صفحة جزء
341 - مسألة : كل من ركع ركعتي الفجر لم تجزه صلاة الصبح إلا بأن يضطجع على شقه الأيمن بين سلامه من ركعتي الفجر ، وبين تكبيره لصلاة الصبح .

وسواء - عندنا - ترك الضجعة عمدا أو نسيانا ; وسواء صلاها في وقتها أو صلاها قاضيا لها من نسيان ، أو عمد نوم .

فإن لم يصل ركعتي الفجر لم يلزمه أن يضطجع ، فإن عجز عن الضجعة على [ ص: 228 ] اليمين لخوف ، أو مرض ، أو غير ذلك أشار إلى ذلك حسب طاقته فقط ؟ .

برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثنا عبد الواحد هو ابن زياد - ثنا الأعمش عن أبي صالح هو السمان - عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه } ؟ .

فقال له مروان بن الحكم : ما يجزئ أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه ؟ قال أبو هريرة : لا ، فبلغ ذلك ابن عمر ، فقال : أكثر أبو هريرة على نفسه فقيل لابن عمر عندها : تنكر شيئا مما يقول ؟ قال : لا ; ولكنه اجترأ وجبنا ، فبلغ ذلك أبا هريرة ، فقال : فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا ؟ .

وروينا من طريق وكيع عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن أبيه عن قبيصة بن ذؤيب قال : مر بي أبو الدرداء من آخر الليل وأنا أصلي ؟ فقال : افصل بضجعة بين صلاة الليل ، وصلاة النهار .

قال علي : وقد أوضحنا أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كله على الفرض ، حتى يأتي نص آخر أو إجماع متيقن غير مدعى بالباطل - : على أنه ندب ، فنقف عنده ، وإذا تنازع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فالرد إلى كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم .

فإن قالوا : قد ورد إنكار الضجعة عن ابن مسعود ؟ قلنا : نعم ; وخالفه أبو هريرة ; ومع أبي هريرة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره وعمله .

وإن كان إنكار ابن مسعود : حجة على غيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم - : فقد أنكر رضي الله عنه : وضع الأيدي على الركب في الصلاة ، وضرب اليدين على ذلك ؟ وقد أنكر قصر الصلاة إلا في حج ، أو عمرة ، أو جهاد [ ص: 229 ] وأنكر قراءة القرآن في ليلة ؟ فما التفتم إنكاره فالآن استدركتم هذه السنة ؟ .

وقالوا : لو كانت الضجعة فرضا لما خفيت على ابن مسعود وابن عمر ؟ فقلنا لهم : فهلا قلتم مثل هذا في إتمام عثمان رضي الله تعالى عنه بمنى ; وإتمام عائشة وسعد رضي الله عنهما ؟ فقولوا : لو كان قصر الصلاة سنة ما خفي على هؤلاء وهلا قلتم : لو كان الجلوس في آخر الصلاة فرضا ما خفي على علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين يقول : إذا رفعت رأسك من آخر صلاتك من السجود فقد تمت صلاتك ، فإن شئت فقم ، وإن شئت فاقعد ؟ ومثل هذا كثير جدا ; وإنما هو شيء يفزعون إليه إذا ضاق بهم المجال ثم هم أول تارك له ؟ ، وبالله تعالى التوفيق .

فإن قالوا : فبطلت صلاة من لم يضطجع من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم ؟ قلنا : إن المجتهد مأجور يصلي ، وإن خفي عليه النص ; وإنما الحكم فيمن قامت عليه الحجة فعند .

ثم نعكس قولهم عليهم ، فنقول للمالكيين والشافعيين : أترى بطلت صلاة ابن مسعود ومن وافقه ; إذا كان يصلي ، ولا يرى الوضوء من مس الذكر ؟ ونقول للحنفيين : أترى صلاة ابن عمر ، وأبي هريرة فاسدة ، إذ كانا يصليان ، وقد خرج من أنف أحدهما دم ، ومن بثرة بوجه الآخر دم فلم يتوضأ لذلك ؟ .

ونقول لجميعهم : أترون صلاة عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وابن عباس ، وأبي بن كعب ، وأبي أيوب ، وزيد ، وغيرهم - : كانت فاسدة إذا كانوا يرون : أن من وطئ ولم ينزل فلا غسل عليه ، ويفتون بذلك ؟ ومثل هذا كثير جدا ، يعود على من لم يكن بيده حجة غير التشنيع وهو عائد عليهم ; لأنهم أشد خلافا على الصحابة منا ، [ ص: 230 ] وسؤالهم هذا لازم لأبي هريرة كلزومه لنا ولا فرق ؟ .

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يزيد هو المقري - ثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني أبو الأسود عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن } ؟ .

قال علي : روينا من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني : أن أبا موسى الأشعري وأصحابه كانوا إذا صلوا ركعتي الفجر اضطجعوا ومن طريق الحجاج بن المنهال عن جرير بن حازم عن محمد بن سيرين قال : أنبئت : أن أبا رافع ، وأنس بن مالك وأبا موسى ، كانوا يضطجعون على أيمانهم إذا صلوا ركعتي الفجر ؟ .

ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن عثمان بن غياث هو ابن عثمان - أنه حدثه قال : كان الرجل يجيء وعمر بن الخطاب يصلي بالناس الصبح فيصلي ركعتين في مؤخر المسجد ويضع جنبه في الأرض ويدخل معه في الصلاة .

وذكر عبد الرحمن بن زيد في " كتاب السبعة " أنهم - يعني : سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وعروة بن الزبير ، وأبا بكر بن عبد الرحمن ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وسليمان بن يسار - : كانوا يضطجعون على أيمانهم بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح فإن عجز فقد قال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ، وقال عليه السلام : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } ؟ .

وحكم الناسي ههنا كحكم العامد ; لأن من نسي عملا مفترضا من الصلاة [ ص: 231 ] والطهارة فعليه أن يأتي به ; لأنه لم يأت بالصلاة كما أمر ، إلا أن يأتي نص بسقوط ذلك عنه ؟ وإنما يكون النسيان بخلاف العمد في حكمين : أحدهما - سقوط الإثم جملة هنا ، وفي كل مكان .

والثاني - : من زاد عملا لا يجوز له ناسيا ، وكان قد أوفى جميع عمله الذي أمر به ، فإن هذا قد عمل ما أمر ، وكان ما زاد بالنسيان لغوا لا حكم له ؟ فإن أدرك إعادة الصلاة في الوقت لزمه أن يضطجع ويعيد الفريضة ، وإن لم يقدر على ذلك إلا بعد خروج الوقت لم يقدر على الإعادة لما ذكرنا قبل ؟ .

ولا يجزئه أن يأتي بالضجعة بعد الصلاة ; لأنه ليس ذلك موضعها ; ولا يجزئ عمل شيء في غير مكانه ، ولا في غير زمانه ، ولا بخلاف ما أمر به ; لأن هذا كله هو غير العمل المأمور به على هذه الأحوال - ، وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية