صفحة جزء
480 - مسألة : ومن أيقن أنه نسي صلاة لا يدري أي صلاة هي ؟ فإن مالكا ، وأبا يوسف ، والشافعي ، وأبا سليمان قالوا : يصلي صلاة يوم وليلة ؟ ويلزم على هذا القول إن لم يدر أمن سفر أم من حضر ؟ أن يصلي ثماني صلوات ؟ وقال سفيان الثوري ، ومحمد بن الحسن : يصلي ثلاث صلوات - : إحداها - ركعتان ، ينوي بها الصبح .

والثانية - ثلاث ينوي بها المغرب .

والثالثة - أربع ينوي بها الظهر أو العصر ؟ أو العشاء الآخرة ؟ ويلزم على هذا القول إن لم يدر أمن سفر هي أم من حضر ؟ أن يصلي صلاتين فقط - : إحداهما ركعتان ، والأخرى ثلاث ركعات ؟ وقال زفر ، والمزني : يصلي صلاة واحدة أربع ركعات ، يقعد في الثانية ، ثم في الثالثة ، ثم في الرابعة ، ثم يسجد للسهو .

قال زفر : بعد السلام ، وقال المزني : قبل السلام وقال الأوزاعي : يصلي صلاة واحدة أربع ركعات فقط ، لا يقعد إلا في الثانية والرابعة ، ثم يسجد للسهو ينوي في ابتدائه إياها أنها التي فاتته في علم الله تعالى .

وبهذا نأخذ ، إلا أن الأوزاعي قال : يسجد للسهو قبل السلام ، وقلنا نحن : بعد السلام ؟ برهان صحة قولنا - : أن الله - عز وجل - لما فرض عليه - بيقين مقطوع لا شك فيه ، ولا خلاف من أحد منهم ولا منا - : صلاة واحدة ، وهي التي فاتته ، فمن أمره بخمس صلوات ، أو ثمان صلوات ، أو ثلاث صلوات ، أو صلاتين ؟ فقد أمره - يقينا - بما لم يأمره الله تعالى به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وفرضوا عليه صلاة أو صلاتين أو صلوات ليست [ ص: 98 ] عليه ، وهذا باطل بيقين ، فلا يجوز أن يكلف إلا صلاة واحدة كما هي عليه ولا مزيد .

فسقط قول كل من ذكرنا ، حاشا قولنا ، وقول زفر ، والمزني ؟ فاعترضوا علينا بأن قالوا : إن النية للصلاة فرض عندنا وعندكم ، وأنتم تأمرونه بنية مشتركة لا تدرون أنها الواجب عليه ، وهذا الاعتراض إنما هو للذين أمروه بالخمس ، أو الثمان فقط ؟ قلنا لهم : نعم إن النية فرض عندنا وعندكم ، وأنتم تأمرونه لكل صلاة أمرتموه بها بنية مشكوك فيها أو كاذبة بيقين ولا بد من أحدهما .

لأنكم إن أمرتموه أن ينوي لكل صلاة أنها التي فاتته قطعا فقد أوجبتم عليه الباطل والكذب ، وهذا لا يحل ، لأنه ليس على يقين من أنها التي فاتته .

فإذا لم يكن على يقين منها ونواها قطعا فقد نوى الباطل ، وهذا حرام .

وإن أمرتموه أن ينوي في ابتداء كل صلاة منها أنها التي علم الله أنها فاتته فقد أمرتموه بما عبتم علينا ، سواء سواء ، لا بمثله ؟ ونحن نقول : إن هذه الملامة ساقطة عنه ، لأنه لا يقدر على غيرها أصلا ، وقد قال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها }

وقال عليه السلام : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } ؟ فقد سقطت عنه النية المعينة ، لعدم قدرته عليها ، وبقي عليه وجوب النية المرجوع فيها إلى علم الله تعالى ، إذ هو قادر عليها - وبالله تعالى التوفيق ، فسقط ذلك القول أيضا ؟ .

ثم قلنا لزفر ، والمزني : إنكم ألزمتموه جلسة بعد الركعة الثالثة لم يأمر الله تعالى بها قط ، ولا يجوز أن يلزم أحد إلا ما نحن على يقين من أن الله تعالى ألزمه إياه فسقط أيضا قولهما ، لأنهما دخلا في بعض ما أنكرا على غيرهما ؟ قال علي : وبرهان صحة قولنا - : هو أن الله تعالى إنما أوجب عليه صلاة واحدة فقط ، لا يدري أي صلاة هي ؟ فلا يقدر ألبتة على نية لها بعينها ، ولا بد له من نية مشكوك فيها أي صلاة هي ؟ فينوي أنه يؤدي الصلاة التي فاتته التي يعلمها الله تعالى ، [ ص: 99 ] فيصلي ركعتين ، ثم يجلس ويتشهد ، فإذا أتم تشهده فقد شك : أتم صلاته التي هي عليه إن كانت الصبح ، أو إن كانت صلاة تقصر في السفر ؟ أم صلى بعضها كما أمر ولم يتمها ، إن كانت صلاة تتم في الحضر ؟ أو كانت المغرب ؟ فإذا كان في هذه الحال فقد دخل في جملة من أمره النبي صلى الله عليه وسلم - إذا لم يدر كم صلى ؟ أن يصلي حتى يكون على يقين من التمام ، وعلى شك من الزيادة فيقوم إلى ركعة ثالثة ولا بد ، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية منها فقد شك : هل أتم صلاته التي عليه - إن كانت المغرب - فيقعد حينئذ ؟ أم بقيت عليه ركعة ، إن كانت الظهر ، أو العصر ، أو العتمة ، في حضر ؟ فإذا صار في هذه الحال فقد دخل في جملة من أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يدر كم صلى ؟ بأن يصلي حتى يكون على يقين من التمام وعلى شك من الزيادة ، فعليه أن يقوم إلى رابعة ، فإذا أتمها وجلس في آخرها وتشهد فقد أيقن بالتمام بلا شك ، وحصل في شك من الزيادة ، فليسلم حينئذ ، وليسجد كما أمره الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .

وهذا هو الحق المقطوع على وجوبه - والحمد لله رب العالمين ؟ ويدخل على زفر ، والمزني - في إلزامهما إياه جلسة في الثالثة - أنهما ألزماه إفراد النية في تلك الجلسة أنها للمغرب خاصة ، وهذا خطأ ، لأنه إعمال يقين فيما لا يقين فيه ؟ فإن أيقن أنها من سفر صلى صلاة واحدة كما ذكرنا ، يقعد في الثانية ، ثم في الثالثة ويسلم ثم يسجد للسهو ؟ قال علي : فإن نسي ظهرا وعصرا لا يدري ؟ أمن يوم واحد أم من يومين ، أو يدري صلاهما فقط ، ولا يبالي أيهما قدم ؟ لأنه لم يوجب عليه غير ذلك نص سنة ولا قرآن ولا إجماع ولا قياس ولا قول صاحب ، وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان ؟ وقال المالكيون : إن لم يدر أهي من يوم أم من يومين ؟ فليصل ثلاث صلوات إما ظهرا بين عصرين ، وإما عصرا بين ظهرين ؟ قال علي : وهذا تخليط ناهيك به وإنما يجب الترتيب ما دامت الأوقات قائمة [ ص: 100 ] مرتبة بترتيب الله تعالى لها ، وأما عند خروج بعض الأوقات فلا ؟ إذ لم يأت بذلك نص قرآن ولا سنة ولا إجماع - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية