صفحة جزء
369 - مسألة : والركوع في الصلاة فرض ، والطمأنينة في الركوع حتى تعتدل جميع أعضائه ويضع فيه يديه على ركبتيه - : فرض ، لا صلاة لمن ترك شيئا من ذلك عامدا . ومن ترك ذلك ناسيا ألغاه وأتم صلاته كما أمر ، ثم سجد للسهو ، فإن عجز عن الطمأنينة والاعتدال لعذر بصلبه أجزأه ما قدر عليه من ذلك ، وسقط عنه ما عجز عنه والتكبير للركوع فرض ، وقوله " سبحان ربي العظيم " في الركوع فرض والقيام إثر الركوع فرض لمن قدر عليه حتى يعتدل قائما وقول " سمع الله لمن حمده " عند القيام من الركوع فرض على كل مصل ، من إمام أو منفرد أو مأموم لا تجزئ الصلاة إلا به ، فإن كان مأموما ففرض عليه أن يقول بعد ذلك " ربنا لك الحمد " أو " ولك الحمد " وليس هذا فرضا على إمام ولا فذ . وإن قالاه كان حسنا وسنة وقول المأموم " آمين " إذا قال الإمام { ولا الضالين } فرض ; وإن قاله الإمام فهو حسن وسنة ، ولا يحل للمأموم أن يركع ، ولا أن يرفع ، ولا أن يسجد مع إمامه ولا قبله ; لكن بعده ولا بد ، ومن قرأ القرآن في ركوعه أو سجوده بطلت صلاته إن تعمد ذلك ; فإن نسي ألغى تلك المدة من سجوده ثم سجد للسهو ، وسجدتان إثر القيام المذكور فرض ; والطمأنينة فيهما فرض ; والتكبير لكل سجدة منهما فرض وقول " سبحان ربي الأعلى " في كل سجدة فرض ، ووضع الجبهة والأنف واليدين والركبتين وصدور القدمين على ما هو قائم عليه - مما أبيح له التصرف عليه - : فرض كل ذلك والجلوس بين السجدتين فرض ; والطمأنينة فيه فرض ; والتكبير له فرض لا [ ص: 287 ] تجزئ صلاة لأحد بأن يدع من هذا كله عامدا شيئا ; فإن لم يأت به ناسيا ألغى ذلك وأتى به كما أمر ، ثم سجد للسهو ; فإن عجز عن شيء منه لجهل أو عذر مانع سقط عنه وتمت صلاته ، ولا يجزئ السجود على الجبهة ، والأنف : إلا مكشوفين ; ويجزئ في سائر الأعضاء مغطاة ، ويفعل في كل ركعة من صلاته ما ذكرنا برهان ذلك - : ما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد ثنا عبيد الله بن عمر حدثني سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ; ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه ، وقال له : ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى ، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثا ; فقال : والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني ، فقال : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا همام بن يحيى ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة حدثني علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع { كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل فدخل المسجد فصلى ، فلما قضى صلاته جاء فسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : وعليك ارجع فصل فإنك لم تصل ، فرجع فلما قضى صلاته جاء فسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك ارجع فصل فإنك لم تصل ، فذكر ذلك مرتين أو ثلاثا ، فقال الرجل : لا أدري ما عبت علي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنه لا تتم صلاة أحدكم [ ص: 288 ] حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله ، ويغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ، ثم يكبر الله ويحمده ويمجده ، ويقرأ من القرآن ما أذن الله له فيه وتيسر ، ثم يكبر فيركع فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ، ثم يقول : سمع الله لمن حمده ، ويستوي قائما حتى يأخذ كل عضو مأخذه ، ويقيم صلبه ، ثم يكبر فيسجد ويمكن جبهته من الأرض حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ، ثم يكبر فيرفع رأسه ويستوي قاعدا على مقعدته ويقيم صلبه . فوصف الصلاة هكذا حتى فرغ . ثم قال : لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك } .

قال علي : التحميد المذكور والتمجيد المذكور هو قراءة أم القرآن . برهان ذلك - : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا قال العبد في صلاته : { الحمد لله رب العالمين } يقول الله : حمدني عبدي ، وإذا قال : { مالك يوم الدين } قال الله : مجدني عبدي }

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا حفص بن عمر ثنا شعبة عن سليمان هو الأعمش - عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود البدري قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : { لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود } . قال أبو حنيفة : تجزئ وإن لم يقم ظهره في ركوعه وسجوده . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا أحمد بن عمرو بن السرح ويونس بن عبد الأعلى والحارث بن مسكين - قراءة عليه واللفظ له - كلهم عن ابن وهب عن ابن جريج عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - : { أمرت أن أسجد على سبع ولا أكفت الشعر ولا الثياب : الجبهة ، والأنف ، واليدين ، والركبتين والقدمين } . قال أبو حنيفة : إن وضع جبهته في السجود ولم يضع أنفه ولا يديه ولا ركبتيه أجزأه [ ص: 289 ] ذلك ، وكذلك يجزئه أن يضع في السجود أنفه ولا يضع جبهته ولا يديه ولا ركبتيه . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن حنبل ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا هشام هو الدستوائي - عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال لنا أبو موسى الأشعري : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال : إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ، ثم ليؤمكم أحدكم ، فإذا كبر فكبروا وإذا قال : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فقولوا : آمين ، يحبكم الله وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا ، فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم ، فتلك بتلك ، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد يسمع الله لكم فإن الله قال على لسان نبيه سمع الله لمن حمده فإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا ، فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم ; فتلك بتلك } وذكر باقي الحديث . قال علي : من العظائم التي نعوذ بالله عز وجل منها أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل كذا أو كذا ، وافعلوا كذا وكذا ، فيقول قائل بعد أن سمع هذه الأخبار : إن الصلاة تتم دون ذلك ، مقلدا لمن أخطأ ممن لم يبلغه الخبر ، أو بلغه فتأول غير قاصد لخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك من الباطل والتلعب بالسنن أن ينص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمور ذكر أن الصلاة لا تتم إلا بها - : فيقول قائل من عند نفسه ; بعض هذه الأمور هو كذلك ، وبعضها ليس كذلك ، فإن أقدم كاذب على دعوى الإجماع في شيء من ذلك فقد كذب على جميع الأمة . وادعى ما لا علم له به . ولا يحل لمسلم خلاف اليقين الصادق من أمر الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم - " لظن كاذب افترى فيه الذي ظنه على الأمة كلها ; إذ نسب إليها مخالفة أمر الله تعالى " . والعجب من قولهم : لا يجزئ تكبير المأموم إلا بعد تكبير الإمام ولا يجزئ سلامه إلا بعد سلام الإمام - : أما ركوعه ورفعه وسجوده فمع الإمام ، وهذا تحكم عجيب ، وكل ما موهوا به ههنا فهو لازم لهم في التكبير والتسليم . [ ص: 290 ] فإن قال قائل : قد قال عليه الصلاة والسلام { وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد } قلنا : نعم ، وليس في هذا الخبر منع من قول الإمام : ربنا ولك الحمد ولا منع المأموم من قول : سمع الله لمن حمده . وإيجاب هذا مذكور في الخبر الذي أوردناه . ولا سبيل إلى أن توجد جميع الشرائع في خبر واحد ، ولا في آية واحدة ، ولا في سورة واحدة . حدثنا هشام بن سعيد الخير كتابا إلي قال : ثنا عبد الجبار بن أحمد المغربي الطرسوسي ثنا الحسن بن الحسين النجيرمي ثنا جعفر بن محمد بن الحسن بن سعيد الأصبهاني بسيراف ثنا أبو بشر يونس بن حبيب الزبيري ثنا أبو داود الطيالسي ثنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن أيوب الغافقي عن عمه إياس بن عامر عن عقبة بن عامر الجهني قال : { لما نزلت { فسبح باسم ربك العظيم } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في الركوع فلما نزلت : { سبح اسم ربك الأعلى } . قال النبي صلى الله عليه وسلم : اجعلوها في سجودكم } . قال علي : وبإيجاب فرض هذا يقول أحمد بن حنبل ، وأبو سليمان وغيرهما . فإن قيل : قد جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده { سبوح قدوس رب الملائكة والروح } وأنه قال عليه السلام ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا سفيان عن سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن العباس عن أبيه عن عمه عن عبد الله بن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستارة عن وجهه ، والناس صفوف خلف أبي بكر ، فقال : يا أيها الناس ، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له وإني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا ، فأما الركوع فعظموا فيه الرب ، وأما السجود فاجتهدوا فيه الدعاء فقمن أن يستجاب لكم . } " قلنا : نعم ، وليس في هذا كله سقوط ما أوجبه عليه السلام في حديث عقبة بن عامر ; بل قوله عليه السلام : " فعظموا الرب " موافق لقوله " سبحان ربي العظيم " . [ ص: 291 ] وأما اجتهاد الدعاء في السجود وقول { سبوح قدوس رب الملائكة والروح } فزيادة خير ، وحسنة لمن فعلها مع الذي أمر به من التسبيح وفرق مالك بين من أسقط تكبيرتين وبين من أسقط ثلاث تكبيرات . وهذا قول بلا دليل أصلا . وقد ذكرنا بطلان قول من فرق بين العمل القليل والكثير في الصلاة برأيه وبينا أنه قول فاسد ، لأنه لا كثير إلا وهو قليل بالإضافة إلى ما هو أكثر منه ، ولا قليل إلا وهو كثير بالإضافة إلى ما هو أقل منه ، وإن العمل الواجب فترك قليله وترك كثيره سواء في مخالفة أمر الله عز وجل ، وإن العمل المحرم فكثيره وقليله سواء في ارتكاب المحرم ، وإن المباح قليله وكثيره مباح وما عدا هذا فباطل لا خفاء به ; إلا أن يأتي نص بالفرق بين المقادير في الأعمال فيوقف عنده . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا سويد بن نصر أنا عبد الله بن المبارك عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه ، وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما أيضا كذلك وقال : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد } . وروينا أيضا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن مالك بإسناده نحوه ومن طريق عبد الله بن أبي أوفى وأبي سعيد الخدري أيضا مسندا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو اليمان أنا شعيب هو ابن أبي حمزة - عن الزهري أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن " أن أبا هريرة كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها ، في رمضان وغيره ، فيكبر حين يقوم ، ثم يكبر حين يركع ، ثم يقول : " سمع الله لمن حمده ، ثم يقول : ربنا ولك الحمد ، - وذكر الحديث وفيه - : ثم يقول أبو هريرة " والذي نفسي بيده ، إني لأقربكم شبها بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا " . [ ص: 292 ] فهذا آخر عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه المالكيون برأي لا بخبر أصلا ، وما لهم متعلق إلا قوله عليه السلام { وإذا قال : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا ولك الحمد } . قال علي : وهذا لا حجة لهم فيه ; لأنه عليه السلام لم يمنع الإمام في هذا الخبر من أن يقول : ربنا ولك الحمد ولا منع المأموم من أن يقول : سمع الله لمن حمده ، فلا حجة في هذا الخبر في قولهما لذلك ، ولا في تركهما لقول ذلك ، فوجب طلب حكم ذلك من أحاديث أخر . وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول وهو إمام : ربنا ولك الحمد ، وأنه عمله إلى أن مات ; فبطل قول كل من خالف ذلك ; وهو أيضا عمل السلف . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني نافع : أن عبد الله بن عمر كان إذا كان إماما قال : سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد كثيرا ، ثم يسجد لا يخطئه . وبه إلى ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبي سعيد المقبري . أنه سمع أبا هريرة وهو إمام للناس في الصلاة يقول : سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد كثيرا ، يرفع بذلك صوته ونتابعه معا . وروينا أيضا عن علي بن أبي طالب ، وابن مسعود نحو ذلك . وبالسند المذكور إلى ابن جريج عن عطاء قال : إن كنت مع الإمام فقال : سمع الله لمن حمده ، فإن قلت : سمع الله لمن حمده ، فحسن ; وإن لم تقلها فقد أجزأ عنك ، وإن تجمعهما مع الإمام أحب إلي قال علي : وهو قول الشافعي . وأما أبو حنيفة فإنه قال يقول الإمام : ربنا ولك الحمد ، ولا يقول المأموم : سمع الله لمن حمده . قال علي : ففرق بلا دليل ; فإن كان تعلق بقوله عليه السلام { وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد } فقد تناقض ; لأنه ليس في هذا الخبر قول الإمام : ربنا ولك الحمد [ ص: 293 ] فإن قال : قد صح أنه عليه السلام كان يقولها وهو إمام ، قلنا : وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم الصلاة . وفيها أن يقال : سمع الله لمن حمده ، ولم يخص بذلك مأموما من إمام ، من منفرد . قال علي : وأما قول : آمين فإنه كما ذكرنا يقوله الإمام والمنفرد ندبا وسنة ، ويقولها المأموم فرضا ولا بد حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج أنا يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه } . قال ابن شهاب " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : آمين " . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا نصر بن علي هو الجهضمي - ثنا صفوان بن عيسى عن بشر بن رافع عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا عليهم { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } قال : آمين ، حتى يسمع من يليه من الصف الأول } . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع ثنا سفيان الثوري عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي { أن بلالا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله لا تسبقني بآمين } . وبه إلى وكيع : حدثنا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن [ ص: 294 ] وائل بن حجر قال { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ : ولا الضالين فقال آمين يمد بها صوته } . قال علي : فهذه آثار متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه كان يقول : " آمين " وهو إمام في الصلاة ، يسمعها من وراءه ، وهو عمل السلف كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أكان ابن الزبير يؤمن على إثر أم القرآن ؟ قال : نعم ، ويؤمن من وراءه ، حتى إن للمسجد للجة . قال عطاء : وكان أبو هريرة يدخل المسجد وقد قام الإمام قبله فيقول ويناديه : لا تسبقني بآمين . قال عطاء : ولقد كنت أسمع الأئمة يقولون هم أنفسهم على إثر أم القرآن " آمين " هم ومن وراءهم حتى إن للمسجد للجة . قال علي : اللجة ، الجلبة ، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة : أنه كان مؤذنا للعلاء بن الحضرمي بالبحرين فاشترط عليه أن لا يسبقه بآمين . وروينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر بن الخطاب قال : يخفي الإمام أربعا : " التعوذ " " وبسم الله الرحمن الرحيم " " وآمين " " وربنا لك الحمد " . وعن علقمة والأسود كليهما عن ابن مسعود قال : يخفي الإمام ثلاثا : التعوذ ، " وبسم الله الرحمن الرحيم " " وآمين " . وعن عكرمة : لقد أدركت الناس ولهم ضجة بآمين . قال علي : فهذا عمل الصحابة رضي الله عنهم . [ ص: 295 ] فأما أحمد وإسحاق ، وداود وجمهور أصحاب الحديث فيرون الجهر بها للإمام ، والمأموم ، وبه نقول ; لأن الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : الجهر . وقال سفيان الثوري ، وأبو حنيفة : يقولها الإمام سرا - ذهبوا إلى تقليد عمر بن الخطاب ، وابن مسعود رضي الله عنهما ولا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . وذهب مالك إلى أن يقول المأموم " آمين " ولا يقولها الإمام . قال علي : وهذا قول لا يعلم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم قطعا ، نعم ، ولا نعرفه عن أحد من التابعين ، ولا حجة لهم أصلا في المنع من ذلك . إلا أن بعض الممتحنين بتقليده قال : إن سميا مولى أبي بكر ، وسهيل بن أبي صالح رويا كلاهما عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إذا قال القارئ : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فقال من خلفه آمين فوافق قوله قول أهل السماء غفر له ما تقدم من ذنبه } . هذا لفظ سهيل . وأما لفظ سمي فإنه قال { إذا قال الإمام : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فقولوا : آمين } . قال : فليس في هذا تأمين الإمام . قال علي : وهذا غاية المقت في الاحتجاج ، إذ ذكروا حديثا ليس فيه شريعة قد ذكرت في حديث آخر ، فراموا إسقاطها بذلك ، ولا شيء في إسقاط جميع شرائع الإسلام أقوى من هذا العمل ; فإنه لم تذكر كل شريعة في كل آية ، ولا في كل حديث ، ثم من العجب احتجاجهم بأبي صالح في أنه لم يرو عن أبي هريرة لفظا رواه سعيد بن المسيب ، وأبو سلمة عن أبي هريرة . ولو انفرد سعيد لكان يعدل جماعة مثل أبي صالح فكيف وليس في رواية أبي صالح : أن لا يقول الإمام " آمين " فبطل تمويههم بهذا الخبر ، وقال بعضهم : إن معنى قوله عليه السلام { إذا أمن الإمام فأمنوا } إنما معناه إذا قال { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } قال علي : فيقال له : كذبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت عليه الباطل الذي لم يقله [ ص: 296 ] عليه السلام عن نفسه ، وأخبرت عن مراده بالإفك ، وحرفت الكلم عن مواضعه بلا برهان ; وما قال قط أحد من أهل اللغة أن قول { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } يسمى تأمينا فاحتج لقوله الفاسد بطامة أخرى وهي : أنه قال : قد جاء أن معنى قول الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام { قد أجيبت دعوتكما } أنه كان موسى يدعو وهارون يؤمن . قال علي : وهذا أدهى وأمر ليت شعري أين وجد هذه الرواية ، أو من بلغه إلى موسى ، وهارون عليهما السلام وإنما هو قول قائل لا يدرى من أين قاله ، ثم لو صح يقينا لما كان له فيه حجة أصلا ; لأن المؤمن في اللغة داع بلا شك ، لأن معنى " آمين " اللهم افعل ذلك فالتأمين دعاء صحيح بلا شك ، ولا يسمى الداعي مؤمنا أصلا ، ولا يسمى الدعاء تأمينا حتى يلفظ بآمين : فكل تأمين دعاء ، وليس كل دعاء تأمينا . فكيف وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : آمين ، وهو الإمام ، وهذا مما انفردوا به عن الصحابة رضي الله عنهم وجمهور السلف برأيهم بلا برهان أصلا - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية