صفحة جزء
2303 - مسألة : فعل قوم لوط ؟ قال أبو محمد رحمه الله : فعل قوم لوط من الكبائر الفواحش المحرمة : كلحم الخنزير ، والميتة ، والدم ، والخمر ، والزنى ، وسائر المعاصي ، من أحله أو أحل شيئا مما ذكرنا فهو كافر ، مشرك حلال الدم والمال .

وإنما اختلف الناس في الواجب عليه : فقالت طائفة : يحرق بالنار الأعلى والأسفل وقالت طائفة : يحمل الأعلى والأسفل إلى أعلى جبل بقرية - فيصب منه ، ويتبع بالحجارة .

وقالت طائفة : يرجم الأعلى والأسفل - سواء أحصنا أو لم يحصنا .

وقالت طائفة : يقتلان جميعا .

وقالت طائفة : أما الأسفل فيرجم - أحصن أم لم يحصن - وأما الأعلى فإن أحصن رجم ، وإن لم يحصن جلد جلد الزنى .

وقالت طائفة : الأعلى والأسفل كلاهما سواء - أيهما أحصن رجم ، وأيهما لم يحصن جلد مائة ، كالزنى .

وقالت طائفة : لا حد عليهما ولا قتل ، لكن يعزران .

فالقول الأول - كما نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح [ ص: 389 ] نا سحنون نا ابن وهب أخبرني ابن سمعان عن رجل أخبره قال : جاء ناس إلى خالد بن الوليد فأخبروه عن رجل منهم أنه ينكح كما توطأ المرأة ، وقد أحصن ؟ فقال أبو بكر : عليه الرجم - وتابعه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك من قوله : فقال علي : يا أمير المؤمنين إن العرب تأنف من عار المثل وشهرته ، أنفا لا تأنفه من الحدود التي تمضي في الأحكام فأرى أن تحرقه بالنار ؟ فقال أبو بكر : صدق أبو الحسن وكتب إلى خالد بن الوليد : أن أحرقه بالنار ؟ ففعل .

قال ابن وهب : لا أرى خالدا أحرقه بالنار إلا بعد أن قتله ، لأن النار لا يعذب بها إلا الله تعالى .

قال ابن حبيب : من أحرق بالنار فاعل فعل قوم لوط لم يخطئ .

وعن ابن حبيب : نا مطرف بن عبد الله بن عبد العزيز بن أبي حازم عن محمد بن المنكدر ، وموسى بن عقبة وصفوان بن سليم : أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصديق : أنه وجد في بعض سواحل البحر رجلا ينكح كما تنكح المرأة ، وقامت عليه بذلك البينة ، فاستشار أبو بكر في ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أشدهم فيه يومئذ قولا علي بن أبي طالب قال : إن هذا ذنب لم يعص به من الأمم إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم ، أرى أن تحرقهما بالنار ، فاجتمع رأي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يحرقه بالنار ؟ فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن أحرقه بالنار - ثم حرقهما ابن الزبير في زمانه - ثم حرقهما هشام بن عبد الملك - ثم حرقهما القسري بالعراق .

حدثنا إسماعيل بن دليم الحضرمي قاضي ميورقة قال : نا محمد بن أحمد بن الخلاص نا محمد بن القاسم بن شعبان ني محمد بن إسماعيل بن أسلم نا محمد بن داود بن أبي ناجية نا يحيى بن بكير عن عبد العزيز بن أبي حازم عن داود بن أبي بكر ، ومحمد بن المنكدر ، وموسى بن عقبة ، وصفوان بن سليم : أنه وجد في بعض ضواحي البحر رجلا ينكح كما تنكح المرأة - قال أبو إسحاق : كان اسمه الفجاءة - فاستشار أبو بكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثل حديث عبد الملك الذي ذكرنا حرفا حرفا نصا سواء .

وأما من قال يصعد به إلى أعلى جبل في القرية : [ ص: 390 ] فكما نا أحمد بن إسماعيل بن دليم نا محمد بن أحمد بن الخلاص نا محمد بن القاسم بن شعبان نا أحمد بن سلمة بن الضحاك عن إسماعيل بن محمود بن نعيم نا معاذ نا عبد الرحمن نا حسان بن مطر نا يزيد بن مسلمة عن أبي نضرة عن ابن عباس سئل عن حد اللوطي فقال : يصعد به إلى أعلى جبل في القرية ثم يلقى منكسا ثم يتبع بالحجارة .

وأما من قال : يرجم الأعلى والأسفل أحصنا أو لم يحصنا : فكما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا ابن أبي ليلى عن القاسم بن الوليد المهراني عن يزيد بن قيس أن عليا رجم لوطيا .

حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم أنه سمع مجاهدا ، وسعيد بن جبير يحدثان عن ابن عباس أنه قال في البكر يوجد على اللوطية : أنه يرجم .

وعن إبراهيم النخعي أنه قال : لو كان أحد ينبغي له أن يرجم مرتين لكان ينبغي للوطي أن يرجم مرتين .

وعن ربيعة أنه قال : إذا أخذ الرجل لوطيا رجم ، لا يلتمس به إحصان ، ولا غيره .

وعن الزهري أنه قال : على اللوطي الرجم أحصن أو لم يحصن .

وحدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني الشمر بن نمير ، ويزيد بن عياض بن جعدبة ، ومن أثق به ، وكتب إلى ابن أبي سبرة ، قال الشمر : عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب ، وقال يزيد بن عياض بن جعدبة : عن عبد الملك بن عبيد عن سعيد بن المسيب ، وقال ابن أبي سبرة : سمعت أبا الزناد ، وقال الذي يثق به : عن الحسن ، ثم اتفق علي ، وسعيد بن المسيب ، وأبو الزناد ، والحسن ، كلهم مثل قول الزهري المذكور .

وبه يقول الشافعي - وهو قول مالك ، والليث ، وإسحاق بن راهويه . [ ص: 391 ] وأما من قال : يقتلان : فكما روينا عن ابن عباس ، قال : اقتلوا الفاعل والمفعول به . وأما من قال : هو كالزنى يرجم المحصن منهما ويجلد غير المحصن مائة جلدة : فكما نا أحمد بن إسماعيل بن دليم نا محمد بن أحمد بن الخلاص نا محمد بن القاسم بن شعبان نا أحمد بن سلمة ، والضحاك عن إسماعيل بن محمد بن نعيم نا معاذ بن الحارث نا عبد الرحمن بن قيس الضبي عن اليماني بن المغيرة نا عطاء بن أبي رباح ، قال : شهدت عبد الله بن الزبير وأتي بسبعة أخذوا في اللواط فسأل عنهم ؟ فوجد أربعة قد أحصنوا ، فأمر بهم فأخرجوا من الحرم - ثم رجموا بالحجارة حتى ماتوا ، وجلد ثلاثة الحد - وعنده ابن عباس ، وابن عمر ، فلم ينكرا ذلك عليه .

وعن الحسن البصري أنه قال في الرجل يعمل عمل قوم لوط : إن كان ثيبا رجم ، وإن كان بكرا جلد .

وأما من قال : إن الفاعل إن كان محصنا فإنه يرجم وإن كان غير محصن فإنه يجلد مائة وينفى سنة ، وأما المنكوح فيرجم أحصن أو لم يحصن : فقول ذهب إليه أبو جعفر محمد بن علي بن يوسف - أحد فقهاء الشافعيين .

وأما من قال : لا حد في ذلك : فكما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر ، وأبي إسحاق الشيباني ، كلاهما عن الحكم بن عتيبة أنه قال فيمن عمل عمل قوم لوط : يجلد دون الحد .

وبه يقول أبو حنيفة ، ومن اتبعه ، وأبو سليمان ، وجميع أصحابنا قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا - كما ذكرنا - وجب أن ننظر فيما احتج به من رأى حرقه بالنار ، فوجدناهم يقولون : إنه إجماع الصحابة ، ولا يجوز خلاف إجماعهم .

فإن قيل : فقد روي عن علي ، وابن عباس ، وابن الزبير ، وابن عمر ، بعد ذلك الرجم ، وحد الزنى ، وغير ذلك ؟ [ ص: 392 ] قيل : هذا لا يجوز ، لأنه خلاف لما أجمعوا .

فهذا كل ما ذكروا في ذلك ، لا حجة لهم غير هذا .

ووجدناه لا تقوم به حجة ، لأنه لم يروه إلا ابن سمعان عن رجل أخبره - لم يسمعه - أن أبا بكر - وعبد الملك بن حبيب عن مطرف عن أبي حازم عن محمد بن المنكدر ، وموسى بن عقبة ، وصفوان بن سليم ، وداود بن بكر : أن أبا بكر - وابن شعبان عن محمد بن العباس بن أسلم عن محمد بن داود بن أبي ناجية عن يحيى بن بكير عن ابن أبي حازم عن ابن المنكدر ، وموسى بن عقبة ، وصفوان بن سليم ، وداود بن بكر : أن أبا بكر . فهذه كلها منقطعة ليس منهم أحد أدرك أبا بكر .

وأيضا - فإن ابن سمعان مذكور بالكذب وصفه بذلك مالك بن أنس .

ووجه آخر - وهو أن الإحراق بالنار قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذلك : كما نا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك الخولاني نا محمد بن بكر نا أبو داود نا سعيد بن منصور نا المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي عن أبي الزناد { عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على سرية وقال : إن وجدتم فلانا فأحرقوه بالنار ، فوليت فناداني فرجعت ، فقال : إن وجدتم فلانا فاقتلوه ولا تحرقوه ، فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار } .

ثم نظرنا في قول من رأى قتلهم : فوجدناهم يحتجون : بما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الأعرابي نا الدبري نا أبو داود نا عبد الله بن محمد النفيلي نا عبد العزيز بن محمد - هو ابن محمد الدراوردي - عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به } . [ ص: 393 ] حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص ثني سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { اقتلوا الفاعل والمفعول به } .

وبه - إلى ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك .

وبه - إلى يحيى بن أيوب عن رجل حدثه عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من عمل عمل قوم لوط فاقتلوه } وهذا الرجل - هو عباد بن كثير .

قال أبو محمد رحمه الله : فهذا كل ما موهوا به ، وكله ليس لهم منه شيء يصح : أما حديث ابن عباس - فانفرد به عمرو بن أبي عمرو - هو ضعيف ، وإبراهيم بن إسماعيل ضعيف .

وأما حديث أبي هريرة - فانفرد به القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص - وهو مطرح في غاية السقوط .

وأما حديث جابر - فعن يحيى بن أيوب - وهو ضعيف - عن عباد بن كثير - وهو شر منه .

وأما حديث ابن أبي الزياد - فابن أبي الزناد ضعيف ، ومحمد بن عبد الله مجهول - وهو أيضا مرسل .

فسقط كل ما في هذا الباب .

ولا يحل سفك دم يهودي - أو نصراني من أهل الذمة ، نعم ، ولا دم حربي بمثل هذه الروايات ، فكيف دم فاسق أو تائب ؟ ولو صح شيء مما قلنا منها [ ص: 394 ] لقلنا به ، ولما استجزنا خلافه أصلا - وبالله تعالى التوفيق .

ثم نظرنا في قول من قال : يرجمان معا - أحصنا أو لم يحصنا - فوجدناهم يحتجون : بأنه هكذا فعل الله بقوم لوط ، قال الله تعالى { وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك } .

واحتجوا من الآثار التي ذكرنا آنفا : بما نا أحمد بن إسماعيل بن دليم نا محمد بن أحمد بن الخلاص نا محمد بن القاسم بن شعبان ثني محمد بن أحمد عن يونس بن عبد الأعلى ، وأبي الربيع بن أبي رشدين نا عبيد الله بن رافع عن عاصم بن عبيد الله عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { الذي يعمل عمل قوم لوط فارجموا الأعلى والأسفل } وقال فيه : وقال { أحصنا أو لم يحصنا } .

فهذا كل ما شغبوا به قد تقصيناه - وكله لا حجة لهم فيه على ما نبين - إن شاء الله تعالى .

أما فعل الله تعالى في قوم لوط - فإنه ليس كما ظنوا ، لأن الله تعالى قال { كذبت قوم لوط بالنذر إنا أرسلنا عليهم حاصبا } إلى قوله تعالى { فذوقوا عذابي ونذر } .

وقال تعالى { إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين } .

قال تعالى { إنه مصيبها ما أصابهم } الآية ، فنص تعالى نصا جليا على أن قوم لوط كفروا ، فأرسل عليهم الحاصب .

فصح : أن الرجم الذي أصابهم لم يكن للفاحشة وحدها ، لكن للكفر ولها : فلزمهم أن لا يرجموا من فعل فعل قوم لوط ، إلا أن يكون كافرا ، وإلا فقد خالفوا حكم الله تعالى فأبطلوا احتجاجهم بالآية ، إذ خالفوا حكمها .

وأيضا - فإن الله تعالى أخبر : أن امرأة لوط أصابها ما أصابهم ، وقد علم كل ذي مسكة عقل أنها لم تعمل عمل قوم لوط .

فصح : أن ذلك حكم لم يكن لذلك العمل وحده ، بلا مرية . [ ص: 395 ] فإن قالوا : إنها كانت تعينهم على ذلك العمل ؟ قلنا : فارجموا كل من أعان على ذلك العمل بدلالة أو قيادة وإلا فقد تناقضتم وأبطلتم احتجاجكم بالقرآن ، وخالفتموه .

وأيضا - فإن الله تعالى أخبر أنهم راودوه عن ضيفه ، فطمس أعينهم ، فيلزمهم ولا بد أن يسملوا عيون فاعلي فعل قوم لوط ، لأن الله تعالى لم يرجمهم فقط ، لكن طمس أعينهم ، ثم رجمهم ، فإذ لم يفعلوا هذا ، فقد خالفوا حكم الله تعالى فيهم ، وأبطلوا حجتهم .

ويلزمهم أيضا - أن يطمسوا عيني كل من راود آخر .

ويلزم أيضا - أن يحرقوا بالنار من أنقص المكيال والميزان ، لأن الله تعالى أحرق بالنار قوم شعيب في ذلك .

ويلزمهم - أن يقتلوا من عقر ناقة آخر ، لأن الله تعالى أهلك قوم صالح إذ عقروا الناقة ، إذ لا فرق بين عذاب الله تعالى قوم لوط بطمس العيون ، والرجم - إذ أتوا تلك الفاحشة - وبين إحراق قوم شعيب إذ بخسوا المكيال والميزان - وبين إهلاكه قوم صالح إذ عقروا الناقة ، قال الله تعالى { ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها } إلى آخر السورة .

ثم نظرنا في قول من لم ير في ذلك حدا : فوجدناهم يحتجون بقول الله تعالى { ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون } إلى قوله { إلا من تاب } .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان وزنى بعد إحصان أو نفسا بنفس } .

وقال عليه السلام { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام } [ ص: 396 ] فحرم الله تعالى دم كل امرئ - مسلم وذمي - إلا بالحق ، ولا حق إلا في نص أو إجماع .

وحرم النبي صلى الله عليه وسلم الدم إلا بما أباحه به من الزنى بعد الحصان ، والكفر بعد الإيمان والقود والمحدود في الخمر ثلاثا ، والمحارب قبل أن يتوب - وليس فاعل فعل قوم لوط واحدا من هؤلاء ، فدمه حرام إلا بنص أو إجماع ، وقد قلنا : إنه لا يصح أثر في قتله ؟ نعم ، ولا يصح أيضا - في ذلك شيء عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - لأن الرواية في ذلك عن أبي بكر ، وعلي ، والصحابة إنما هي منقطعة : وإحداها - عن ابن سمعان عن مجهول .

والأخرى عمن لا يعتمد على روايته .

وأما الرواية عن ابن عباس ، فإحداهما - عن معاذ بن الحارث عن عبد الرحمن بن قيس الضبي عن حسان بن مطر - وكلهم مجهولون - والرواية عن ابن الزبير ، وابن عمر مثل ذلك عن مجهولين .

فبطل أن يتعلق أحد في هذه المسألة عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - بشيء يصح - وأما من رأى دون الحد ، فالحكم بن عتيبة ؟ قال أبو محمد رحمه الله : فإذ قد صح ذلك أنه لا قتل عليه ولا حد ، لأن الله تعالى لم يوجب ذلك ولا رسوله - عليه السلام - فحكمه أنه أتى منكرا - فالواجب بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تغيير المنكر باليد ، فواجب أن يضرب التعزير الذي حده رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك لا أكثر ، ويكف ضرره عن الناس فقط .

كما روينا من طريق البخاري نا مسلم بن إبراهيم نا هشام - هو الدستوائي - نا يحيى هو ابن أبي كثير - عن عكرمة عن ابن عباس : قال { لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء ، وقال : أخرجوهم من بيوتكم ، وأخرج فلانا ، وأخرج فلانا } .

وأما السجن - فلقول الله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } .

وبيقين يدري كل ذي حس سليم أن كف ضرر فعلة قوم لوط - الناكحين [ ص: 397 ] والمنكوحين - عن الناس عون على البر والتقوى ، وإن إهمالهم عون على الإثم والعدوان ، فوجب كفهم بما لا يستباح به لهم دم ، ولا بشرة ، ولا مال ؟ قال أبو محمد رحمه الله : فإن شنع بعض أهل القحة والحماقة أن يقول : إن ترك قتلهم ذريعة إلى هذا الفعل ؟ قيل لهم : وترككم أن تقتلوا كل زان ذريعة إلى إباحة الزنى منكم ، وترككم أن تقتلوا المرتد - وإن تاب - تطريق منكم وذريعة إلى إباحتكم الكفر ، وعبادة الصليب ، وتكذيب القرآن والنبي - عليه السلام - وترككم قتل آكل الخنزير والميتة والدم وشارب الخمر تطريق منكم وذريعة إلى إباحتكم أكل الخنزير والميتة والدم وشرب الخمر - وإنما هذا انتصار منهم بمثل ما يهذرون به { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل } الآية .

ونعوذ بالله من أن نغضب له بأكثر مما غضب تعالى لدينه أو أقل من ذلك ، أو أن نشرع - بآرائنا - الشرائع الفاسدة - ونحمد الله تعالى كثيرا على ما من به علينا من التمسك بالقرآن والسنة - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية