صفحة جزء
519 - مسألة : من حضره خوف من عدو ظالم كافر ، أو باغ من المسلمين ، أو من سيل ، أو من نار ، أو من حنش ، أو سبع ، أو غير ذلك وهم في ثلاثة فصاعدا - : فأميرهم مخير بين أربعة عشر وجها ، كلها صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بيناها غاية البيان والتقصي في غير هذا الكتاب ، والحمد لله رب العالمين ؟ وإنما كتبنا كتابنا هذا للعامي والمبتدئ وتذكرة للعالم ، فنذكر ههنا بعض تلك الوجوه ، مما يقرب حفظه ويسهل فهمه ، ولا يضعف فعله ، وبالله تعالى التوفيق ؟ فإن كان في سفر ، فإن شاء صلى بطائفة ركعتين ثم سلم وسلموا ، ثم تأتي طائفة أخرى فيصلي بهم ركعتين ثم يسلم ويسلمون ، وإن كان في حضر صلى بكل طائفة أربع ركعات ، وإن كانت الصبح صلى بكل طائفة ركعتين ، وإن كانت المغرب صلى بكل [ ص: 233 ] طائفة ثلاث ركعات ، الأولى فرض الإمام ، والثانية تطوع له وإن شاء في السفر أيضا صلى بكل طائفة ركعة ثم تسلم تلك الطائفة ويجزئهما ، وإن شاء هو سلم ، وإن شاء لم يسلم ، ويصلي بالأخرى ركعة ويسلم ويسلمون ويجزئهم .

وإن شاءت الطائفة أن تقضي الركعة والإمام واقف فعلت ، ثم تفعل الثانية أيضا كذلك ؟ فإن كانت الصبح صلى بالطائفة الأولى ركعة ثم وقف ولا بد وقضوا ركعة ثم سلموا ، ثم تأتي الثانية فيصلي بهم الركعة الثانية ، فإذا جلس قاموا فقضوا ركعة ، ثم سلم ويسلمون ؟ فإن كانت المغرب صلى بالطائفة الأولى ركعتين ، فإذا جلس قاموا فقضوا ركعة وسلموا وتأتي الأخرى فيصلي بهم الركعة الباقية ، فإذا قعد صلوا ركعة ثم جلسوا وتشهدوا ، ثم صلوا الثالثة ثم يسلم ويسلمون ؟ فإن كان وحده فهو مخير بين ركعتين في السفر ، أو ركعة واحدة وتجزئه وأما الصبح فاثنتان ولا بد ، والمغرب ثلاث ولا بد ، وفي الحضر أربع ولا بد ؟ سواء ههنا الخائف من طلب بحق ، أو بغير حق .

قال الله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم } .

فهذه الآية تقتضي بعمومها الصفات التي قلنا نصا ثم كل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحل لأحد أن يرغب عن شيء منه ، قال الله تعالى آمرا لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول : { قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة [ ص: 234 ] إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين } .

وقال تعالى : { ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه } .

وكل شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من ملته ، وملته هي ملة إبراهيم عليه السلام وقد ذكرنا قبل هذا بيسير في باب من نسي صلاة فوجد جماعة يصلون يصلي صلاة أخرى في حديث أبي بكرة وجابر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة ركعتين في الخوف ثم سلم ، وبطائفة أخرى ركعتين ثم سلم } .

وذكرنا من قال ذلك من السلف ، فأغنى عن إعادته ، وهذا آخر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأن أبا بكرة شهده معه ولم يسلم إلا يوم الطائف ، ولم يغز عليه السلام بعد الطائف غير تبوك فقط .

فهذه أفضل صفات صلاة الخوف لما ذكرنا .

وقال بهذا الشافعي ، وأحمد بن حنبل .

وقد ذكرنا أيضا حديث ابن عباس " فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة " - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا أحمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا سفيان الثوري حدثني أشعث بن سليم هو ابن أبي الشعثاء - عن الأسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم قال : " كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقال : أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف ؟ فقال حذيفة : أنا ، فقام حذيفة وصف الناس خلفه صفين صفا خلفه وصفا موازي العدو ، فصلى بالذين خلفه ركعة ، وانصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء ، وجاء أولئك ، فصلى بهم ركعة ولم يقضوا " .

قال سفيان : وحدثني الركين بن الربيع عن القاسم بن حسان عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل صلاة حذيفة .

قال علي : الأسود بن هلال ثقة مشهور ، وثعلبة بن زهدم أحد الصحابة حنظلي وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه وروى عنه .

وصح هذا أيضا مسندا من طريق يزيد بن زريع ، وأبي داود الطيالسي كلاهما عن [ ص: 235 ] عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن يزيد الفقير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر جابر أن القصر المذكور في الآية عند الخوف هو هذا ؟ لا كون الصلاة ركعتين في السفر

وصح أيضا : من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي أيضا عن ابن عمر .

فهذه آثار متظاهرة متواترة ، وقال بهذا جمهور من السلف .

كما روي عن حذيفة أيام عثمان رضي الله عنه ومن معه من الصحابة ، لا ينكر ذلك أحد منهم ، وعن جابر ، وغيره ؟ وروينا عن أبي هريرة أنه صلى بمن معه صلاة الخوف ، فصلاها بكل طائفة ركعة إلا أنه لم يقض ولا أمر بالقضاء ؟ وعن ابن عباس : يومئ بركعة عند القتال ؟ وعن الحسن : أن أبا موسى الأشعري صلى في الخوف ركعة وعن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال : إذا كانت المسايفة فإنما هي ركعة يومئ إيماء حيث كان وجهه ، راكبا كان أو ماشيا ؟

وعن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن قال في صلاة المطاردة : ركعة ومن طريق سعيد بن عبد العزيز عن مكحول في صلاة الخوف : إذا لم يقدر القوم على أن يصلوا على الأرض صلوا على ظهور الدواب ركعتين فإذا لم يقدروا فركعة وسجدتان ، فإن لم يقدروا أخروا حيث يأمنوا ؟ قال علي : أما تأخيرها عن وقتها فلا يحل ألبتة ; لأنه لم يسمح الله تعالى في تأخيرها ولا رسوله صلى الله عليه وسلم . قال الله تعالى : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } .

وقال سفيان الثوري : حدثني سالم بن عجلان الأفطس سمعت سعيد بن جبير [ ص: 236 ] يقول : كيف يكون قصر وهم يصلون ركعتين ؟ وإنما هو ركعة ركعة ، يومئ بها حيث كان وجهه ؟ وعن شعبة عن أبي مسلمة هو سعيد بن يزيد - عن أبي نضرة عن جابر بن غراب كنا مصافي العدو بفارس ، ووجوهنا إلى المشرق ، فقال هرم بن حيان : ليركع كل إنسان منكم ركعة تحت جنته حيث كان وجهه وعن عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة قال : سألت الحكم بن عتيبة ، وحماد بن أبي سليمان ، وقتادة عن صلاة المسايفة ؟ فقالوا : ركعة حيث كان وجهه وعن وكيع عن شعبة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم مثل قول الحكم ، وحماد ، وقتادة .

وعن أبي عوانة عن أبي بشر عن مجاهد في قول الله تعالى : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } قال : في العدو يصلي راكبا وراجلا يومئ حيث كان وجهه ، والركعة الواحدة تجزئه .

وبه يقول سفيان الثوري ، وإسحاق بن راهويه ؟ قال علي : وهذان العملان أحب العمل إلينا ، من غير أن نرغب عن سائر ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ومعاذ الله من هذا .

لكن ملنا إلى هذين لسهولة العمل فيهما على كل جاهل ، وعالم ، ولكثرة من رواهما عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ولكثرة من قال بهما من الصحابة والتابعين . ولتواتر الخبر بهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولموافقتهما القرآن ؟ [ ص: 237 ] وقد قال بعض من لا يبالي بالكذب ، عصبية لتقليده المهلك له - : الأمر عندنا على أنهم قضوا قال علي : هذا انسلاخ من الحياء جملة ، وقصد إلى الكذب جهارا

ولا فرق بين من قال هذا القول وبين من قال : الأمر عندنا على أنهم أتموا أربعا ؟ وقال : لم نجد في الأصول صلاة من ركعة ؟ وقلنا لهم : ولا وجدتم في الأصول صلاة الإمام بطائفتين ، ولا صلاة إلى غير القبلة ، ولا صلاة يقضي فيها المأموم ما فاته قبل تمام صلاة إمامه ، ولا صلاة يقف المأموم فيها لا هو يصلي مع إمامه ولا هو يقضي ما بقي عليه من صلاته ، وهذا كله عندكم جائز في الخوف ، ولا وجدتم شيئا من الديانة حتى جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى ، والأصول ليست شيئا غير القرآن والسنن ؟

فإن قيل : قد روي من طريق حذيفة : أنه أمر بقضاء ركعة قلنا : هذا انفرد به الحجاج بن أرطاة ، وهو ساقط لا تحل الرواية عنه ، ثم لو صح لما منع من رواية الثقات أنهم لم يقضوا ، بل كان يكون كل ذلك جائزا ؟

وقال بعضهم : قد روي عن حذيفة صلاة الخوف ركعتين وأربع سجدات ؟ قلنا : هذا من رواية يحيى الحماني وهو ضعيف ، عن شريك ، وهو مدلس ، وخديج ، وهو مجهول . ثم لو صح ذلك لكان مقصودا به صلاة إمامهم بهم وكذلك القول في رواية سليم بن صليع السلولي - وهو مجهول

- عن حذيفة : أنه قال لسعيد : مر طائفة من أصحابك فيصلون معك ، وطائفة خلفكم ، فتصلي بهم ركعتين وأربع سجدات ؟ وهكذا نقول : في صلاة الإمام بهم

وقال بعضهم : قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : { صلاة الليل والنهار مثنى مثنى } ؟ قلنا : نعم ، إلا ما جاء نص فيه أنه أقل من مثنى ، كالوتر ، وصلاة الخوف أو أكثر من مثنى ، كالظهر ، والعصر ، والعشاء .

وقال بعضهم : قد نهي عن " البتيراء " ؟ [ ص: 238 ] قال علي : وهذه كذبة وخبر موضوع .

وما ندري " البتيراء " في شيء من الدين - ولله الحمد وقال بعضهم : أنتم تجيزون للإمام أن يصلي بهم إن شاء ركعة ويسلم ، وإن شاء وصلها بأخرى بالطائفة الثانية ، وبيقين ندري أن ما كان للمرء فعله وتركه فهو تطوع لا فرض ، وإذ ذلك كذلك فمحال أن يصل فرضه بتطوع لا يفصل بينهما سلام ؟ قال علي : إنما يكون ما ذكروا فيما لم يأت به نص ، وأما إذا جاء النص فالنظر كله باطل ، لا يحل به معارضة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .

ثم نقول لهم : أليس مصلي الفرض من إمام أو منفرد - عندكم وعندنا - مخيرا بين أن يقرأ مع " أم القرآن " سورة إن شاء طويلة وإن شاء قصيرة وإن شاء اقتصر على " أم القرآن " فقط وإن شاء سبح في ركوعه وسجوده تسبيحة تسبيحة وإن شاء طولهما ؟ فمن قولهم : نعم .

فقلنا لهم : فقد أبحتم ههنا ما قد حكمتم بأنه باطل ومحال من صلته فريضة بما هو عندكم تطوع إن شاء فعله وإن شاء تركه ؟ قال علي : وليس كما قالوا ، بل كل هذا خير فيه البر ، فإن طول ففرض أداه ، وإن لم يطول ففرض أداه ، وإن كان صلى ركعة في الخوف فهي فرضه ، وإن صلى ركعتين فهما فرضه .

كما فعل عليه السلام وكما أمر { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون }

قال علي وسائر الوجوه الصحاح التي لم تذكر أخذ ببعضها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو موسى الأشعري ، وابن عمر ، وجماعة من التابعين والفقهاء رضي الله عنهم .

وههنا أقوال لم تصح قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ترو عنه أصلا ، ولكن رويت عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن الصحابة رضي الله عنهم - : عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس ، والحكم بن عمرو الغفاري .

[ ص: 239 ] ومن التابعين - : مسروق ، ومن الفقهاء - : الحسن بن حي ، وحميد الرؤاسي صاحبه .

ومن جملتها قول رويناه عن سهل بن أبي حثمة ، رجع مالك إلى القول به ، بعد أن كان يقول ببعض الوجوه التي صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو : أن يصف الإمام أصحابه طائفتين ، إحداهما خلفه ، والثانية مواجهة العدو ، فيصلي الإمام بالطائفة التي معه ركعة بسجدتيها ، فإذا قام إلى الركعة الثانية ثبت واقفا وأتمت هذه الطائفة لأنفسها الركعة التي بقيت عليها ، ثم سلمت ونهضت فوقفت بإزاء العدو ، والإمام في كل ذلك واقف في الركعة الثانية ، وتأتي الطائفة الثانية التي لم تصل فتصف خلف الإمام وتكبر ، فيصلي بهم الركعة الثانية بسجدتيها ، هي لهم أولى ، وهي للإمام ثانية ، ثم يجلس الإمام ويتشهد ويسلم ، فإذا سلم قامت هذه الطائفة الثانية فقضت الركعة التي لها ؟

قال علي : وهذا العمل المذكور - قضاء الطائفة الأولى والإمام واقف ، وقضاء الطائفة الثانية بعد أن يسلم الإمام - لم يأت قط جمع هذين القضاءين على هذه الصفة في شيء مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلا .

وهو خلاف ظاهر القرآن ; لأنه تعالى قال : { ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك } ولأن الطائفة لم تصل بعض صلاتها معه ، وما كان خلافا لظاهر القرآن دون نص من بيان النبي صلى الله عليه وسلم - : " فلا يجوز القول به ، وليس يوجب هذا القول قياس ، ولا نظر " . وليس تقليد سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه بأولى من تقليد من خالفه من الصحابة ، ممن قد ذكرناه - : كعمرو ، وابن عمرو ، وأبي موسى ، وجابر ، وابن عباس ، والحكم بن عمرو ، وحذيفة ، وثعلبة بن زهدم ، وأنس ، وعبد الرحمن بن سمرة ، وغيرهم .

فإن قيل : إن سهل بن أبي حثمة روى بعض تلك الأعمال وخالفه .

ولا يجوز أن يظن به أنه خالف ما حضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لأمر علمه هو ناسخ لما رواه ؟ قلنا : هذا باطل ، وحكم بالظن ، وترك لليقين ، وإضافة إلى الصاحب رضي الله عنه [ ص: 240 ] ما لا يحل أن يظن به ، من أنه روى لنا المنسوخ وكتم الناسخ .

ولا فرق بين قولكم هذا وبين من قال : لا يصح عنه أنه يخالف ما روى ، فالداخلة إنما هي فيما روي منه ما أضيف إليه ، لا فيما رواه هو عن النبي صلى الله عليه وسلم واستدل على ذلك بأنه لا يجوز أن يخالف حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال علي : ولسنا نقول : بشيء من هذين القولين ، بل نقول : إن الحق أخذ رواية الراوي ، لا أخذ رأيه ، إذ قد يتأول فيهم ، وقد ينسى ، ولا يجوز ألبتة أن يكتم الناسخ ويروي المنسوخ ؟ ولا يجوز لهم أن يوهموا ههنا بعمل أهل المدينة ; لأن ابن عمر ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، والزهري : مخالفون لاختيار مالك ، وما وجدنا ما اختاره مالك عن أحد قبله إلا عن سهل بن أبي حثمة وحده - وبالله تعالى التوفيق - : ومنها قول رويناه عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود وإبراهيم النخعي ، أخذ به أبو حنيفة وأصحابه إلا أن أبا يوسف رجع عنه - : وهو أن يصفهم الإمام صفين : طائفة خلفه ، وطائفة بإزاء العدو - : فيصلي بالتي خلفه ركعة بسجدتيها ، فإذا قام إلى الركعة الثانية وقف ، ونهضت الطائفة التي صلت معه فوقفوا بإزاء العدو ، وهم في صلاتهم بعد .

ثم تأتي الطائفة التي كانت بإزاء العدو فتكبر خلف الإمام ، ويصلي بهم الإمام الركعة الثانية له وهي لهم الأولى ، فإذا جلس وتشهد : سلم ، وتنهض الطائفة الثانية التي صلت معه الركعة الثانية ، وهم في صلاتهم ، فتقف بإزاء العدو .

وتأتي الطائفة التي كانت صلت مع الإمام الركعة الأولى فترجع إلى المكان الذي صلت فيه مع الإمام ، فتقضي فيه الركعة التي بقيت لها ، وتسلم ، ثم تأتي فتقف بإزاء العدو .

وترجع الطائفة الثانية إلى المكان الذي صلت فيه مع الإمام ، فتقضي فيه الركعة التي بقيت لها .

إلا أن أبا حنيفة زاد من قبل رأيه زيادة لا تعرف من أحد من الأمة قبله - : وهي أنه [ ص: 241 ] قال : تقضي الطائفة الأولى الركعة التي بقيت عليها بلا قراءة شيء من القرآن فيها .

وتقضي الطائفة الثانية الركعة التي بقيت عليها بقراءة القرآن فيها ولا بد قال علي : وهذا عمل لم يأت قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، وذلك أن فيه مما قد يخالف كل أثر جاء في صلاة الخوف ، تأخير الطائفتين معا إتمام الركعة الباقية لهما إلى أن يسلم الإمام ، فتبتدئ أولاهما بالقضاء ، ثم لا تقضي الثانية إلا حتى تسلم الأولى .

وفيه أيضا مما يخالف كل أثر روي في صلاة الخوف - : مجيء كل طائفة للقضاء خاصة إلى الموضع الذي صلت فيه مع الإمام بعد أن زالت عنه إلى مواجهة العدو

فإن قيل : قد روي نحو هذا عن ابن مسعود ؟ قلنا : قلتم الباطل والكذب ، إنما جاء عن ابن مسعود - من طريق واهية - خبر فيه ابتداء الطائفتين معا بالصلاة معا مع الإمام ، وأن الطائفة التي صلت آخرا هي بدأت بالقضاء قبل الثانية ، وليس هذا في قول أبي حنيفة ، وأنتم تعظمون خلاف الصاحب ، لا سيما إذا لم يرو عن أحد من الصحابة خلافه ؟ فإن قالوا : إنما تخيرنا ابتداء طائفة بعد طائفة اتباعا للآية ؟ قلنا : فقد خالفتم الآية في إيجابكم صلاة كل طائفة ما بقي عليها بعد تمام صلاة الإمام ، وإنما قال تعالى : { فليصلوا معك } فخالفتم القرآن ، وجميع الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيحها وسقيمها ، وجميع الصحابة رضي الله عنهم بلا نظر ولا قياس واحتج بعضهم بنادرة ، وهي : أنه قال : يلزم الإمام العدل بينهم ، فكما صلت الطائفة الواحدة أولا فكذلك تقضي أولا ؟ قال علي : وهذا باطل ، بل هو الجور والمحاباة ، بل العدل والتسوية هو أنه إذا صلت الواحدة أولا أن تقضي الثانية أولا ، فتأخذ كل طائفة بحظها من التقدم وبحظها من التأخر وقال بعضهم : لم نر قط مأموما بدأ بالقضاء قبل تمام صلاة إمامه ؟

[ ص: 242 ] فقيل لهم : ولا رأيتم قط مأموما يترك صلاة إمامه ويمضي إلى شغله ويقف برهة طويلة بعد تمام صلاة إمامه لا يقضي ما فاته منها ، وأنتم تقولون : بهذا بغير نص ولا قياس ، ثم تعيبون من اتبع القرآن والسنن ألا ذلك هو الضلال المبين لا سيما تقسيم أبي حنيفة في قضاء الطائفتين ، إحداهما بقراءة والأخرى بغير قراءة ، فما عرف هذا عن أحد قبله ، ولا يؤيده رأي سديد ، ولا قياس ؟ ومنها قول ذهب إليه أبو يوسف في آخر قوليه ، وهو قول الحسن اللؤلؤي ، وهو : أن لا تصلى صلاة الخوف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال علي : وهذا خلاف قول الله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } .

قال علي : إلا أن من قال : إن النكاح بسورة من القرآن خاص للنبي صلى الله عليه وسلم والصلاة جالسا كذلك - : لا يقدر أن ينكر على أبي يوسف قوله ههنا ؟ ومنها قول رويناه عن الضحاك بن مزاحم ، ومجاهد ، والحكم بن عتبة ، وإسحاق بن راهويه ، وهو : أن تكبيرتين فقط تجزئان في صلاة الخوف وروينا أيضا عن الحكم ، ومجاهد : تكبيرة واحدة تجزئ في صلاة الخوف

وهذا خطأ ; لأنه لم يأت به نص - وبالله تعالى التوفيق . فإن قال قائل : كيف تقولون بصلاة الخوف على جميع هذه الوجوه ، وقد رويتم عن زيد بن ثابت { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف مرة ، لم يصل بنا قبلها ولا بعدها } ؟ قلنا : هذا لو صح لكان أشد عليكم ; لأنه يقال لكم : من أين كان لكم بأن الوجه الذي اخترتموه هو العمل الذي عمله رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ صلاها ؟ لا سيما إن كان المعترض بهذا حنفيا أو مالكيا ؟ لأن اختيار هاتين الفرقتين لم يأت قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف وهذا حديث ساقط ؟ لم يروه إلا يحيى الحماني ، وهو ضعيف ، عن شريك القاضي ، وهو مدلس لا [ ص: 243 ] يحتج بحديثه ، فكيف يستحل ذو دين أن يعارض بهذه السوءة أحاديث الكواف من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين : إنهم شهدوا صلاة الخوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرات : مرة بذي قرد ، ومرة بذات الرقاع ، ومرة بنجد ، ومرة بين ضجنان وعسفان ، ومرة بأرض جهينة ، ومرة بنخل ، ومرة بعسفان ، ومرة يوم محارب وثعلبة ، ومرة إما بالطائف وإما بتبوك .

وقد يمكن أن يصليها في يوم مرتين للظهر والعصر ، وروى ذلك عن الصحابة أكابر التابعين والثقات الأثبات ؟ ونعوذ بالله من الخذلان ؟ قال علي : وإنما قلنا : بالصلاة ركعة واحدة في كل خوف لعموم حديث ابن عباس " فرضت الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة " ولا يجوز تخصيص حكمه عليه السلام بالظنون الكاذبة - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية