صفحة جزء
362 - مسألة : فإن جاء والإمام راكع فليركع معه ، ولا يعتد بتلك الركعة ; لأنه لم يدرك القيام ، ولا القراءة ; ولكن يقضيها إذا سلم الإمام ، فإن خاف جاهلا فليتأن حتى يرفع الإمام رأسه من الركوع فيكبر حينئذ . وقال قائلون ، إن أدرك الركعة مع الإمام اعتد بها . واحتجوا بآثار ثابتة ; إلا أنهم لا حجة لهم في شيء منها وهي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة } . وقوله عليه السلام : { من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك السجدة } . ومنها - حديث أبي بكرة : { أنه جاء والقوم ركوع ، فركع ثم مشى إلى الصف ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال : أيكم الذي ركع ثم جاء إلى الصف ؟ فقال أبو بكرة : أنا ، فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم زادك الله حرصا ولا تعد } . قال علي : أما قوله عليه الصلاة والسلام : { من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة } فحق ; وهو حجة عليهم ; لأنه - مع ذلك - لا يسقط عنه قضاء ما لم يدرك من الصلاة - هذا ما لا خلاف فيه من أحد ; وليس في الخبر : أنه إن أدرك الركوع : فقد أدرك الوقفة وكذلك قوله عليه السلام : { من أدرك الركعة : فقد أدرك السجدة } حق لا شك فيه ; ولم يقل : إنه إن أدرك الركعة فقد أدرك الوقفة التي قبل الركوع ; فلا يجوز لأحد أن يقحم في كلامه صلى الله عليه وسلم ما ليس فيه ، فيقول عليه ما لم يقل . وأما حديث أبي بكرة فلا حجة لهم فيه أصلا ; لأنه ليس فيه : أنه اجتزأ بتلك الركعة ، وأنه لم يقضها - فسقط تعلقهم به جملة ، ولله الحمد . فإذ قد سقط كل ما تعلقوا به من الآثار فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا أبو الوليد الطيالسي ثنا شعبة عن [ ص: 275 ] سعد بن إبراهيم ثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ائتوا الصلاة وعليكم السكينة ، فصلوا ما أدركتم ، واقضوا ما سبقكم } . وصح عنه أيضا عليه السلام : { ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا } وبيقين يدري كل ذي حس سليم - : أن من أدرك الإمام في أول الركعة الثانية : فقد فاتته الأولى كلها . وأن من أدرك سجدة من الأولى : فقد فاتته وقفة ، وركوع ، ورفع ، وسجدة ، وجلوس ، وأن من أدرك الجلسة بين السجدتين : فقد فاته الوقفة ، والركوع ، والرفع ، وسجدة . وأن من أدرك الرفع : فقد فاتته الوقفة ، والركوع . وأن من أدرك السجدتين : فقد فاتته الوقفة ، والركوع . وأن من أدرك الركوع : فقد فاتته الوقفة ، وقراءة أم القرآن ; وكلاهما فرض ، لا تتم الصلاة إلا به وهو مأمور بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضاء ما سبقه وإتمام ما فاته ; فلا يجوز تخصيص شيء من ذلك بغير نص آخر ; ولا سبيل إلى وجوده ، والقوم أصحاب قياس بزعمهم : فكيف وقع لهم التفريق بين فوت إدراك الوقفة ، وبين فوت إدراك الركوع والوقفة ; فلم يروا على أحدهما قضاء ما سبقه ، ورأوه على الآخر . فلا القياس طردوا ، ولا النصوص اتبعوا ، وقد أقدم بعضهم على دعوى الإجماع على قولهم ، وهو كاذب في ذلك ; لأنه قد روي من طريق يحيى بن سعيد القطان عن ابن عجلان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة : إذا أتيت القوم وهم ركوع فلا تكبر حتى تأخذ مقامك من الصف [ ص: 276 ] وروي عنه أيضا أن لا يعتد بالركعة حتى يقرأ بأم القرآن وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور عن زيد بن وهب قال : دخلت أنا وابن مسعود المسجد والإمام راكع فركعنا ثم مضينا حتى استوينا بالصف ; فلما فرغ الإمام قمت أقضي ، فقال ابن مسعود : قد أدركته . قال علي : فهذا إيجاب القضاء عن زيد بن وهب وهو صاحب من الصحابة فإن قيل : فلم ير ابن مسعود ذلك قلنا : نعم ، فكان ماذا فإذا تنازع الصاحبان فالواجب الرجوع إلى ما قاله الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يحل الرد إلى سوى ذلك ; فليس قول ابن مسعود حجة على زيد ، ولا قول زيد حجة على ابن مسعود ; لكن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحجة عليهما وعلى غيرهما من كل إنس وجن ، وليس في هذا الخبر رجوع زيد إلى قول ابن مسعود ، ولو رجع لما كان في رجوعه حجة ; والخلاف لابن مسعود منه قد حصل . وروينا من طريق الحجاج بن المنهال حدثنا الربيع بن حبيب قال : سمعت محمد بن سيرين يقول : إذا انتهيت إلى القوم وهم في الصلاة فأدركت تكبيرة تدخل بها في الصلاة ، وتكبيرة الركوع : فقد أدركت تلك الركعة ; وإلا فاركع معهم واسجد ، ولا تحتسب بها قال علي : وروينا عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال كلاما معناه : من ادعى الإجماع فقد كذب ; وما يدريه والناس قد اختلفوا ، هذه أخبار الأصم ، وبشر المريسي [ ص: 277 ] قال علي : صدق أحمد رضي الله عنه من ادعى الإجماع فيما لا يقين عنده بأنه قول جميع أهل الإسلام بلا شك في أحد منهم : قد كذب على الأمة كلها ; وقطع بظنه عليهم ; وقد قال عليه السلام : { الظن أكذب الحديث } فإن قيل : إن قول ابن مسعود هذا لا يقال مثله بالرأي . قيل لهم : فهلا قلتم هذا فيما رويناه آنفا - في الباب الذي قبل هذا - عن عمر رضي الله عنه : لا صلاة إلا بأم القرآن وآيتين معها ، ولكن التحكم سهل على من لم يعد كلامه من عمله فإن قيل : هذا قول الجمهور ، قلنا : ما أمر الله تعالى قط ولا رسوله صلى الله عليه وسلم باتباع الجمهور ; لا في آية ولا في خبر صحيح ; وأما الموضوعات فسهل وجودها في كل حين على من استحلها . فإن قيل : إنه يكبر قائما ثم يركع ; فقد صار مدركا للوقوف قلنا : وهذه معصية أخرى ; وما أمره الله قط ولا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدخل في الصلاة في غير الحال التي يجد الإمام عليها . وأيضا : فلا يجزئ قضاء شيء سبق به من الصلاة إلا بعد سلام الإمام ; لا قبل ذلك قال علي : وهنا أقوال ، نذكر منها طرفا ليلوح كذب من ادعى الإجماع في ذلك - : روينا من طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن عبد الله بن يزيد النخعي عن زيد بن أحمد عن ابن مسعود قال : إذا ركع أحدكم فمشى إلى الصف ، فإن دخل في الصف قبل أن يرفعوا رءوسهم فإنه يعتد بها ، وإن رفعوا رءوسهم قبل أن يصل إلى الصف فلا يعتد بها - قال الحجاج : والعمل على هذا ، وعن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر قال : كان ابن عمر [ ص: 278 ] إذا جاء والقوم سجود سجد معهم ; فإذا رفعوا رءوسهم سجد أخرى ولا يعتد بها قال أيوب : ودخلت مع أبي قلابة المسجد وقد سجدوا سجدة فسجدنا معهم الأخرى ; فلما رفعوا رءوسهم سجدنا الأخرى ; فلما قضى أبو قلابة الصلاة سجد سجدتي الوهم ، وعن حماد بن سلمة عن داود هو ابن أبي هند - عن الشعبي قال : إذا انتهى إلى الصف الآخر ولم يرفعوا رءوسهم وقد رفع الإمام رأسه فإنه يركع وقد أدرك ; لأن الصف الذي فيه هو إمامه ، وإن جاء والقوم سجود فإنه يسجد معهم ولا يعتد بها وبه إلى داود بن أبي هند عن أبي العالية قال : إذا جاء وهم سجود سجد معهم ; فإذا سلم الإمام قام فركع ركعة ولا يسجد ويعتد بها . وبه إلى حماد عن قتادة ، وحميد ، وأصحاب الحسن : إذا وضع يديه على ركبتيه قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك ; وإن رفع الإمام رأسه قبل أن يضع يديه فإنه لا يعتد بها قال حماد : وأكثر ظني أنه عن الحسن وقال ابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري ، وزفر : إذا كبر قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك ، وليركع بعد أن يرفع الإمام رأسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية