صفحة جزء
269 - مسألة :

فإن رأت الجارية الدم أول ما تراه أسود فهو دم حيض كما قدمنا تدع الصلاة والصوم ولا يطؤها بعلها أو سيدها ، فإن تلون أو انقطع إلى سبعة عشر يوما فأقل فهو طهر صحيح تغتسل وتصلي وتصوم ويأتيها زوجها وإن تمادى أسود تمادت على أنها حائض إلى سبع عشرة ليلة ، فإن تمادى بعد ذلك أسود فإنها تغتسل ثم تصلي وتصوم ويأتيها زوجها ، وهي طاهر أبدا لا ترجع إلى حكم الحائضة إلا أن ينقطع أو يتلون كما ذكرنا ، فيكون حكمها إذا كان أسود حكم الحيض وإذا تلون أو انقطع أو زاد على السبع عشرة حكم الطهر .

فأما التي قد حاضت وطهرت فتمادى بها الدم فكذلك أيضا في كل شيء ، إلا في تمادي الدم الأسود متصلا فإنها إذا جاءت الأيام التي كانت تحيضها أو الوقت الذي كانت تحيضه إما مرارا في الشهر أو مرة في الشهر أو مرة في أشهر أو في عام ، فإذا جاء ذلك الأمد أمسكت عما تمسك به الحائض ، فإذا انقضى ذلك الوقت اغتسلت وصارت في حكم الطاهر في كل شيء ، وهكذا أبدا ما لم يتلون الدم أو ينقطع ، فإن كانت مختلفة الأيام بنت على آخر أيامها قبل أن يتمادى بها الدم ، فإن لم تعرف وقت حيضها لزمها فرضا أن تغتسل لكل صلاة وتتوضأ لكل صلاة ، أو تغتسل وتتوضأ وتصلي الظهر في آخر وقتها ، ثم تتوضأ وتصلي العصر في أول وقتها ، ثم تغتسل وتتوضأ وتصلي المغرب في آخر وقتها ، ثم تتوضأ وتصلي العتمة في أول وقتها ، ثم تغتسل وتتوضأ لصلاة الفجر ، وإن شاءت أن تغتسل في أول وقت الظهر [ ص: 416 ] للظهر والعصر فذلك لها ، وفي أول وقت المغرب للمغرب والعتمة ، فذلك لها ، وتصلي كل صلاة لوقتها ولا بد ، وتتوضأ لكل صلاة فرض ونافلة في يومها وليلتها ، فإن عجزت عن ذلك وكان عليها فيه حرج تيممت كما ذكرنا .

برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم - الذي قد ذكرنا بإسناده في أول مسألة من الحيض من كتابنا هذا - { إن دم الحيض أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة وإن كان الآخر فتوضئي وصلي } وقوله صلى الله عليه وسلم { إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغتسلي وصلي } وفي بعضها { فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وتوضئي } وفي بعضها { فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي } وهكذا رويناه من طريق حماد بن زيد وحماد بن سلمة كلاهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي هذه الأخبار إيجاب مراعاة تلون الدم .

وما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أحمد بن أبي رجاء ثنا أبو أسامة سمعت هشام بن عروة بن الزبير قال أخبرني أبي عن عائشة { أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت : إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة ؟ قال : لا ، إن ذلك عرق ، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي } .

حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن حمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رمح وقتيبة ، كلاهما عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة قالت : { إن أم حبيبة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم ، قالت عائشة : رأيت مركنها ملآن دما ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي } .

قال أبو محمد : ففي هذين الخبرين إيجاب مراعاة القدر .

الذي كانت تحيضه قبل أن يمتد بها الدم .

وأما المبتدأة التي لا يتلون دمها عن السواد ولا مقدار عندها لحيض متقدم ، [ ص: 417 ] فنحن على يقين من وجوب الصلاة والصيام عليها ، ونحن على يقين من أن الدم الأسود منه حيض ومنه ما ليس بحيض ، فإن ذلك كذلك فلا يجوز لأحد أن يجعل برأيه بعض ذلك الدم حيضا وبعضه غير حيض ، لأنه يكون شارعا في الدين ما لم يأذن به الله ، أو قائلا على الله تعالى ما لا علم لديه ، فإذ ذلك كذلك فلا يحل لها ترك يقين ما افترض الله عليها من الصوم والصلاة لظن في بعض دمها أنه حيض ، ولعله ليس حيضا ، والظن أكذب الحديث .

وهذا الذي قلناه هو قول مالك وداود ، وقال الأوزاعي : تجعل لنفسها مقدار حيض أمها وخالتها وعمتها وتكون فيما زاد في حكم المستحاضة ، فإن لم تعرف جعلت حيضها سبعة أيام من كل شهر ، وتكون في باقي الشهر مستحاضة تصوم ، وقال سفيان الثوري وعطاء : تجعل لنفسها قدر حيض نسائها .

وقال الشافعي : تقعد يوما وليلة من كل شهر تكون فيه حائضا ، وباقي الشهر مستحاضة تصلي وتصوم ، وإلى هذا مال أحمد بن حنبل ، وقال أبو حنيفة : تقعد عشرة أيام من كل شهر حائضا وباقي الشهر مستحاضة تصلي وتصوم .

قال علي : يقال لجميعهم : من أين قطعتم بأنها تحيض كل شهر ولا بد ؟ وفي الممكن أن تكون ضهياء لا تحيض فتركتم بالظن فرض ما أوجبه الله تعالى عليها من الصلاة والصيام ، ثم ليس لأحد منهم أن يقول : اقتصر بها على أقل ما يكون من الحيض لئلا تترك الصلاة إلا بيقين : إلا كان للآخر أن يقول .

بل اقتصر بها على أكثر الحيض لئلا تصلي وتصوم ويطأها زوجها وهي حائض ، وكل هذين القولين يفسد صاحبه ، وهما جميعا فاسدان لأنهما قول بالظن ، والحكم بالظن في دين الله عز وجل لا يجوز ، ونحن على يقين لا شك فيه أن هذه المبتدأة لم تحض قط ، وأن الصوم والصلاة فرضان عليها ، وأن زوجها مأمور ومندوب إلى وطئها ، ثم لا ندري ولا نقطع إن شيئا من هذا الدم الظاهر عليها دم حيض ، فلا يحل ترك اليقين والفرائض اللازمة بظن كاذب .

وبالله تعالى التوفيق .

وأما وضوءها لكل صلاة فقد ذكرنا برهان ذلك في كتابنا هذا في الوضوء وما يوجبه . [ ص: 418 ]

وأما غسلها لكل صلاتين أو لكل صلاة فلما حدثناه حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن حدثنا علان ثنا محمد بن بشار ثنا وهب بن جرير بن حازم ثنا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف - { عن أم حبيبة بنت جحش أنها كانت تهراق الدم وأنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل لكل صلاة } .

وبه إلى ابن أيمن : ثنا أحمد بن محمد البرتي القاضي ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث بن سعيد التنوري عن الحسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : أخبرتني زينب بنت أبي سلمة المخزومي { أن امرأة كانت تهراق الدم ، وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل عند كل صلاة وتصلي } .

قال علي : زينب هذه ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم نشأت في حجره عليه السلام ، ولها صحبة به عليه السلام .

وبه إلى ابن أيمن : أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثني محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أم حبيبة بنت جحش { أنها استحيضت فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغسل عند كل صلاة } .

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا هناد بن السري عن عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة { أن أم حبيبة بنت جحش استحضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها بالغسل لكل صلاة } .

حدثنا عبد الله بن ربيع حدثنا عمر بن عبد الملك الخولاني ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا وهب بن بقية ثنا خالد بن إسماعيل عن سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة بن الزبير { عن أسماء بنت عميس قالت : يا رسول الله إن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : لتغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا ، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلا واحدا ، وتغتسل للفجر غسلا وتتوضأ فيما بين ذلك } .

فهذه آثار في غاية الصحة رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع صواحب : عائشة أم المؤمنين [ ص: 419 ] وزينب بنت أم سلمة وأسماء بنت عميس وأم حبيبة بنت جحش .

ورواها عن كل واحدة من عائشة وأم حبيبة عروة وأبو سلمة ورواه أبو سلمة عن زينب بنت أم سلمة .

ورواه عروة عن أسماء ، وهذا نقل تواتر يوجب العلم .

وقال بهذا جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، كما روينا من طريق الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة : أن أم حبيبة استحيضت فكانت تغتسل لكل صلاة ، فهذه أم حبيبة ترى ذلك وعائشة تذكر ذلك لا تنكره .

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير : أنه كان عند ابن عباس فأتاه كتاب امرأة . قال سعيد : فدفعه ابن عباس إلي ، فقرأته فإذا فيه : إني امرأة مستحاضة أصابني بلاء وضر ، وإني أدع الصلاة الزمان الطويل ، وإن ابن أبي طالب سئل عن ذلك فأفتاني أن أغتسل عند كل صلاة ، فقال ابن عباس : اللهم لا أجد لها إلا ما قال علي ، غير أنها تجمع بين الظهر والعصر بغسل واحد والمغرب والعشاء بغسل واحد وتغتسل للفجر غسلا واحدا ، فقيل لابن عباس : إن الكوفة أرض باردة وأنها يشق عليها ، قال : لو شاء الله لابتلاها بأشد من ذلك .

ورويناه أيضا من طريق سفيان الثوري عن أشعث بن أبي الشعثاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس .

ومن طريق ابن جريج أن عمرو بن دينار أخبره أنه سمع سعيد بن جبير يذكر هذا عن ابن عباس ، ومن طريق شعبة وحماد بن سلمة كلاهما عن حماد بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس .

حدثنا يونس بن عبد الله حدثنا أبو بكر بن أحمد بن خالد ثنا أبي حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا حجاج بن المنهال عن ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير قال أخبرني سعيد بن جبير قال : أرسلت امرأة مستحاضة إلى ابن الزبير : إني أفتيت أن أغتسل لكل صلاة ، فقال ابن الزبير : ما أجد لها إلا ذلك ، ثم أرسلت إلى ابن عباس وابن عمر فقالا جميعا : ما نجد إلا ذلك .

ومن طريق أبي مجلز عن ابن عمر في المستحاضة قال : تغتسل لكل صلاة ، وقد رواه أيضا عكرمة ومجاهد عن ابن عباس ، قال مجاهد عنه : تؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل لهما غسلا واحدا ، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلا واحدا ، وتغتسل للفجر غسلا . [ ص: 420 ]

وروينا عن ابن جريج عن عطاء : تنتظر المستحاضة أيام أقرائها ثم تغتسل غسلا واحدا للظهر والعصر ، تؤخر الظهر قليلا وتعجل العصر قليلا ، وكذلك المغرب والعشاء وتغتسل للصبح غسلا .

وروينا من طريق سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي مثل قول عطاء سواء سواء .

وروينا من طريق معاذ بن هشام الدستوائي عن أبيه عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال : المستحاضة تغتسل لكل صلاة وتصلي .

فهؤلاء من الصحابة أم حبيبة وعلي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر وابن الزبير لا مخالف لهم يعرف من الصحابة رضي الله عنهم ، إلا رواية عن عائشة ، أنها تغتسل كل يوم عند صلاة الظهر .

ورويناه هكذا من طريق معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة هكذا مبينا ، كل يوم عند صلاة الظهر .

ومن التابعين عطاء وسعيد بن المسيب والنخعي وغيرهم ، كل ذلك بأسانيد في غاية الصحة ، فأين المشنعون بمخالفة الصاحب إذا وافق أهواءهم وتقليدهم من الحنفيين والمالكيين والشافعيين عن هذا ومنعهم السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال علي : فجاءت السنة في التي تميز دمها أن الأسود حيض ، وأن ما عداه طهر ، فوضح أمر هذه ، وجاءت السنة في التي لا تميز دمها - وهو كله أسود لأن ما عداه طهر لا حيض ولها وقت محدود مميز كانت تحيض فيه : أن تراعي أمد حيضها فتكون فيه حائضا ، ويكون ما عداه طهرا ، فوجب الوقوف عند ذلك ، وكان حكم التي كانت أيامها مختلفة منتقلة أن تبني على آخر حيض حاضته قبل اتصال دمها ، لأنه هو الذي استقر عليه حكمها وبطل ما قبله باليقين والمشاهدة ، فخرجت هاتان بحكمهما ، ولم يبق إلا التي لا تميز دمها ولا لها أيام معهودة ، ولم يبق إلا المأمورة بالغسل لكل صلاة أو لكل صلاتين ، فوجب ضرورة أن تكون هي ، إذ ليست إلا ثلاث صفات وثلاثة أحكام فللصفتين حكمان منصوصان عليهما ، فوجب أن يكون الحكم الثالث للصفة الثالثة ضرورة ولا بد .

قال علي : وأما مالك فإنه غلب حكم تلون الدم ولم يراع الأيام ، وأما أبو حنيفة فغلب الأيام ولم يراع حكم تلون الدم ، وكلا العملين خطأ ، لأنه ترك لسنة لا يحل تركها ، وأما الشافعي وابن حنبل وأبو عبيد وداود فأخذوا بالحكمين معا ، إلا أن [ ص: 421 ] أحمد بن حنبل وأبا عبيد غلبا الأيام ولم يجعلا لتلون الدم حكما إلا في التي لا تعرف أيامها ، وجعلا للتي تعرف أيامها حكم الأيام وإن تلون دمها ، وأما الشافعي وداود فغلبا حكم تلون الدم ، سواء عرفت أيامها أو لم تعرفها ، ولم يجعلا حكم مراعاة وقت الحيض إلا للتي لا يتلون دمها .

قال علي : فبقي النظر في أي العملين هو الحق ؟ ففعلنا ، فوجدنا النص قد ثبت وصح بأنه لا حيض إلا الدم الأسود ، وما عداه ليس حيضا ، لقوله عليه السلام { إن دم الحيض أسود يعرف } فصح أن المتلونة الدم طاهرة تامة الطهارة لا مدخل لها في حكم الاستحاضة ، وأنه لا فرق بين الدم الأحمر وبين القصة البيضاء ، ووجب أن الدم إذا تلون قبل انقضاء أيامها المعهودة أنه طهر صحيح ، فبقي الإشكال في الدم الأسود المتصل فقط ، فجاء النص بمراعاة الوقت لمن تعرف وقتها ، وبالغسل المردد لكل صلاة أو لصلاتين في التي نسيت وقتها .

وبالله تعالى التوفيق .

وما نعلم لمن ترك شيئا من هذه الأخبار سببا يتعلق به ، لا من قياس ولا من قول صاحب ولا من قرآن ولا سنة .

وقال مالك في بعض أقواله : إن التي يتصل بها الدم تستظهر بثلاثة أيام إن كانت حيضتها اثني عشر يوما فأقل ، أو بيومين إن كانت ثلاثة عشر يوما ، أو بيوم إن كانت حيضتها أربعة عشر يوما ، ولا تستظهر بشيء إن كانت حيضتها خمسة عشر وهذا قول لا يعضده قرآن ولا سنة ، لا صحيحة ولا سقيمة ، ولا قول صاحب ولا قياس ولا رأي له وجه ولا احتياط ، بل فيه إيجاب ترك الصلاة المفروضة والصوم اللازم بلا معنى .

واحتج له بعض مقلديه بحديث سوء رويناه من طريق إبراهيم بن حمزة عن الدراوردي عن حرام بن عثمان عن عبد الرحمن ومحمد ابني جابر عن أبيهما قال { جاءت أسماء بنت مرشد الحارثية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس عنده ، فقالت يا رسول الله حدثت لي حيضة أنكرها ، أمكث بعد الطهر ثلاثا أو أربعا ، ثم تراجعني فتحرم علي الصلاة ، فقال : إذا رأيت ذلك فامكثي ثلاثا ثم تطهري اليوم الرابع فصلي إلا أن تري دفعة من دم قاتمة } .

قال أبو محمد : فكان هذا الاحتجاج أقبح من القول المحتج له به ، لأن هذا الخبر باطل إذ هو مما انفرد به حرام بن عثمان ، ومالك نفسه يقول : هو غير ثقة . [ ص: 422 ]

فالعجب لهؤلاء القوم وللحنفيين ، وقد جرح أبو حنيفة جابرا الجعفي وقال ما رأيت أكذب من جابر ، ومالك جرح حرام بن عثمان وصالحا مولى التوأمة ، ثم لا مؤنة على المالكيين والحنفيين إذا جاء هؤلاء خبر من رواية حرام وصالح يمكن أن يوهموا به أنه حجة لتقليدهم إلا احتجوا به وأكذبوا تجريح مالك لهم ولا مؤنة على الحنفيين إذا جاءهم خبر يمكن أن يوهموا به أنه حجة لتقليدهم من رواية جابر إلا احتجوا به ، ويكذبوا تجريح أبي حنيفة له ، ونحن - ولله الحمد - أحسن مجاملة لشيوخهم منهم ، فلا نرد تجريح مالك فيمن لم تشتهر إمامته .

قال أبو محمد ، ثم لو صح هذا الخبر لما كان لهم به متعلق لأنه ليس فيه شيء من قول مالك ، ولا من تلك التقاسيم ، بل هو مخالف لقوله ، وموجب للصلاة إلا أن ترى دما ، فظهر فساد احتجاجهم به .

وقال بعضهم : قسناه على حديث المصراة ، وعلى أجل الله تعالى لثمود ، فكان هذا إلى الهزل والاستخفاف بالدين أقرب منه إلى العلم .

ونعوذ بالله من الخذلان .

قال علي : وروينا عن إبراهيم النخعي أن المستحاضة تصوم وتصلي ولا يطؤها زوجها .

قال علي ، وهذا خطأ لأنها إما حائض وإما طاهر غير حائض ، ولا سبيل إلى قسم ثالث في غير النفساء ، فإن كانت حائضا فلا تحل لها الصلاة ولا الصوم ، وإن كانت غير نفساء ولا حائض فوطء زوجها لها حلال ما لم يكن أحدهما صائما أو محرما أو معتكفا أو كان مظاهرا منها ، فبطل هذا القول ، وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية