صفحة جزء
492 - مسألة :

وإذا أحدث الإمام ، أو ذكر : أنه غير طاهر ، فخرج ، فاستخلف : فحسن - فإن لم يستخلف فليتقدم أحدهم يتم بهم الصلاة ولا بد ، فإن أشار إليهم أن ينتظروه ؟ ففرض عليهم انتظاره حتى ينصرف فيتم بهم صلاتهم ، ثم يتم لنفسه ؟ أما انتظاره : فلما ذكرنا آنفا من { ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جنب فخرج وأومأ إليهم أن مكانكم ثم عاد ، وقد اغتسل فصلى بهم } ؟ وأما استخلافهم : فلما ذكرنا قبل من { أن النبي صلى الله عليه وسلم مضى إلى قباء فقدم المسلمون أبا بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما أحس أبو بكر به تأخر وتقدم عليه السلام فصلى بالناس } ، ولأن فرضا على الناس أن يصلوا في جماعة كما قدمنا ، فلا بد لهم من إمام : إما [ ص: 138 ] باستخلاف إمامهم ، وإما باستخلافهم أحدهم ، وإما بتقدم أحدهم ؟ وقال أبو حنيفة : إن أحدث الإمام وهو ساجد فرفع رأسه ولم يكبر واستخلف : جاز ذلك .

وصلاتهم كلهم تامة .

فلو كبر ثم استخلف بطلت صلاة الجميع .

فلو خرج من المسجد قبل أن يستخلف بطلت صلاة الجميع ؟ قال علي : وهذه أقوال في غاية الفساد والتخليط ، وليس عليها من بهجة الحق أثر ؟ وليت شعري إذا أحدث ساجدا فرفع رأسه ولم يكبر : في صلاة هو أم في غير صلاة ؟ وهل إمامته لهم باقية أو لا ؟ ولا بد من أحد الوجهين - : فإن قالوا : هو في صلاة وإمامته باقية ، جعلوه مصليا بلا وضوء ، وإماما بلا وضوء ، وهذا خلاف أصلهم الآخر الفاسد في بطلان صلاة من ائتم بإمام هو على غير طهارة ناسيا أو ذاكرا ؟ ثم نقول لهم : إذ هو في صلاة وهو بعد باق على إمامته لهم ؟ فما ذنبه إذ كبر فأبطل صلاة نفسه وصلاتهم ؟ هذه عداوة منكم لذكر الله تعالى وأخية قولكم : من عطس في صلاته فقال بلسانه " الحمد لله رب العالمين " بطلت صلاته ؟ ولو قعد مقدار التشهد فقذف محصنة ، أو ضرط عامدا لم تبطل صلاته تعالى الله ، ما أوحش هذه الأقوال التي لا يحل قبولها ؟ إلا لو قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده ، الذي لم نأخذ الصلاة ، ولا الدين ، ولا ذكر الله تعالى إلا عنه ، فلا يحل لنا إذن شيء من ذلك إلا كما أمرنا وإن قالوا : بل ليس في صلاة ، ولا هم بعد في إمامته ؟ قلنا لهم : فإذ قد خرج بالحدث من إمامتهم وعن الطهارة التي لا صلاة إلا بها - : فما الذي ولد عليه تكبيره من الضرر ، حتى أحدث عليه قوله " الله أكبر " : بطلان صلاته ، وكذلك خروجه من المسجد ؟ [ ص: 139 ] وفي هذا القول من السخافة غير قليل وهذا مسجد بيت المقدس طوله ثمانمائة ذراع ونيف ، ورب مسجد ليس عرضه إلا ثلاثة أذرع أو نحوها ، وطوله مثل ذلك فقط ونحمد الله على تسليمه إيانا من مثل هذه الأقوال المنافرة لصحة الدماغ ؟ قال علي : فإن استخلف من دخل حينئذ ولم يكبر بعد ، أو قد كبر ، أو من أدرك معه أول صلاته ، أو قدموا لهم من هذه صفته ، أو تقدم هو - : فكل ذلك جائز ، إذ استخلاف إمام يتم بهم فرض كما ذكرنا ، لوجوب الصلاة في جماعة عليهم ، فليبدأ المستخلف - إن كان لم يدرك من الصلاة ركعة واحدة واستخلف في الثانية : فيتم تلك الركعة بهم ، ثم إذا سجد سجدتيها أشار إليهم فجلسوا ، وقام هو إلى ثانيته ، فإذا أتمها جلس وتشهد ، ثم قام وقاموا معه فأتم بهم الركعتين أو الركعة - : إن كانت المغرب ، فإن كانت الصبح فكذلك سواء سواء ، فإذا أتم تشهده سلم وسلموا ؟ فإن فاتته ركعتان واستخلف في الجلوس كبر وقاموا معه بعد أن يتموا تشهدهم بأسرع ما يمكن ، وأتى بالركعتين الباقيتين وهم معه ، فإذا جلسوا قام إلى باقي صلاته فأتمها ثم يتشهد ويسلم ويسلمون ، فإن كان ذلك في جلوس الصبح فكذلك ، ثم جلس وتشهد وسلم وسلموا ؟ فإن فاتته ثلاث ركعات واستخلف في أول الرابعة صلاها ، فإذا رفع من آخر سجوده قام وجلسوا ، ثم أتى بركعة وجلس وتشهد ، ثم قام وأتى بباقي صلاته ، ثم جلس وتشهد وسلم وسلموا ؟ وبالجملة فلا يصلي إلا صلاة نفسه ، لا كما كان يصلي لو كان مأموما ، لأنه إمام والإمام لا يتبع أحدا في صلاته لكن يتبع فيها ، وأما هم فيتبعونه فيما لا يريدون به في صلاتهم وقوفا ولا سجدة ثالثة ، وكل أحد يصلي لنفسه قال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها }

فإن كان المستخلف في مؤخر الصفوف فما بين ذلك إلى أحد جهات الصف الأول - : ففرض عليه المشي مستقبلا للقبلة كما هو على أحد جنبيه إلى موقف الإمام ; لأن فرض الإمام - لغير الضرورة - أن يقف أمام المأمومين وهم وراءه ولا بد ، ففرض عليه المشي إلى ما أمر به من ذلك ، ولا يجوز له أن يخالف عن كون وجهه إلى شطر [ ص: 140 ] المسجد الحرام ، إلا لضرورة لا يقدر على غير ذلك معها - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية