صفحة جزء
[ ص: 103 ] مسألة : وأما صلاة الفرض فلا يحل لأحد أن يصليها إلا واقفا إلا لعذر : من مرض ، أو خوف من عدو ظالم ; أو من حيوان ; أو نحو ذلك ; أو ضعف عن القيام كمن كان في سفينة ; أو من صلى مؤتما بإمام مريض ، أو معذور فصلى قاعدا فإن هؤلاء يصلون قعودا ; فإن لم يقدر الإمام على القعود ، ولا القيام : صلى مضطجعا وصلوا كلهم خلفه مضطجعين ولا بد ، وإن كان في كلا الوجهين مذكرا - يسمع الناس تكبير الإمام - صلى إن شاء قائما إلى جنب الإمام ، وإن شاء صلى كما يصلي إمامه .

فأما الخائف ، والمريض ; فلقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ; ولقوله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ; ولقوله تعالى : { وقوموا لله قانتين } فأوجب الله تعالى القيام إلا عمن أسقطه عنه بالنص ; وهذا في الخائف والمريض : إجماع - مع { أنه عليه السلام قد صلى الفريضة قاعدا لمرض كان به ولوث برجله } .

وأما من صلى خلف إمام يصلي قاعدا لعذر ، فإن الناس اختلفوا فيه ؟ فقال مالك ومن قلده : لا يجوز أن يؤم المريض قاعدا الأصحاء - إلا رواية رواها عن الوليد بن مسلم موافقة لقول أبي حنيفة ، والشافعي .

وقال أبو حنيفة والشافعي : يؤم المريض قاعدا : الأصحاء ، إلا أنهم يصلون وراءه قياما ، ولا بد قال أبو حنيفة : ولا يؤم المصلي مضطجعا لعذر : الأصحاء أصلا وقال أبو سليمان وأصحابنا : يؤم المريض قاعدا : الأصحاء ، ولا يصلون وراءه إلا قعودا كلهم ، ولا بد ؟ قال علي : وبهذا نأخذ إلا فيمن يصلي إلى جنب الإمام يذكر الناس ويعلمهم تكبير الإمام ; فإنه مخير بين أن يصلي قاعدا وبين أن يصلي قائما .

[ ص: 104 ] قال علي : فنظرنا هل جاء في هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان ؟ فوجدنا ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف ثنا مالك عن ابن شهاب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إنما جعل الإمام ليؤتم به } وذكر كلامه عليه السلام وفيه { ، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون } .

حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد ثنا المغيرة الحزامي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال : سمع الله لمن حمده ؟ فقولوا : اللهم ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون } .

وبه إلى مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو الربيع الزهراني وأبو كريب هو محمد بن العلاء ومحمد بن عبد الله بن نمير ، قال أبو بكر : واللفظ له : حدثنا عبدة بن سليمان ، وقال أبو الربيع : ثنا حماد بن زيد ، وقال أبو كريب : ثنا عبد الله بن نمير ; وقال محمد بن عبد الله : ثنا أبي ، ثم اتفقوا كلهم : عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : { اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فصلوا بصلاته قياما ; فأشار إليهم : أن اجلسوا ؟ فجلسوا فلما انصرف قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا [ ص: 105 ] صلى جالسا فصلوا جلوسا } .

وروينا أيضا من طريق الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر : { اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره ، فالتفت إلينا فرآنا قياما ، فأشار إلينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعودا فلما سلم قال : إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود ؟ فلا تفعلوا وائتموا بأئمتكم إن صلى قائما فصلوا قياما ، وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا } ، ورواه أيضا قيس بن أبي حازم ، وهمام بن منبه ، وأبو علقمة وأبو يونس كلهم عن أبي هريرة . ورويناه أيضا من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس ، وعائشة ومن طريق الأسود عنها فصار نقل تواتر ; فوجب للعلم ; فلم يجز لأحد خلاف ذلك ؟ .

فنظرنا فيما اعترض به المالكيون في منعهم من صلاة الجالس لمرض أو عذر للأصحاء ، فلم نجد لهم شيئا أصلا ، إلا أن قائلهم قال : هذا خصوص للنبي صلى الله عليه وسلم واحتجوا في ذلك بما رويناه من طريق جابر الجعفي عن الشعبي ، ومن طريق عبد الملك بن حبيب عمن أخبره عن مجالد عن الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يؤمن أحدكم بعدي جالسا } ؟ [ ص: 106 ] قال علي : وهذا لا شيء .

أما قولهم : إن هذا خصوص لرسول الله صلى الله عليه وسلم فباطل ; لأن نص الحديث يكذب هذا القول ; لأنه عليه السلام قال فيه : { إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا } فصح أنه عليه السلام عم بذلك كل إمام بعده بلا إشكال .

وقوله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } تكذيب لكل من ادعى الخصوص في شيء من سننه وأفعاله عليه السلام ، إلا أن يأتي على دعواه بنص صحيح أو إجماع متيقن ؟ .

وأما حديث الشعبي فباطل ; لأنه رواية جابر الجعفي الكذاب المشهور بالقول برجعة علي رضي الله عنه ؟ ومجالد وهو ضعيف ، وهو مرسل مع ذلك . ومن العجب أن المالكيين يوهنون روايات أهل الكوفة التي لا نظير لها ، ولا يجدون في روايات أهل المدينة أصح منها أصلا ; فما نعلم لأهل المدينة أصح من رواية سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود ، وعلقمة ، ومسروق عن عمر بن الخطاب [ ص: 107 ] وعائشة أم المؤمنين وابن مسعود : ثم لا يبالون هاهنا بتغليب أفتن رواية لأهل الكوفة وأخبثها على أصح رواية لأهل المدينة ، كالزهري عن أنس ، وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، وعبيد الله بن عبد الله عن عائشة ، وأبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، وسالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه ، كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وما بعد هذا عجب وأعجب من ذلك أنهم يقولون : إن أفعاله عليه السلام كأوامره ، ثم لم يبالوا هاهنا بخلاف آخر فعل فعله عليه السلام فإن آخر صلاة صلاها عليه السلام بالناس قاعدا ، كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى ؟ فإن قالوا : إن صلاة القاعد ناقصة الفضل عن صلاة القائم ، فكيف يؤم الصحيح ؟ قلنا : إنما يكون ناقص الفضل إذا لم يقدر على القيام ، أو قدر عليه ففسح له في القعود ، وأما إذا افترض عليه القعود فلا نقصان لفضل صلاته حينئذ ، ثم ما في هذا مما يمنع أن يؤم الأنقص فضلا من هو أتم فضلا في صلاته منه ؟ وقد علمنا أن لا صلاة لأحد أفضل من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ائتم بأبي بكر ، وبعبد الرحمن بن عوف ، وهما أنقص صلاة منه بلا شك ؟ وقد يؤم عندكم المسافر - وصلاته ركعتان - هذا المقيم - وفرضه أربع ; فلم أجزتم ذلك ومنعتم هذا ؟ لولا التحكم بلا برهان فسقط هذا القول - ، ولله تعالى الحمد .

ثم رجعنا إلى قول الشافعي ، وأبي حنيفة ، فوجدناهم يدعون أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة جلوسا خلف الإمام الجالس لعذر ، أو مرض منسوخ ، فسألناهم : بماذا ؟ فذكروا ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس [ ص: 108 ] ثنا زائدة ثنا موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عن { عتبة قال : دخلت على عائشة أم المؤمنين فسألتها عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت الخبر ; وفيه : عهده صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بالصلاة ، وأن أبا بكر صلى بالناس تلك الأيام ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة فخرج بين رجلين ، أحدهما العباس ، لصلاة الظهر ، وأبو بكر يصلي بالناس ، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر ، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم : أن لا يتأخر ، وقال لهما : أجلساني إلى جنبه ، فأجلساه إلى جنب أبي بكر ، وكان أبو بكر يصلي ، وهو قائم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر ، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد } فذكر عبيد الله بن عبد الله أنه عرض هذا الحديث على ابن عباس فلم ينكر منه شيئا .

وبه إلى مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة قالت : { لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس فذكرت الحديث - وفيه فلما دخل أبو بكر في الصلاة وجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة ، فقام يهادى بين رجلين ، ورجلاه تخطان في الأرض ، فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه فذهب يتأخر فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أقم مكانك فجاء رسول [ ص: 109 ] الله حتى جلس عن يسار أبي بكر . قالت عائشة : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسا ، وأبو بكر قائما ، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر } وبه إلى مسلم : حدثنا منجاب بن الحارث التميمي أنا ابن مسهر - هو علي - عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود ، عن عائشة ، فذكرت هذا الحديث وفيه { كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يصلي بالناس ، وأبو بكر يسمعهم التكبير } .

قال علي : فنظرنا في هذا الخبر ، فلم نجد فيه لا نصا ، ولا دليلا على ما ادعوه من نسخ الأمر بأن يصلي الأصحاء قعودا خلف الإمام المصلي قاعدا لعذر ، إذ ليس فيه [ ص: 110 ] بيان ولا إشارة بأن الناس صلوا خلفه عليه السلام قياما ، حاشا أبا بكر المسمع الناس تكبيره فقط ; فلم تجز مخالفة يقين أمره عليه السلام بالنقل المتواتر بأن يصلي الناس جلوسا - : لظن كاذب لا يصح أبدا ، بل لا يحل ألبتة أن يظن بالصحابة رضي الله عنهم مخالفة أمره عليه السلام كيف وفي نص لفظ الحديث دليل على أنهم لم يصلوا إلا قعودا وذلك لأن فيه : { أن الناس كانوا يقتدون بصلاة أبي بكر } ، وبالضرورة ندري أنهم لو كانوا قياما وأبو بكر قائم لما اقتدى بصلاته إلا الصف الأول فقط ; وأما سائر الصفوف فلا ; لأنهم كانوا لا يرونه ; لأن الصف الأول يحجبهم عنه ، والصفوف خلفه عليه السلام كانت مرصوصة ، لا متنابذة ، ولا متقطعة ، فإذ في نص الخبر ، ولفظه : { أنهم كانوا يقتدون بصلاة أبي بكر } ، فهذا خبر عن جميعهم ; فصح أنهم كانوا في حال يرونه كلهم ، فيصح لهم الاقتداء بصلاته ، ولا يكون ذلك ألبتة إلا في حال قعودهم ; ولا يجوز تخصيص لفظ الخبر ، ولا حمله على المجاز إلا بنص جلي .

ثم لو كان في الحديث نصا : أنهم صلوا قياما - وهذا لا يوجد أبدا - لما كان فيه دليل على النسخ ألبتة ، بل كان يكون حينئذ إباحة فقط ، وبيان أن ذلك الأمر المتقدم ندب ولا مزيد كما قلنا في المذكر : إنه جائز له أن يصلي قاعدا أو قائما ، وفي الصف إن شاء أو إلى جنب الإمام .

[ ص: 111 ] فبطل ما تعلقوا به جملة ، وظهر تناقض أبي حنيفة في إجازته أن يصلي المريض قاعدا بالأصحاء قياما - ، ومنعه أن يصلي المريض مضطجعا الأصحاء ، ولا فرق في ذلك أصلا ؟ ، وقد اعترض بعض الناس في هذا الخبر بأنه قد روي : أن أبا بكر كان هو الإمام .

وذكروا ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا علي بن حجر ثنا حميد عن { أنس قال : آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم : صلى في ثوب واحد متوشحا خلف أبي بكر } .

وبه إلى أحمد بن شعيب : أنا محمد بن المثنى حدثني بكر بن عيسى قال سمعت شعبة يذكر عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة { أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف } .

حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثني أحمد بن عون الله ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا بدل بن المحبر ثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود { أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه } ، قال علي : ولا متعلق لهم بهذا ; لأنهما صلاتان متغايرتان بلا شك .

؟ إحداهما : التي رواها الأسود عن عائشة ، وعبيد الله عنها ، وعن ابن عباس ، صفتها : { أنه عليه السلام إمام الناس ، والناس خلفه ، وأبو بكر رضي الله عنه عن يمينه عليه السلام ، في موقف المأموم ، يسمع الناس تكبير النبي صلى الله عليه وسلم } .

والصلاة الثانية : التي رواها مسروق ، وعبيد الله عن عائشة ، وحميد عن أنس ، صفتها : { أنه عليه السلام كان خلف أبي بكر في الصف مع الناس ؟ } فارتفع الإشكال جملة .

وليست صلاة واحدة في الدهر فيحمل ذلك على التعارض ، بل في كل يوم خمس [ ص: 112 ] صلوات ، ومرضه عليه السلام كان مدة اثني عشر يوما مرت فيها ستون صلاة أو نحو ذلك .

وقد اعترض قوم في هذا الخبر برواية ساقطة واهية ، انفرد بها إسرائيل - وهو ضعيف - عن أبي إسحاق عن أرقم بن شرحبيل - وليس بمشهور الحال { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استتم من حيث انتهى أبو بكر من القراءة } ، قال : وأنتم لا تقولون بهذا ؟ .

قال علي : والجواب ، وبالله تعالى التوفيق : أن هذه الرواية المطرحة لا يعارض بها ما رواه مثل إبراهيم عن الأسود عن عائشة ، وعبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس .

وأيضا : فلو صح هذا الفعل لقلنا به ولحملناه على أنه عليه السلام قرأ أم القرآن التي لا بد منها والتي لا صلاة لمن لم يقرأ بها ، وإن لم يذكر أنه قرأها كما لا بد من الطهارة ومن القبلة ; ومن التكبير - ، وإن لم تذكر في الحديث - ثم بدأ عليه السلام بالقراءة في السورة من حيث وقف أبو بكر ، وهذا حسن جدا مباح جيد ؟ .

وأيضا : فإن عائشة رضي الله عنها ذكرت : أنها كانت صلاة الظهر ، وهي سر ; فبطل ما رواه إسرائيل .

[ ص: 113 ] وأيضا : فلو بطل هذا الخبر من صلاته عليه السلام في مرضه الذي مات فيه - : لخلص أمره عليه السلام المصلين خلفه في مرضه - إذ سقط من فرس فوثئت رجله الطاهرة بالقعود ، وبالصلاة خلف الإمام الجالس جلوسا ، الذي رويناه من طريق أنس ، وأبي هريرة ، وجابر وعائشة ، وابن عمر ، باقيا لا معارض له ، ولا معترض فيه لأحد ، ولله تعالى الحمد .

قال علي : وبمثل قولنا يقول جمهور السلف رضي الله عنهم - : كما روينا من طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي هريرة أنه قال : [ ص: 114 ] الإمام أمين ، فإن صلى قائما فصلوا قياما ، وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا ؟ ، ومن طريق حماد بن سلمة ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي الزبير قال : إن جابر بن عبد الله كان به وجع فصلى بأصحابه قاعدا وأصحابه قعودا ؟ .

وعن عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه : أن أسيد بن الحضير اشتكى فكان يؤم قومه جالسا ؟ .

قال ابن عيينة : وأخبرني إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أخبرني قيس بن قهد الأنصاري { أن إماما لهم اشتكى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يؤمنا جالسا ونحن جلوس } .

قال علي : فهؤلاء أبو هريرة ، وجابر ، وأسيد ، وكل من معهم من الصحابة ، وعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير مسجده ، لا مخالف لهم يعرف من الصحابة رضي الله عنهم أصلا ; كلهم يروي إمامة الجالس للأصحاء ، ولم يرو عن أحد منهم خلاف لأبي هريرة وغيره في أن يصلي الأصحاء وراءه جلوسا ؟ ، وروينا عن عطاء : أنه أمر الأصحاء بالصلاة خلف القاعد .

وعن عبد الرزاق : ما رأيت الناس إلا على أن الإمام إذا صلى قاعدا صلى من خلفه قعودا ; قال : وهي السنة عن غير واحد ؟ .

وروينا عن عباس بن عبد العظيم العنبري قال : سمعت عفان بن مسلم قال : { أتينا حماد بن زيد يوما ، وقد صلوا الصبح ، فقال : إنا أحيينا اليوم سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا : ما هي يا أبا إسماعيل ؟ قال : كان إمامنا مريضا ، فصلى بنا جالسا ، فصلينا خلفه جلوسا } .

وبإمامة الجالس للأصحاء يقول أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، والأوزاعي ، [ ص: 115 ] والشافعي ، وأبو ثور ، وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ، وداود وجمهور أصحاب الحديث .

وما نعلم أحدا من التابعين منع من جواز صلاة المريض قاعدا بالأصحاء ; إلا شيئا روي عن المغيرة بن مقسم أنه قال : أكره ذلك ؟ - وليس هذا منعا من جوازها .

قال علي : وقال زفر بن الهذيل : يصلي المريض الذي لا يقدر على القيام ولا على القعود بالأصحاء مضطجعا ; إلا أنه رأى أن يصلوا وراءه قياما قال علي : وهذا خطأ ; بل لا يصلون وراءه إلا مضطجعين مومئين ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه } وهذا عموم مانع للاختلاف على الإمام جملة ؟ .

وليس في قوله عليه السلام : { إذا كبر فكبروا وإذا رفع فارفعوا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا } بمانع من أن يأتموا به في غير هذه الوجوه ; فوجب الائتمام به في كل حال ، إلا حالا خصها نص أو إجماع فقط .

وأما المريض خلف الصحيح ; فإن الصحيح يصلي قائما ، والمريض يأتم به جالسا أو مضطجعا ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر صلاة صلاها مع الناس في جماعة صلى قاعدا خلف أبي بكر ، وأبو بكر قائم ، وذلك بعد أمره عليه السلام بأن لا يختلف على الإمام ؟ .

ولقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ; ولقوله عليه السلام : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } ، وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية