صفحة جزء
515 - مسألة : فإن سافر المرء في جهاد ، أو حج ، أو عمرة ، أو غير ذلك من الأسفار - : فأقام في مكان واحد عشرين يوما بلياليها : قصر ، وإن أقام أكثر : أتم - ولو في صلاة واحدة ؟ ثم ثبتنا بعون الله تعالى على أن سفر الجهاد ، وسفر الحج ، وسفر العمرة ، وسفر الطاعة ، وسفر المعصية ، وسفر ما ليس طاعة ولا معصية - : كل ذلك سفر ، حكمه كله في القصر واحد .

وإن من أقام في شيء عشرين يوما بلياليها فأقل فإنه يقصر ولا بد ، سواء نوى إقامتها أو لم ينو إقامتها ، فإن زاد على ذلك إقامة مدة صلاة واحدة فأكثر : أتم ولا بد ، هذا في الصلاة خاصة وأما في الصيام في رمضان فبخلاف ذلك ، بل إن أقام يوما وليلة في خلال السفر لم يسافر فيهما - : ففرض عليه أن ينوي الصوم فيما يستأنف وكذلك إن نزل ونوى إقامة ليلة والغد ، ففرض عليه أن ينوي الصيام ويصوم ؟ فإن ورد على ضيعة له ، أو ماشية ، أو دار ، فنزل هنالك : أتم ، فإذا رحل ميلا فصاعدا : قصر ؟ قال علي : واختلف الناس في هذا - : فروينا عن ابن عمر : أنه كان إذا أجمع على إقامة خمسة عشر يوما : أتم الصلاة .

ورويناه أيضا عن سعيد بن المسيب وبه يقول أبو حنيفة ، وأصحابه .

وروينا من طريق أبي داود ثنا محمد بن العلاء ثنا حفص بن غياث ثنا عاصم عن عكرمة عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة سبع عشرة يقصر الصلاة } " .

[ ص: 217 ] قال ابن عباس من أقام سبع عشرة بمكة : قصر ، ومن أقام فزاد : أتم ؟ وروي عن الأوزاعي : إذا أجمع إقامة ثلاث عشرة ليلة : أتم ، فإن نوى أقل : قصر ؟ وعن ابن عمر قول آخر : أنه كان يقول : إذا أجمعت إقامة ثنتي عشرة ليلة فأتم الصلاة ؟ وعن علي بن أبي طالب : إذا أقمت عشرا فأتم الصلاة .

وبه يأخذ سفيان الثوري ، والحسن بن حي ، وحميد الرؤاسي صاحبه .

وعن سعيد بن المسيب قول آخر وهو : إذا أقمت أربعا فصل أربعا .

وبه يأخذ مالك ، والشافعي ، والليث ، إلا أنهم يشترطون أن ينوي إقامة أربع ، فإن لم ينوها : قصر ، وإن بقي حولا ؟

وعن سعيد بن المسيب قول آخر وهو : إذا أقمت ثلاثا فأتم ؟ ومن طريق وكيع عن شعبة عن أبي بشر هو جعفر بن أبي وحشية - عن سعيد بن جبير : إذا أراد أن يقيم أكثر من خمس عشرة أتم الصلاة .

وعن سعيد بن جبير قول آخر : إذا وضعت رحلك بأرض فأتم الصلاة ؟ وعن معمر عن الأعمش عن أبي وائل قال : كنا مع مسروق بالسلسلة سنتين وهو عامل عليها فصلى بنا ركعتين ركعتين حتى انصرف ؟ وعن وكيع عن أبي شعبة عن أبي التياح الضبعي عن أبي المنهال العنزي قلت لابن عباس : إني أقيم بالمدينة حولا لا أشد على سير ؟ قال : صل ركعتين وعن وكيع عن العمري عن نافع عن ابن عمر : أنه أقام بأذربيجان ستة أشهر أرتج [ ص: 218 ] عليهم الثلج ، فكان يصلي ركعتين ؟ قال علي : الوالي لا ينوي رحيلا قبل خمس عشرة ليلة بلا شك ، وكذلك من أرتج عليه الثلج فقد أيقن أنه لا ينحل إلى أول الصيف ؟ وقد أمر ابن عباس من أخبره أنه مقيم سنة لا ينوي سيرا : بالقصر ؟ وعن الحسن وقتادة : يقصر المسافر ما لم يرجع إلى منزله ، إلا أن يدخل مصرا من أمصار المسلمين قال علي : احتج أصحاب أبي حنيفة بأن قولهم أكثر ما قيل ، وأنه مجمع عليه أنه إذا نوى المسافر إقامة ذلك المقدار أتم ، ولا يخرج عن حكم القصر إلا بإجماع ؟ قال علي : وهذا باطل ، قد أوردنا عن سعيد بن جبير أنه يقصر حين ينوي أكثر من خمسة عشر يوما ، وقد اختلف عن ابن عمر نفسه .

وخالفه ابن عباس كما أوردنا وغيره فبطل قولهم عن أن يكون له حجة واحتج لمالك ، والشافعي مقلدوهما بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق العلاء بن الحضرمي أنه عليه السلام قال { يمكث المهاجر بعد انقضاء نسكه ثلاثا } . قالوا : فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم للمهاجرين الإقامة بمكة التي كانت أوطانهم فأخرجوا عنها في الله تعالى حتى يلقوا ربهم عز وجل غرباء عن أوطانهم لوجهه عز وجل ، ثم أباح لهم المقام بها ثلاثا بعد تمام النسك .

قالوا : فكانت الثلاث خارجة عن الإقامة المكروهة لهم ، وكان ما زاد عنها داخلا في الإقامة المكروهة ؟ ما نعلم لهم حجة غير هذا أصلا وهذا لا حجة لهم فيه ; لأنه ليس في هذا الخبر نص ولا إشارة إلى المدة التي إذا [ ص: 219 ] أقامها المسافر أتم ، وإنما هو في حكم المهاجر ، فما الذي أوجب أن يقاس المسافر يقيم على المهاجر يقيم ؟ هذا لو كان القياس حقا ، وكيف وكله باطل ، ؟ وأيضا : فإن المسافر مباح له أن يقيم ثلاثا وأكثر من ثلاث ، لا كراهية في شيء من ذلك ، وأما المهاجر فمكروه له أن يقيم بمكة بعد انقضاء نسكه أكثر من ثلاث ، فأي نسبة بين إقامة مكروهة وإقامة مباحة لو أنصفوا أنفسهم ؟ وأيضا : فإن ما زاد على الثلاثة الأيام للمهاجر داخل عندهم في حكم أن يكون مسافرا لا مقيما ، وما زاد على الثلاثة للمسافر فإقامة صحيحة ، وهذا مانع من أن يقاس أحدهما على الآخر ، ولو قيس أحدهما على الآخر لوجب أن يقصر المسافر فيما زاد على الثلاث ، لا أن يتم ، بخلاف قولهم ؟ وأيضا : فإن إقامة قدر صلاة واحدة زائدة على الثلاثة مكروهة ، فينبغي عندهم - إذا قاسوا عليه المسافر - أن يتم ولو نوى زيادة صلاة على الثلاثة الأيام .

وهكذا قال أبو ثور ؟ فبطل قولهم على كل حال ، وعريت الأقوال كلها عن حجة ، فوجب أن نبين البرهان على صحة قولنا بعون الله تعالى وقوته ؟

قال علي : أما الإقامة في الجهاد ، والحج ، والعمرة ، فإن الله تعالى لم يجعل القصر إلا مع الضرب في الأرض ، ولم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم القصر إلا مع السفر ، لا مع الإقامة ، وبالضرورة ندري أن حال السفر غير حال الإقامة ، وأن السفر إنما هو التنقل في غير دار الإقامة وأن الإقامة هي السكون وترك النقلة والتنقل في دار الإقامة ، هذا حكم الشريعة والطبيعة معا . فإذ ذلك كذلك فالمقيم في مكان واحد مقيم غير مسافر بلا شك ، فلا يجوز أن يخرج عن حال الإقامة وحكمها في الصيام والإتمام إلا بنص .

وقد صح بإجماع أهل النقل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في حال سفره فأقام باقي نهاره وليلته ، ثم رحل في اليوم الثاني ، وأنه عليه السلام قصر في باقي يومه ذلك وفي ليلته التي بين يومي نقلته ، فخرجت هذه الإقامة عن حكم الإقامة في الإتمام ، والصيام ، ولولا [ ص: 220 ] ذلك لكان مقيم ساعة له حكم الإقامة ؟ وكذلك من ورد على ضيعة له ، أو ماشية ، أو عقار فنزل هنالك فهو مقيم ، فله حكم الإقامة كما قال ابن عباس ، إذ لم نجد نصا في مثل هذه الحال ينقلها عن حكم الإقامة .

وهو أيضا قول الزهري ، وأحمد بن حنبل .

ولم نجد عنه عليه السلام أنه أقام يوما وليلة لم يرحل فيهما فقصر وأفطر إلا في الحج ، والعمرة ، والجهاد فقط ، فوجب بذلك ما ذكرنا من أن من أقام في خلال سفره يوما وليلة لم يظعن في أحدهما فإنه يتم ، ويصوم .

وكذلك من مشى ليلا وينزل نهارا فإنه يقصر باقي ليلته ويومه الذي بين ليلتي حركته .

وهذا قول روي عن ربيعة .

ونسأل من أبى هذا عن ماش في سفر تقصر فيه الصلاة عندهم نوى إقامة وهو سائر لا ينزل ولا يثبت - : اضطر لشدة الخوف إلى أن يصلي فرضه راكبا ناهضا أو ينزل لصلاة فرضه ثم يرجع إلى المشي : أيقصر أو يتم ؟ فمن قولهم : يقصر - : فصح أن السفر : هو المشي .

ثم نسألهم عمن نوى إقامة وهو نازل غير ماش : أيتم أم يقصر ؟ فمن قولهم : يتم ، فقد صح أن الإقامة هي السكون لا المشي متنقلا .

وهذا نفس قولنا - ولله تعالى الحمد ؟

وأما الجهاد ، والحج - : فإن عبد الله بن ربيع قال : ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن حنبل ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله قال : { أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة } . [ ص: 221 ]

قال علي : محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ثقة ، وباقي رواة الخبر أشهر من أن يسأل عنهم ؟ وهذا أكثر ما روي عنه عليه السلام في إقامته بتبوك ، فخرج هذا المقدار من الإقامة عن سائر الأوقات بهذا الخبر .

وقال أبو حنيفة ، ومالك : يقصر ما دام مقيما في دار الحرب .

قال علي : وهذا خطأ ، لما ذكرنا من أن الله تعالى لم يجعل ولا رسوله عليه السلام الصلاة ركعتين إلا في السفر ، وأن الإقامة خلاف السفر لما ذكرنا .

وقال الشافعي ، وأبو سليمان : كقولنا في الجهاد .

وروينا عن ابن عباس مثل قولنا نصا إلا أنه خالف في المدة .

وأما الحج ، والعمرة : فلما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى أنا هشيم عن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس بن مالك قال { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع ، قال : كم أقام بمكة ؟ قال : عشرا } .

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا موسى بن إسماعيل قال : ثنا وهيب عن أيوب السختياني عن أبي العالية البراء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : { قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة يلبون بالحج } وذكر الحديث [ ص: 222 ]

قال علي : فإذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم صبح رابعة من ذي الحجة ، فبالضرورة نعلم : أنه أقام بمكة ذلك اليوم الرابع من ذي الحجة ، والثاني وهو الخامس من ذي الحجة ، والثالث وهو السادس من ذي الحجة ، والرابع وهو السابع من ذي الحجة .

وأنه خرج عليه السلام إلى منى قبل صلاة الظهر من اليوم الثامن من ذي الحجة ، [ ص: 223 ] هذا ما لا خلاف فيه بين أحد من الأمة ، فتمت له بمكة أربعة أيام وأربع ليال كملا ، أقامها عليه السلام ناويا للإقامة هذه المدة بها بلا شك .

ثم خرج إلى منى في اليوم الثامن من ذي الحجة كما ذكرنا ؟ وهذا يبطل قول من قال : إن نوى إقامة أربعة أيام أتم ; لأنه عليه السلام نوى بلا شك إقامة هذه المدة ولم يتم .

ثم كان عليه السلام بمنى اليوم الثامن من ذي الحجة ، وبات بها ليلة يوم عرفة .

ثم أتى إلى عرفة بلا شك في اليوم التاسع من ذي الحجة ، فبقي هنالك إلى أول الليلة العاشرة ، ثم نهض إلى مزدلفة فبات بها الليلة العاشرة .

ثم نهض في صباح اليوم العاشر إلى منى ، فكان بها ، ونهض إلى مكة فطاف طواف الإفاضة إما في اليوم العاشر وإما في الليلة الحادية عشرة ، بلا شك في أحد الأمرين .

ثم رجع إلى منى فأقام بها ثلاثة أيام ، ودفع منها في آخر اليوم الرابع بعد رمي الجمار بعد زوال الشمس ، وكانت إقامته عليه السلام بمنى أربعة أيام غير نصف يوم .

ثم أتى إلى مكة فبات الليلة الرابعة عشرة بالأبطح ، وطاف بها طواف الوداع ، ثم نهض في آخر ليلته تلك إلى المدينة ، فكمل له عليه السلام بمكة ، ومنى ، وعرفة ، ومزدلفة : عشر ليال كملا كما قال أنس ، فصح قولنا ، وكان معه عليه السلام متمتعون ، وكان هو عليه السلام قارنا .

فصح ما قلناه في الحج والعمرة ، ولله الحمد ، فخرجت هذه الإقامة بهذا الأثر في الحج والعمرة حيث أقام عن حكم سائر الإقامات ، ولله تعالى الحمد .

فإن قيل : أليس قد رويتم من طريق ابن عباس وعمران بن الحصين روايات مختلفة - : في بعضها { أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تسع عشرة وفي بعضها ثمان عشرة وفي بعضها سبع عشرة . [ ص: 224 ] وفي بعضها خمس عشرة يقصر الصلاة ؟ } قلنا : نعم ، وقد بين ابن عباس أن هذا كان في عام الفتح ، وكان عليه السلام في جهاد ، وفي دار حرب ، لأن جماعة من أهل مكة - : كصفوان وغيرهم لهم مدة موادعة لم تنقض بعد .

ومالك بن عوف في هوازن قد جمعت له العساكر بحنين على بضعة عشر ميلا .

وخالد بن سفيان الهذلي على أقل من ذلك يجمع هذيلا لحربه .

والكفار محيطون به محاربون له - : فالقصر واجب بعد في أكثر من هذه الإقامة .

وهو عليه السلام يتردد من مكة إلى حنين .

ثم إلى مكة معتمرا ، ثم إلى الطائف .

وهو عليه السلام يوجه السرايا إلى من حول مكة من قبائل العرب ، كبني كنانة ، وغيرهم .

فهذا قولنا ، وما دخل عليه السلام مكة قط من حين خرج عنها مهاجرا إلا في عمرة القضاء ، أقام بها ثلاثة أيام فقط .

ثم حين فتحها كما ذكرنا محاربا .

ثم في حجة الوداع : أقام بها كما وصفنا ، ولا مزيد .

قال علي : وأما قولنا : إن هذه الإقامة لا تكون إلا بعد الدخول في أول دار الحرب وبعد الإحرام - : فلأن القاصد إلى الجهاد ما دام في دار الإسلام فليس في حال جهاد ، ولكنه مريد للجهاد وقاصد إليه ، وإنما هو مسافر كسائر المسافرين ، إلا أجر نيته فقط ، وهو ما لم يحرم فليس بعد في عمل حج ولا عمل عمرة ، لكنه مريد لأن يحج ، أو لأن يعتمر ، فهو كسائر من يسافر ولا فرق ؟

[ قال علي : وكل هذا لا حجة لهم فيه ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل - إذ أقام [ ص: 225 ] بمكة أياما : إني إنما قصرت أربعا ; لأني في حج ، ولا لأني في مكة . [ ص: 226 ]

ولا قال - إذ أقام بتبوك عشرين يوما يقصر : إني إنما قصرت لأني في جهاد .

فمن قال : شيئا من هذا فقد قوله عليه السلام ما لم يقل ، وهذا لا يحل .

فصح يقينا أنه لولا مقام النبي عليه السلام في تبوك عشرين يوما يقصر ، وبمكة دون ذلك يقصر - : لكان لا يجوز القصر إلا في يوم يكون فيه المرء مسافرا ، ولكان مقيم يوم يلزمه الإتمام .

لكن لما أقام عليه السلام عشرين يوما بتبوك يقصر صح بذلك أن عشرين يوما إذا أقامها المسافر فله فيها حكم السفر ، فإن أقام أكثر أو نوى إقامة أكثر فلا برهان يخرج ذلك عن حكم الإقامة أصلا ولا فرق بين من خص الإقامة في الجهاد بعشرين يوما يقصر فيها ، وبين من خص بذلك بتبوك دون سائر الأماكن ، وهذا كله باطل لا يجوز القول به ، إذ لم يأت به نص قرآن ولا سنة - وبالله تعالى التوفيق .

ووجب أن يكون الصوم بخلاف ذلك ; لأنه لم يأت فيه نص أصلا ، والقياس لا يجوز ، فمن نوى إقامة يوم في رمضان فإنه يصوم - وبالله تعالى التوفيق ] .

قال علي : وقال أبو حنيفة ، والشافعي : إن أقام في مكان ينوي خروجا غدا أو اليوم فإنه يقصر ويفطر ولو أقام كذلك أعواما .

قال أبو حنيفة : وكذلك لو نوى خروجا ما بينه وبين خمسة عشر يوما فإنه يفطر ويقصر .

وقال مالك : يقصر ويفطر وإن نوى إقامة ثلاثة أيام فإنه يفطر ويقصر ، وإن نوى : أخرج اليوم ، أخرج غدا : قصر ، ولو بقي كذلك أعواما - ؟

قال علي : ومن العجب العجيب إسقاط أبي حنيفة النية حين افترضها الله تعالى من الوضوء للصلاة ، وغسل الجنابة ، والحيض وبقائه في رمضان ينوي الفطر إلى قبل زوال [ ص: 227 ] الشمس ، ويجيز كل ذلك بلا نية - : ثم يوجب النية فرضا في الإقامة ، حيث لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أوجبها برهان نظري قال علي : وبرهان صحة قولنا - : أن الحكم [ للإقامة للمدد ] التي ذكرنا - كانت هنالك نية لإقامة أو لم تكن - فهو أن النيات إنما تجب فرضا في الأعمال التي أمر الله تعالى بها فلا يجوز أن تؤدى بلا نية وأما عمل لم يوجبه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فلا معنى للنية فيه ، إذ لم يوجبها هنالك قرآن ، ولا سنة ، ولا نظر ، ولا إجماع .

والإقامة ليست عملا مأمورا به ، وكذلك السفر ، وإنما هما حالان أوجب الله تعالى فيهما العمل الذي أمر الله تعالى به فيهما ، فذلك العمل هو المحتاج إلى النية ، لا الحال .

وهم موافقون لنا : أن السفر لا يحتاج إلى نية .

ولو أن امرأ خرج لا يريد سفرا فدفعته ضرورات لم يقصد لها حتى صار من منزله على ثلاث ليال ، أو سير به مأسورا أو مكرها محمولا مجبرا فإنه يقصر ويفطر .

وكذلك يقولون فيمن أقيم به كرها فطالت به مدته فإنه يتم ويصوم ، وكذلك يقولون فيمن اضطر للخوف إلى الصلاة راكبا أو ماشيا ، فذلك الخوف وتلك الضرورة لا يحتاج فيها إلى نية .

وكذلك النوم لا يحتاج إلى نية ، وله حكم في إسقاط الوضوء وإيجاب تجديده وغير ذلك .

وكذلك الإجناب لا يحتاج إلى نية ، وهو يوجب الغسل .

وكذلك الحدث لا يحتاج إلى نية ، وهو يوجب حكم الوضوء والاستنجاء ، فكل عمل لم يؤمر به لكن أمر فيه بأعمال موصوفة فهو لا يحتاج إلى نية . [ ص: 228 ]

ومن جملة هذه الأعمال هي الإقامة والسفر ، فلا يحتاج فيهما إلى نية أصلا ، لكن متى وجدا وجب لكل واحد منهما الحكم الذي أمر الله تعالى به فيه ولا مزيد - وبالله تعالى التوفيق .

وهذا قول الشافعي وأصحابنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية