، وأمهما ، ما لم يبح لهما أخذه .

وهكذا كل ذي رحم محرمة ، أو غير محرمة ، إذا سرق من مال ذي رحمه ، أو من غير ذي رحمه ، ما لم يبح له أخذه .

فالقطع على كل واحد من الزوجين إذا سرقا من مال صاحبه ما لم يبح له أخذه كالأجنبي ولا فرق - إذا سرق ما لم يبح - وهو محسن إن أخذ ما أبيح له أخذه من حرز ، أو من غير حرز - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية