صفحة جزء
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح أخبرني ابن وهب حدثني جابر بن إسماعيل عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه كان إذا عجل عليه السفر يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر [ ص: 205 ] فيجمع بينهما ; ويؤخر المغرب حتى يجمع بينهما ، وبين العشاء حين يغيب الشفق } ، وهكذا رويناه من طريق ابن عمر أيضا { إذا جد به السفر } .

وهذا الخبر : يقضي على كل خبر جاء بأنه عليه السلام جمع بين صلاتي : الظهر والعصر ; وبين صلاتي : المغرب والعشاء في السفر ; ولا سبيل إلى وجود خبر يخالف ما ذكرنا ؟ ، وأما في غير السفر : فلا سبيل ألبتة إلى وجود خبر فيه : الجمع بتقديم العصر إلى وقت الظهر .

ولا بتأخير الظهر إلى أن يكبر لها في وقت العصر ; ولا بتأخير المغرب إلى أن يكبر لها بعد مغيب الشفق .

ولا بتقديم العتمة إلى قبل غروب الشفق ، فإذ لا سبيل إلى هذا ; فمن قطع بهذه الصفة على تلك الأخبار التي فيها الجمع ; فقد أقدم على الكذب ومخالفة السنن الثابتة ، ونحن نرى الجمع بين الظهر والعصر ; ثم بين المغرب والعشاء أبدا بلا ضرورة ولا عذر ، ولا مخالفة للسنن ; لكن بأن يؤخر الظهر كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر وقتها ; فيبتدأ في وقتها ويسلم منها وقد دخل وقت العصر ; فيؤذن للعصر ، ويقام وتصلى في وقتها ; وتؤخر المغرب كذلك إلى آخر وقتها ; فيكبر لها في وقتها ويسلم منها ، وقد دخل وقت العشاء : فيؤذن لها ويقام وتصلى العشاء في وقتها .

فقد صح بهذا العمل موافقة الأحاديث كلها ; وموافقة يقين الحق : في أن تؤدى كل صلاة في وقتها - ، ولله الحمد .

فإن ادعوا العمل بالجمع بالمدينة ; فلا حجة في عمل الحسن بن زيد ؟ ولا يجدون عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم : صفة الجمع الذي يراه مالك والشافعي ; وقد أنكره الليث وغيره والعجب أن أصح حديث في الجمع : هو ما رويناه من طريق مالك عن أبي الزبير [ ص: 206 ] عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : { صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا ، والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر } .

قال مالك : أرى ذلك في مطر ، وما رويناه من طريق عثمان بن أبي شيبة عن أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء - بالمدينة ، من غير خوف ولا مطر ؟ قيل لابن عباس : ما أراد إلى ذلك ؟ . قال : أراد أن لا يحرج أمته } .

قال علي : والمالكيون والشافعيون لا يقولون بهذا ; وليس في هذين الخبرين خلاف لقولنا - ولله الحمد - ولا صفة الجمع ; فبطل التعلق بهما علينا ؟ فإن ذكر ذاكر : حديث مالك عن أبي الزبير عن أبي الطفيل : أن معاذ بن جبل أخبرهم { أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ; فأخر الصلاة يوما ، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ; ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا } .

فهذا أيضا كما قلنا : ليس فيه صفة الجمع على ما يقولون ; فليسوا أولى بظاهره منا ، وهذا أيضا : خبر رويناه من طريق الليث بن سعد عن هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر ، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر ، وإن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب [ ص: 207 ] والعشاء ; وإن ارتحل قبل أن يغيب الشفق أخر المغرب حتى ينزل للعشاء ; ثم يجمع بينهما } . فهذا خبر ساقط ; لأنه من رواية هشام بن سعد وهو ضعيف

وأيضا : فلو صح لما كان مخالفا لقولنا ; لأنه ليس فيه بيان أنه عليه السلام عجل العصر قبل وقتها ; والعتمة قبل وقتها ; ومن تأمل لفظ الخبر رأى ذلك واضحا - والحمد لله ; وإنما هي ظنون أعملوها ; فزل فيها من زل بغير تثبت

وهكذا القول سواء سواء في الحديث الذي رويناه من طريق الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل - : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر ; فيصليهما جميعا وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار ، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء ، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب . } - : فإن هذا الحديث أردى حديث في هذا الباب لوجوه - : أولها : أنه لم يأت هكذا إلا من طريق يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل ، ولا يعلم أحد من أصحاب الحديث ليزيد سماعا من أبي الطفيل ؟ والثاني : أن أبا الطفيل " صاحب راية المختار " وذكر : أنه كان يقول بالرجعة والثالث : أننا روينا عن محمد بن إسماعيل البخاري مؤلف الصحيح - أنه قال : قلت لقتيبة : مع من كتبت عن الليث حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل ؟ يعني هذا الحديث الذي ذكرنا بعينه ؟ قال : فقال لي قتيبة : كتبته مع خالد المدائني [ ص: 208 ] قال البخاري : كان خالد المدائني يدخل الأحاديث على الشيوخ ؟ يريد : أنه كان يدخل في روايتهم ما ليس منها .

ثم لو صح لما كان فيه خلاف لقولنا ; لأنه ليس فيه : أنه عليه السلام قدم العصر إلى وقت الظهر ; ولا أنه عليه السلام قدم العتمة إلى وقت المغرب ، فبطل كل ما تعلقوا به في اشتراك الوقتين ; وفي تقديم صلاة إلى وقت التي قبلها ; وتأخيرها إلى وقت غيرها بالرأي والظن ؟ لا سيما مع نصه عليه السلام على أن { وقت الظهر ما لم تحضر العصر } .

وأن { آخر وقت المغرب ما لم يغرب الأفق ، وأول وقت العشاء إذا غاب الأفق ؟ } فهذا نص يبطل الاشتراك جملة ، وأما الناسي والنائم فقد ذكرنا قبل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } .

فصح أن وقتها ممتد للناسي وللنائم أبدا ، وكذلك وقت الظهر والمغرب ممتد للمجد في السير ، وفي مزدلفة ليلة النحر ، ووقت العصر : منتقل يوم عرفة بعرفة .

وانتقال الأوقات أو تماديها أو حدها لا يجوز أن يؤخذ إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلتزموا قياسا في شيء مما قالوه على ما بينا ؟ ، وأما قول أبي حنيفة : إن وقت الظهر يمتد إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه ، وحينئذ يدخل وقت العصر - : فإنهم احتجوا بحديث ذكر : أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم رواه عن أبي مسعود { أن جبرائيل نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صار ظل كل شيء مثله وأمره بصلاة الظهر } .

[ ص: 209 ] قالوا : فيتعين أنه يدري أمره بابتداء الصلاة بعد ذلك ; لأن الظل لا يستقر ؟ قال علي : وهذا لا حجة لهم فيه - : أول ذلك : أنه منقطع ; لأن أبا بكر هذا لم يولد إلا بعد موت أبي مسعود .

والثاني : أنهم جروا فيه على عادة لهم في توثيب أحكام الأحاديث إلى ما ليس فيه ، وترك ما فيها ، وذلك : أنه ليس في هذا الخبر لا إشارة ، ولا دليل ، ولا معنى يوجب امتداد وقت الظهر إلى أن يكون ظل كل شيء مثليه .

ولا فيه : أنه عليه السلام ابتدأ الصلاة بعد زيادة الظل على المثل .

ولو صح هذا الخبر لما كان فيه إلا جواز ابتداء الصلاة حين يصير ظل كل شيء مثله ; وهو الوقت الذي أمره فيه جبريل بأن يصلي الظهر فيه ، لا فيما بعده ؟ وذكر بعض مقلديه الحديث الصحيح المشهور من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم { مثلكم ومثل أهل الكتاب ، ثم ذكر عليه السلام الأجراء الذين عملوا من غدوة إلى نصف النهار على قيراط ، فعملت اليهود ، ثم الذين عملوا من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط ; فعملت النصارى ، ثم الذين عملوا من العصر إلى مغيب الشمس على قيراطين ، وهم نحن ؟ فغضبت اليهود والنصارى ; فقالوا : ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء ؟ فقال : هل نقصتكم من حقكم ؟ قالوا : لا ; قال : فذلك فضلي أوتيه من أشاء } .

والحديث الصحيح أيضا المأثور من طريق أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا ; وفيه { أن المستأجر لهم قال للذين عملوا إلى حين صلاة العصر : أكملوا بقية عملكم ; فإنما بقي من النهار شيء يسير ؟ } .

فقال المحتج بهذين الخبرين : لو كان وقت الظهر يخرج بالزيادة على ظل المثل ، ويدخل حينئذ وقت العصر - : لكان مقدار وقت العصر مثل مقدار وقت الظهر ; [ ص: 210 ] وهذا خلاف ما في ذينك الخبرين ؟ قال أبو محمد : وهذا مما قلنا من تلك العوائد الملعونة ، والإيهام بتوثيب الأحاديث عما فيها إلى ما ليس فيها .

وبيان ذلك - : أنه ليس في شيء من هذين الخبرين - لا بدليل ولا بنص - أن وقت العصر أوسع من وقت الظهر ; وإنما فيه : أن اليهود والنصارى قالوا : نحن أكثر عملا وأقل أجرا ; فمن أضل وأخزى في المعاد ممن جعل قول اليهود والنصارى الذي لم يصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأيضا - : فإنه يخالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة يرد بها تمويها وتخيلا نص قوله عليه السلام : { إن وقت الظهر ما دام ظل الرجل كطوله ما لم تحضر العصر } .

فكيف والذي قالت اليهود لا يخالف ما حده النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنهم عملوا من أول النهار إلى وقت العصر ; وقالوا : نحن أكثر عملا وأقل عطاء ؟ وهذا صحيح ; لأن الوقت الذي عملوه كلهم أكثر مما عملناه نحن ; بل الذي عملت كل طائفة أكثر من الذي عملناه نحن والذي من أول الزوال إلى أن يبلغ ظل كل شيء مثله - في كل زمان ومكان - أكثر مما في حين زيادة الظل على المثل إلى غروب الشمس ، والذي أخذ به كل طائفة أقل مما أخذنا وفي الحديث الآخر { إنما بقي من النهار شيء يسير ؟ } .

وهذا حق ; لأن من وقت العصر إلى آخر النهار يسيرا بالإضافة إلى ما هو أكثر ، من أول النهار إلى وقت العصر ، نعم وبالإضافة أيضا إلى وقت الظهر على قولنا ; لأن كل شيء فهو بلا شك يسير إذا أضيف إلى ما هو أكثر منه ; فبطل تمويههم بهذين الخبرين - ولله الحمد [ ص: 211 ]

قال علي : ولو قال قائل : إنه ' عليه السلام إنما عنى آخر أوقات العصر ، وهو مقدار تكبيرة قبل غروب آخر القرص - : لصدق ; لأنه عليه السلام قد نص على أنه بعث والساعة كهاتين ، وضم أصبعه إلى الأخرى وأننا في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود - فهذا أولى ما حمل عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لتتفق أخباره كلها ; بل لا يجوز غير هذا أصلا - ، وبالله تعالى التوفيق .

وأما قوله ، وقول مالك ، والشافعي : إن وقت العتمة يمتد إلى طلوع الفجر ، وزاد مالك ، والشافعي امتداد صلاة المغرب إلى ذلك الوقت ؟ - : فخطأ ظاهر ; لأنه دعوى بلا دليل ، وخلاف لجميع الأحاديث ، أولها عن آخرها ; وما كان هكذا فهو ساقط بيقين ، وقد احتج في هذا بعض من ذهب إلى ذلك من أصحابنا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إنما التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى } وراموا بهذا اتصال وقت العتمة بوقت صلاة الصبح فإن هذا لا يدل على ما قالوه أصلا ، وهم مجمعون معنا - بلا خلاف من أحد من الأمة - أن وقت صلاة الفجر لا يمتد إلى وقت صلاة الظهر ؟ فصح أن هذا الخبر لا يدل على اتصال وقت كل صلاة بوقت التي بعدها ، وإنما فيه معصية من أخر صلاة إلى وقت غيرها فقط ، سواء اتصل آخر وقتها بأول الثانية لها ، أم لم يتصل ؟ وليس فيه : أنه لا يكون مفرطا أيضا من أخرها إلى خروج وقتها ، وإن لم يدخل وقت أخرى ، ولا أنه يكون مفرطا ; بل هو مسكوت عنه في هذا الخبر ، ولكن بيانه في سائر الأخبار التي فيها نص على خروج وقت كل صلاة .

والضرورة توجب أن من تعدى بكل عمل وقته الذي حده الله تعالى لذلك العمل فقد تعدى حدود الله ، وقال تعالى : { ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } فكل من قدم صلاة قبل وقتها الذي حده الله تعالى لها وعلقها به ، وأمر بأن تقام فيه ، ونهى عن التفريط في ذلك ; أو أخرها عن ذلك الوقت - : فقد تعدى حدود الله تعالى ؟ فهو ظالم عاص .

وهذا لا خلاف فيه من أحد من الحاضرين من المخالفين [ ص: 212 ] وأما تعمد تأخيرها عن وقتها فمعصية بإجماع من تقدم وتأخر ، مقطوع عليه متيقن ، ومن شبه الصلاة بالدين ، لزمه إجازة تقديمها قبل وقتها ; كالدين يقدم قبل أجله فهو حسن ولزمه أن يقول بعصيان من أخرها عامدا قادرا عن وقتها ، كالدين يمطل بأدائه عن وقته بغير عذر ؟ .

وهذا هو القياس في هذا الباب ، وقد خالفوه فإن ادعوا إجماعا على قولهم ؟ كذبوا ، فقد صح عن بعض السلف جواز تقديم الصلاة قبل وقتها ; وما جاز قط عند أحد تعمد تأخيرها عن وقتها بغير عذر - ، وبالله تعالى التوفيق ؟ .

وأما إنكار أبي حنيفة تأخير المسافر الذي جد به السير ، ولم ينزل قبل الزوال ، ولا بعده صلاة الظهر إلى وقت العصر كغيره وتأخير المغرب كذلك إلى وقت العتمة كغيره ؟ - : فهو خلاف مجرد للسنن الثابتة في ذلك ؟ رواها أنس وابن عمر بأصح طريق ; وقد ذكرنا رواية أنس ; وغنينا بها عن ذكر رواية ابن عمر ولا أعجب من قول بعض المقلدين له في حديث ابن عمر { فلما كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب ، ثم العتمة ؟ } .

فقال هذا المفتون : إنما أراد قبل غروب الشفق ; فقال : بعد غروب الشفق على المقاربة واحتج بقول الله تعالى : { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } .

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم فإنه أعمى لا ينادي حتى يقال له : أصبحت أصبحت } .

قال علي : وهذه مجاهرة لا ينبغي أن يستسهلها ذو ورع وحياء أن يقول الثقة { بعد غروب الشفق } فيقول قائل : إنما أراد قبل غروب الشفق ومن سلك هذه الطريقة دخل في طريق الروافض الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ، ويفسرون الجبت والطاغوت وأن تذبحوا بقرة على ما هم [ ص: 213 ] أولى به وفي هذا بطلان جميع الشريعة ، وبطلان جميع المعقول ، والسفسطة المجردة - ونعوذ بالله من البلاء ؟ .

وأما قوله تعالى : { فإذا بلغن أجلهن } فليس كما ظن ، بل هو على حقيقته ، ومراد الله تعالى أجل الكون في العدة ، لا أجل انقضائها ، لا يجوز غير ذلك أصلا ، وحاشا لله أن يأمر بالباطل وكذلك { قوله عليه السلام لا يؤذن حتى يقال له : أصبحت أصبحت } أيضا حقيقة على ظاهره - وما أذان ابن أم مكتوم إلا بعد الفجر ، وأمر الإصباح : لا قبلهما ؟ ولو كان ما ظنوه : لحرم الأكل قبل طلوع الفجر وهذا ما لا يقولونه ، ولا يقوله مسلم ؟ وأما قول مالك بتقديم المريض - الذي يخشى ذهاب عقله - العصر إلى وقت الظهر ، والعتمة إلى وقت المغرب - : خطأ ظاهر .

ولا يخلو وقت الظهر من أن يكون أيضا وقتا للعصر ، ويكون وقت المغرب وقتا للعتمة ، أو لا يكون شيئا من ذلك ؟ فإن كان وقت كل واحدة من الظهر والمغرب وقتا للعصر وللعتمة أيضا - : فتقديم العتمة إلى وقت المغرب - الذي هو وقت لها - وتقديم وقت العصر إلى وقت الظهر - الذي هو وقت لها أيضا - : جائز لغير المريض ; لأنه يصلي العتمة والعصر أيضا في وقتيهما ، وهذا ما لا يقوله ؟ .

وإن كان وقت الظهر ليس وقتا للعصر ، ووقت المغرب ليس وقتا للعتمة - : فقد أباح له أن يصلي صلاة قبل وقتها ، وهذا لا يجوز ؟ ولئن جاز ذلك في هاتين الصلاتين ليجوزن ذلك له أيضا في تقديم الظهر قبل الزوال ، وتقديم المغرب قبل غروب الشمس ، وتقديم الصبح قبل طلوع الفجر ، وهذا ما لا يقوله - فقد ظهر التناقض فإن قال : ليس وقت الظهر وقتا للعصر إلا للمريض الذي يخشى ذهاب عقله : كلف الدليل على هذا التخصيص المدعى بلا برهان ، والذي لا يعجز عن مثله أحد ، ولا [ ص: 214 ] سبيل له إليه ، وقد ذكرنا بطلان قول جميعهم في الجمع وفي اشتراك الوقتين - ، وبالله تعالى التوفيق .

وههنا حديث ننبه عليه ; لئلا يظن ظان أننا أغفلناه ، وأن فيه معنى زائدا وهو حديث رويناه من طريق أبي بشر جعفر بن أبي وحشية عن بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العشاء الآخرة لمغيب القمر ليلة ثالثة } .

قال علي : بشير بن ثابت لم يرو عنه أحد نعلمه إلا أبو بشر ، ولا روى عنه أبو بشر إلا هذا الحديث ، وقد وثق وتكلم فيه ، وهو إلى الجهالة أقرب ؟ وحبيب بن سالم مولى النعمان بن بشير وكاتبه ; وليس مشهور الحال في الرواة .

ولو صح لما كانت فيه حجة في أن هذا هو أول وقت العتمة ; بل قد يدخل وقتها قبل ذلك ؟ والقمر يغيب ليلة ثالثة في كل زمان ومكان بعد ذهاب ساعتين ونصف ساعة ونصف سبع ساعة من ساعات تلك الليلة المجزأة على اثنتي عشرة ساعة ، والشفق الذي هو البياض يتأخر ، والشفق الذي هو الحمرة يغيب قبل سقوط القمر في الليلة الثالثة بحين كبير جدا مغيبة بعد سقوط القمر ليلة ثالثة ساعة ونصفا من الساعات المذكورة .

فليس في هذا الخبر - لو صح - حجة في شيء أصلا مما يختلف - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية