صفحة جزء
633 - مسألة : والاعتكاف جائز في كل مسجد جمعت فيه الجمعة أو لم تجمع ، سواء كان مسقفا أو مكشوفا ، فإن كان لا يصلى فيه جماعة ولا له إمام : لزمه فرضا الخروج لكل صلاة إلى المسجد تصلى فيه جماعة إلا أن يبعد منه بعدا يكون عليه فيه حرج فلا يلزمه .

وأما المرأة التي لا يلزمها فرض الجماعة فتعتكف فيه ؟ ولا يجوز الاعتكاف في رحبة المسجد إلا أن تكون منه .

ولا يجوز للمرأة ، ولا للرجل : أن يعتكفا - أو أحدهما - في مسجد داره ؟

برهان ذلك - : قول الله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } فعم الله تعالى ولم يخص - : فإن قيل : قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا } ؟

قلنا : نعم ، بمعنى أنه تجوز الصلاة فيه ، وإلا فقد جاء النص والإجماع بأن البول والغائط جائز فيما عدا المسجد .

فصح أنه ليس لما عدا المسجد حكم المسجد .

فصح أن لا طاعة في إقامة في غير المسجد .

فصح أن لا اعتكاف إلا في مسجد ، وهذا يوجب ما قلنا ؟ وقد اختلف الناس في هذا - : فقالت طائفة : لا اعتكاف إلا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم .

كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ، أحسبه عن سعيد بن المسيب قال : لا اعتكاف إلا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 429 ] قال أبو محمد : إن لم يكن قول سعيد فهو قول قتادة ، لا شك في أحدهما .

وقالت طائفة : لا اعتكاف إلا في مسجد مكة ومسجد المدينة فقط .

كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال : لا جوار إلا في مسجد مكة ، ومسجد المدينة ، قلت له : فمسجد إيليا ؟ قال : لا تجاور إلا في مسجد مكة ، ومسجد المدينة ؟

وقد صح عن عطاء : أن الجوار هو الاعتكاف .

وقالت طائفة : لا اعتكاف إلا في مسجد مكة ، أو مسجد المدينة ، أو مسجد بيت المقدس .

كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن واصل الأحدب عن إبراهيم النخعي قال : جاء حذيفة إلى عبد الله بن مسعود فقال له : ألا أعجبك من ناس عكوف بين دارك ودار الأشعري ؟ فقال له عبد الله : فلعلهم أصابوا وأخطأت ، فقال له حذيفة : ما أبالي ، أفيه أعتكف ، أو في سوقكم هذه ، إنما الاعتكاف في هذه المساجد الثلاثة : مسجد الحرام ، ومسجد المدينة ، والمسجد الأقصى ؟ قال إبراهيم : وكان الذين اعتكفوا فعاب عليهم حذيفة - : في مسجد الكوفة الأكبر ؟

ورويناه أيضا من طريق عبد الرزاق عن ابن عيينة عن جامع بن أبي راشد قال : سمعت أبا وائل يقول : قال حذيفة لعبد الله بن مسعود : قوم عكوف بين دارك ودار أبي موسى ، ألا تنهاهم ؟ فقال له عبد الله : فلعلهم أصابوا وأخطأت ، وحفظوا ونسيت ، فقال أبو حذيفة : لا اعتكاف إلا في هذه المساجد الثلاثة : مسجد المدينة ، ومسجد مكة ، ومسجد إيلياء ؟

وقالت طائفة : لا اعتكاف إلا في مسجد جامع ؟

روينا هذا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ، وهو أول قوليه ؟

وقالت طائفة : لا اعتكاف إلا في مصر جامع ؟

[ ص: 430 ] كما روينا من طريق ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال : لا اعتكاف إلا في مصر جامع

وقالت طائفة : لا اعتكاف إلا في مسجد نبي ؟ كما روينا من طريق ابن الجهم : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا عبيد الله بن عمر وهو القواريري - ثنا معاذ بن هشام الدستوائي ثنا أبي عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال : لا اعتكاف إلا في مسجد نبي

وقالت طائفة : لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ؟

كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري ، ومعمر ، قال سفيان : عن جابر الجعفي عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب ، وقال معمر : عن هشام بن عروة ويحيى بن أبي كثير ، ورجل ، قال هشام : عن أبيه ، وقال يحيى : عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وقال الرجل : عن الحسن ، قالوا كلهم : لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ؟ وصح عن إبراهيم وسعيد بن جبير وأبي قلابة : إباحة الاعتكاف في المساجد التي لا تصلى فيها الجمعة ، وهو قولنا ، لأن كل مسجد بني للصلاة فإقامة الصلاة فيه جائزة فهو مسجد جماعة ؟

وقالت طائفة : الاعتكاف جائز في كل مسجد ، ويعتكف الرجل في مسجد بيته

روينا ذلك عن عبد الرزاق عن إسرائيل عن رجل عن الشعبي قال : لا بأس أن يعتكف الرجل في مسجد بيته

وقال إبراهيم ، وأبو حنيفة : تعتكف المرأة في مسجد بيتها ؟

وقال أبو محمد : أما من حد مسجد المدينة وحده ، أو مسجد مكة ومسجد المدينة ، أو المساجد الثلاثة ، أو المسجد الجامع فأقوال لا دليل على صحتها فلا [ ص: 431 ] معنى لها هو تخصيص لقول الله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } .

فإن قيل : فأين أنتم عما رويتموه من طريق سعيد بن منصور : نا سفيان هو ابن عيينة - عن جامع بن أبي راشد عن شقيق بن سلمة قال : قال حذيفة لعبد الله بن مسعود : قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة أو قال مسجد جماعة } ؟ قلنا : هذا شك من حذيفة أو ممن دونه ، ولا يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشك ، ولو أنه عليه السلام قال : " لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة " لحفظه الله تعالى علينا ، ولم يدخل فيه شكا .

فصح يقينا أنه عليه السلام لم يقله قط

فإن قيل : فقد رويتم من طريق سعيد بن منصور : نا هشيم أنا جويبر عن الضحاك عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { كل مسجد فيه إمام ومؤذن فالاعتكاف فيه يصلح } .

قلنا : هذه سوأة لا يشتغل بها ذو فهم ، جويبر هالك ، والضحاك ضعيف ولم يدرك حذيفة .

وأما قول إبراهيم ، وأبي حنيفة ، فخطأ ، لأن مسجد البيت لا يطلق عليه اسم مسجد ، ولا خلاف في جواز بيعه ، وفي أن يجعل كنيفا ؟

وقد صح أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفن في المسجد ، وهم يعظمون خلاف الصاحب ، ولا مخالف لهن من الصحابة ؟

فقال بعضهم : إنما كان ذلك لأنهن كن معه عليه السلام ؟

فقلنا : كذب من قال هذا وافترى بغير علم ، وأثم ؟

[ ص: 432 ] واحتج أيضا بقول عائشة : لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع النساء لمنعهن المساجد .

وقد ذكرنا في كتاب الصلاة بطلان التعلق بهذا الخبر ، وأقرب ذلك بأنه لا يحل ترك ما لم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم ولا المنع مما لم يمنع منه عليه السلام - : لظن أنه لو عاش لتركه ومنع منه ، وهذا إحداث شريعة في الدين ، وأم المؤمنين القائلة هذا لم تر قط منع النساء من المساجد فظهر فساد قولهم - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية