صفحة جزء
628 - مسألة : وكل فرض على المسلم فإن الاعتكاف لا يمنع منه ، وعليه أن يخرج إليه ، ولا يضر ذلك باعتكافه ، وكذلك يخرج لحاجة الإنسان ، من البول والغائط وغسل النجاسة ، وغسل الاحتلام ، وغسل الجمعة ، ومن الحيض ، إن شاء في حمام أو في غير حمام . ولا يتردد على أكثر من تمام غسله ، وقضاء حاجته ، فإن فعل بطل اعتكافه

وكذلك يخرج لابتياع ما لا بد له ولأهله منه ، من الأكل واللباس ، ولا يتردد على غير ذلك ، فإن تردد بلا ضرورة : بطل اعتكافه ، وله أن يشيع أهله إلى منزلها .

وإنما يبطل الاعتكاف : خروجه لما ليس فرضا عليه ؟

وقد افترض الله تعالى على المسلم ما رويناه من طريق البخاري : ثنا محمد ثنا عمرو بن أبي سلمة عن الأوزاعي أنا ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس } .

وأمر عليه السلام من دعي - إن كان مفطرا - : فليأكل وإن كان صائما فليصل ، بمعنى أن يدعو لهم ؟

[ ص: 423 ] وقال تعالى : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } وقال تعالى : { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } .

وقال تعالى : { انفروا خفافا وثقالا } .

فهذه فرائض لا يحل تركها للاعتكاف ، وبلا شك عند كل مسلم أن كل من أدى ما افترض الله تعالى عليه فهو محسن .

قال الله تعالى : { ما على المحسنين من سبيل } .

ففرض على المعتكف أن يخرج لعيادة المريض مرة واحدة ، يسأل عن حاله واقفا وينصرف لأن ما زاد عن هذا فليس من الفرض ، وإنما هو تطويل ، فهو يبطل الاعتكاف ؟

وكذلك يخرج لشهود الجنازة ، فإذا صلى عليها انصرف ، لأنه قد أدى الفرض ، وما زاد فليس فرضا ، وهو به خارج عن الاعتكاف ؟ وفرض عليه : أن يخرج إذا دعي ، فإن كان صائما بلغ إلى دار الداعي ودعا وانصرف ، ولا يزد على ذلك ؟

وفرض عليه : أن يخرج إلى الجمعة بمقدار ما يدرك أول الخطبة ، فإذا سلم رجع ، فإن زاد على ذلك خرج من الاعتكاف ، فإن خرج كما ذكرنا ثم رأى أن في الوقت فسحة فإن علم أنه إن رجع إلى معتكفه ثم خرج أدرك الخطبة فعليه أن يرجع ، وإلا فليتماد ، وكذلك إن كان عليه في الرجوع حرج ، لقول الله تعالى : { ما جعل عليكم في الدين من حرج } .

وكذلك يخرج للشهادة إذا دعي سواء قبل أو لم يقبل ; لأن الله تعالى أمر الشهداء بأن لا يأبوا إذا دعوا ، ولم يشترط من يقبل مما لا يقبل { وما كان ربك نسيا } إذا أداها رجع إلى معتكفه ولا يتردد ، فإن تردد : بطل اعتكافه ؟

وهو كله قول أبي سليمان ، وأصحابنا ؟

وروينا من طريق سعيد بن منصور : أنا أبو الأحوص أنا أبو إسحاق هو السبيعي - عن عاصم بن ضمرة قال : قال علي بن أبي طالب : إذا اعتكف الرجل فليشهد [ ص: 424 ] الجمعة وليحضر الجنازة وليعد المريض وليأت أهله يأمرهم بحاجته وهو قائم ؟

وبه إلى سعيد : نا سفيان هو ابن عيينة - عن عمار بن عبد الله بن يسار عن أبيه : أن علي بن أبي طالب أعان ابن أخته جعدة بن هبيرة بسبعمائة درهم من عطائه أن يشتري بها خادما ، فقال : إني كنت معتكفا ، فقال له علي : وما عليك لو خرجت إلى السوق فابتعت ؟

وبه إلى سفيان : نا هشيم عن الزهري عن عمرة عن عائشة أم المؤمنين : أنها كانت لا تعود المريض من أهلها إذا كانت معتكفة إلا وهي مارة ؟

وبه إلى سعيد : نا هشيم أنا مغيرة عن إبراهيم النخعي قال : كانوا يستحبون للمعتكف أن يشترط هذه الخصال - وهن له وإن لم يشترط - : عيادة المريض ، ولا يدخل سقفا ، ويأتي الجمعة ، ويشهد الجنازة ، ويخرج إلى الحاجة ؟ قال إبراهيم : ولا يدخل المعتكف سقيفة إلا لحاجة ؟

وبه إلى هشيم : أنا أبو إسحاق الشيباني عن سعيد بن جبير قال : المعتكف يعود المريض ، ويشهد الجنازة ، ويجيب الإمام ؟

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أنه كان يرخص للمعتكف : أن يتبع الجنازة ، ويعود المريض ولا يجلس .

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال : المعتكف يدخل الباب فيسلم ولا يقعد ، يعود المريض ؟ وكان لا يرى بأسا إذا خرج المعتكف لحاجته فلقيه رجل فسأله أن يقف عليه فيسائله

قال أبو محمد : إن اضطر إلى ذلك ، أو سأله عن سنة من الدين ، وإلا فلا ؟ ومن طريق شعبة عن أبي إسحاق الشيباني عن سعيد بن جبير قال : للمعتكف أن [ ص: 425 ] يعود المريض ، ويتبع الجنازة ، ويأتي إلى الجمعة ، ويجيب الداعي ؟

ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء : إن نذر جوارا أينوي في نفسه أن لا يصوم ، وأنه يبيع ويبتاع ، ويأتي الأسواق ، ويعود المريض ، ويتبع الجنازة وإن كان مطر : فإني أستكن في البيت . وإني أجاور جوارا منقطعا ، أو أن يعتكف النهار ويأتي البيت بالليل ؟ قال عطاء : ذلك على نيته ما كانت ، ذلك له ؟

وهو قول قتادة أيضا ؟

وروينا عن سفيان الثوري أنه قال : المعتكف يعود المرضى ويخرج إلى الجمعة ، ويشهد الجنائز - وهو قول الحسن بن حي ؟

وروينا عن مجاهد ، وعطاء ، وعروة ، والزهري : لا يعود المعتكف مريضا ، ولا يشهد الجنازة - وهو قول مالك ، والليث .

قال مالك : لا يخرج إلى الجمعة ؟

قال أبو محمد : هذا مكان صح فيه عن علي وعائشة ما أوردنا ، ولا مخالف لهما يعرف من الصحابة ، وهم يعظمون مثل هذا إذا خالف تقليدهم

وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن علي بن الحسين عن صفية أم المؤمنين قالت { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا ، فحدثته ، ثم قمت فانقلبت ، فقام معي ليقلبني وكان مسكنها في دار أسامة } وذكر باقي الخبر ؟

قال أبو محمد : في هذا كفاية ، وما نعلم لمن منع من كل ما ذكرنا حجة ، لا من قرآن ولا من سنة ولا من قول صاحب ، ولا قياس .

ونسألهم : ما الفرق بين ما أباحوا له من الخروج لقضاء الحاجة وابتياع ما لا بد [ ص: 426 ] منه ، وبين خروجه لما افترضه الله عز وجل عليه ؟

وقال أبو حنيفة : ليس له أن يعود المريض ، ولا أن يشهد الجنازة ، وله أن يخرج إلى الجمعة بمقدار ما يصلي ست ركعات قبل الخطبة ، وله أن يبقى في الجامع بعد صلاة الجمعة مقدار ما يصلي ست ركعات ، فإن بقي أكثر ، أو خرج لأكثر لم يضره شيء ، فإن خرج لجنازة ، أو لعيادة مريض : بطل اعتكافه ؟ وقال أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن : له أن يخرج لكل ذلك ، فإن كان مقدار لبثه في خروجه لذلك نصف يوم فأقل لم يضر اعتكافه ذلك ، فإن كان أكثر من نصف يوم : بطل اعتكافه ؟ قال أبو محمد : إن في هذه التحديدات لعجبا وما ندري كيف يسمح ذو عقل أن يشرع في دين الله هذه الشرائع الفاسدة فيصير محرما محللا موجبا دون الله تعالى ؟

وما هو إلا ما جاء النص بإباحته فهو مباح ، قل أمده أو كثر

أو ما جاء النص بتحريمه فهو حرام قل أمده أو كثر

أو ما جاء النص بإيجابه فهو واجب إلا أن يأتي نص بتحديد في شيء من ذلك ، فسمعا وطاعة ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية