353 - مسألة : فمن 
صلى إلى غير القبلة ممن يقدر على معرفة جهتها   - عامدا أو ناسيا - بطلت صلاته ، ويعيد ما كان في الوقت ، إن كان عامدا ، ويعيد أبدا إن كان ناسيا برهان ذلك - : أن هذين مخاطبان بالتوجه إلى 
المسجد الحرام  في الصلاة ; فصليا بخلاف ما أمرا به ، ولا يجزئ ما نهى الله تعالى عنه عما أمر عز وجل به ، فقد ذكرنا الحجة في أمر الناسي قبل فإن ذكر ذاكر : حديث أهل 
قباء  رضي الله عنهم ، وأنهم ابتدءوا الصلاة إلى 
بيت المقدس  فأتاهم الخبر : بأن القبلة قد حولت إلى 
الكعبة  فاستداروا - كما كانوا في صلاتهم - إلى 
الكعبة  ، واجتزءوا بما صلوا إلى 
بيت المقدس  من تلك الصلاة بعينها . قلنا : هذا خبر صحيح ، ولا حجة فيه علينا ; ولا نخالفه ولله الحمد - : أول ذلك - أنه ليس فيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ذلك فأقره ، ولا حجة إلا في القرآن ، أو في كلامه عليه السلام . أو في عمله أو فيما علم عليه السلام من عمل غيره فلم ينكره ، وإنما العجب من المالكيين الذين يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم ; ثم قد خالفوا ههنا عمل طائفة عظيمة من الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف  
[ ص: 259 ] قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13064علي    : أهل 
قباء  رضي الله عنهم كان الفرض عليهم أن يصلوا إلى 
بيت المقدس    ; فلو أنهم صلوا إلى 
الكعبة    : لبطلت صلاتهم بلا خلاف . ولا تلزم الشريعة إلا من بلغته ، لا من لم تبلغه ، قال الله تعالى : { 
لأنذركم به ومن بلغ   } . ولا شك عند أحد من الجن والإنس ، ولا الملائكة : أن من كان من المسلمين بأرض 
الحبشة  ، أو 
بمكة  من المستضعفين فإنهم تمادوا على الصلاة إلى 
بيت المقدس  مدة طويلة - : أما أهل 
مكة  فأياما كثيرة بعد نزول تحويل القبلة . وأما من 
بالحبشة    : فلعلهم صلوا عاما أو أعواما حتى بلغهم تحويل القبلة ; فحينئذ لزمهم الفرض ، لا قبل ذلك ، فإنما لزم أهل 
قباء  التحول حين بلغهم لا قبل ذلك فانتقلوا عن فرضهم إلى فرض ناسخ لما كانوا عليه ; وهذا هو الحق الذي لا يحل لأحد غيره ، وأما من بلغه فرض تحويل 
الكعبة  وعلمه وكان مخاطبا به ولم يسقط تكليفه عنه لعذر مانع - : فلم يصل كما أمر ومن لم يصل كما أمر فلم يصل ; لأنه لا يجزئ ما نهى الله عنه عما أمر الله تعالى به ، وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة    : من 
صلى في غير مكة  إلى غير القبلة مجتهدا ولم يعلم إلا بعد أن سلم أجزأته صلاته . فإن 
صلى في ظلمة متحريا ولم يسأل من بحضرته ، ثم علم أنه صلى إلى غير القبلة   : أعاد - وهو فرق فاسد ; لأن التحري نوع من الاجتهاد ، وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك    : من علم أنه صلى إلى غير القبلة ; فإن كان مستدبرا لها : أعاد ، وإن كان في الصلاة : قطع وابتدأ . وإن كان منحرفا إلى شرق أو غرب : لم يعد ، وبنى على ما صلى وانحرف وهذا فرق فاسد ; لأنه لا فرق عند أحد من الأمة في تعمد الانحراف عن القبلة أنه مبطل للصلاة ، وكبيرة من الكبائر كالاستدبار لها ولا فرق ، وأهل 
قباء  كانوا مستدبرين إلى القبلة .  
[ ص: 260 ] ولا نعلم هذا التفريق - الذي فرقه 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك    - : عن أحد قبلهما ، وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    : 
من خفيت عليه الدلائل والمحبوس في الظلمة ، والأعمى الذي لا دليل له - : يصلون إلى أي جهة أمكنهم ، ويعيدون إذا قدروا على معرفة القبلة . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13064علي    : وهذا خطأ ; لأنه إذا أمره بالصلاة لا يخلو من أن يكون أمرهم بصلاة تجزئ عنهم كما أمرهم الله بها أو أمرهم بصلاة لا تجزئ عنهم ، ولا أمرهم الله تعالى بها ولا سبيل إلى قسم ثالث - : فإن كان أمرهم بصلاة تجزئ عنهم ، وبالتي أمرهم الله تعالى بها ; فلأي معنى يصلونها ثانية ، وإن كان أمرهم بصلاة لا تجزئ عنهم ، ولا أمرهم الله تعالى بها ; فهذا أمر فاسد ، ولا يحل لآمره الأمر به ، ولا للمأمور به الائتمار به ، وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15858أبو سليمان    : تجزئهم على كل حال ، ويبنون إذا عرفوا وهم في الصلاة ، وقد ذكرنا الفرق آنفا . فإن قال قائل ، قد روي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=4891عبد الله بن عامر بن ربيعة    { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=48544كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل منا حياله ، فأصبحنا : فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : { فأينما تولوا فثم وجه الله   } .   } وعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله    : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=48545كنا في سرية فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة فذكر : أنهم خطوا خطوطهم في جهات اختلافهم ; فلما أصبحوا أصبنا تلك الخطوط لغير القبلة ، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : { فأينما تولوا فثم وجه الله   }   } فإن هذين الخبرين لا يصحان ; لأن حديث 
عبد الله بن عامر  لم يروه إلا 
عاصم بن عبيد الله   [ ص: 261 ] ولم يرو حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=36جابر  إلا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16486عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء    - 
 nindex.php?page=showalam&ids=16274، وعاصم  وعبد الملك  ساقطان . ثم لو صحا لكانا حجة لنا ; لأن هؤلاء جهلوا ، وصلاة الجاهل تامة ; وليس الناسي كذلك - وبالله تعالى التوفيق .