صفحة جزء
2304 - مسألة : فيمن أتى بهيمة ؟ قال أبو محمد رحمه الله : اختلف الناس فيمن أتى بهيمة : فقالت طائفة : حده حد الزاني يرجم إن أحصن ، ويجلد إن لم يحصن .

وقالت طائفة : يقتل ولا بد .

وقالت طائفة : عليه أدنى الحدين أحصن أو لم يحصن .

وقالت طائفة : عليه الحد إلا أن تكون البهيمة له .

وقالت طائفة : يعزر إن كانت البهيمة له ، وذبحت ولم تؤكل ، وإن كانت لغيره لم تذبح .

وقالت طائفة : فيها اجتهاد الإمام في العقوبة بالغة ما بلغت .

وقالت طائفة : ليس فيه إلا التعزير دون الحد .

فالقول الأول - كما نا أحمد بن عمر بن أنس نا أبو ذر نا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي نا إبراهيم بن خريم بن فهر الشاشي ثني عبد بن حميد نا يزيد بن هارون [ ص: 398 ] أنا سفيان بن حسين عن أبي علي الرحبي عن عكرمة قال : سئل الحسن بن علي - مقدمه من الشام - عن رجل أتى بهيمة ، فقال : إن كان محصنا رجم .

وعن عامر الشعبي أنه قال في الذي يأتي البهيمة ، أو يعمل عمل قوم لوط ، قال : عليه الحد .

وعن الحسن البصري أنه قال في الذي يأتي البهيمة : إن كان ثيبا رجم ، وإن كان بكرا جلد - وهو قول قتادة ، والأوزاعي ، وأحد قولي الشافعي .

والقول الثاني - عن ابن الهادي ، قال : قال ابن عمر في الذي يأتي البهيمة : لو وجدته لقتلته - وهو قول أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : تقتل البهيمة أيضا .

والقول الثالث - عن معمر عن الزهري في الذي يأتي البهيمة ، قال : عليه أدنى الحدين - أحصن أو لم يحصن .

والقول الرابع - عن ربيعة أنه قال في الذي يأتي البهيمة : هو المبتغي ما لم يحلل الله له ، فرأى الإمام فيه العقوبة بالغة ما بلغت ، فإنه قد أحدث في الإسلام أمرا عظيما - وهو قول مالك .

والقول الخامس - عن ابن عباس في الذي يأتي البهيمة : لا حد عليه - وعن الشعبي مثله .

وعن عطاء في الذي يأتي البهيمة ، فقال : ما كان الله نسيا : أن ينزل فيه ، ولكنه قبيح ، فقبحوا ما قبح الله - وهو قول أصحابنا - وأحد قولي الشافعي ؟ قال أبو محمد : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر : فنظرنا فيما قال به أهل القول الأول - فلم نجد لهم إلا أنهم قاسوه على الزنى ، فقالوا : هو وطء محرم - والقياس كله باطل إلا أنه يلزم على من أولج في حياء بهيمة الغسل وإن لم ينزل ، ويجعله كالوطء في الفرج ، ولا فرق .

وفي القول الثاني - فوجدناهم يحتجون بما رويناه - كما نا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا الحارث بن أبي أسامة نا عبد الوهاب - هو ابن عطاء الخفاف - نا عباد - هو ابن منصور - عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 399 ] أنه قال في الذي يأتي البهيمة { اقتلوا الفاعل والمفعول به } .

حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الأعرابي نا أبو داود نا النفيلي - هو عبد الله بن محمد - نا عبد العزيز - هو ابن محمد الدراوردي - عن عمرو بن أبي عمرو بن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ، من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه } قلت : ما شأن البهيمة ؟ قال : ما أراه قال ذلك ، إلا أنه كره أكل لحمها وقد عمل بها ذلك العمل .

حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب الصموت الرقي نا أحمد بن عمر بن عبد الخالق البزار نا إسماعيل بن مسعود الجحدري نا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك نا إبراهيم بن إسماعيل - هو ابن أبي حبيبة - عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { اقتلوا مواقع البهيمة ، اقتلوا الفاعل والمفعول به ، ومن عمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول } .

حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا قتيبة بن سعيد نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي نا عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لعن الله من عمل عمل قوم لوط - ثلاث مرات - لعن الله من واقع بهيمة ، من وجدتموه وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة } فقيل لابن عباس : ما شأن البهيمة ؟ قال : ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا ، ولكن أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن يؤكل من لحمها ، أو ينتفع بها وقد عمل بها ذلك العمل ؟ قال أبو محمد : لا حجة لهم غير ما ذكرنا ، وقد ذكرنا في الباب الذي قبل هذا ضعف هذا الآثار لأن عباد بن منصور ، وعمرو بن أبي عمرو ، وإسماعيل بن إبراهيم ضعفاء كلهم ولو صحت لقلنا بها ولجارينا عليها ولما حل خلافها - فإذ لا تصح فلا [ ص: 400 ] يجوز القول بها إلا أنه قد كان لازما للحنفيين ، والمالكيين القول بها على أصولهم ، فإنهم احتجوا بأسقط منها في إيجاب حد الخمر ثمانين في مواضع جمة .

ثم نظرنا في قول من قال : عليه أدنى الحدين - فوجدناه لا حجة له أصلا ، ولا نعرف له وجها - فسقط .

ثم نظرنا في قول من قال : " يحد وتقتل البهيمة " فوجدناه في غاية الفساد .

ثم نظرنا في قول من قال : " عليه العقوبة برأي الإمام بالغة ما بلغت " فوجدناه خطأ ، لأن الله تعالى قد زم الأمور ولم يهملها ، ولم يطلق الأئمة على دماء الناس ، ولا أعراضهم ، ولا أبشارهم ، ولا أموالهم ، بل قد تقدم إليهم على لسان رسوله عليه السلام فقال : { إن دماءكم وأموالكم وأبشاركم عليكم حرام } .

ولعل رأي الإمام يبلغ إلى خصائه ، أو إلى أخذ ماله ، أو إلى قتله ، أو إلى بيعه ، فإن منعوا من هذا ، سئلوا الفرق بين ما منعوا من هذا وبين ما أباحوا من غير ذلك ؟ ولا سبيل لهم إليه ، فحصل هذا القول لا حجة لقائله .

ثم نظرنا في القول الذي لم يبق غيره - وهو أن عليه التعزير فقط - فوجدناه صحيحا ، لأنه قد أتى منكرا ، فإن الله تعالى يقول : { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } إلى قوله تعالى { العادون } ولا خلاف بين أحد من الأمة أنه لا يحل أن تؤتى البهيمة أصلا ، ففاعل ذلك فاعل منكر ، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغيير المنكر باليد ، فعليه من التعزير ما نذكره - إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية