صفحة جزء
636 - مسألة : ومن نذر اعتكاف يوم أو أيام مسماة ، أو أراد ذلك تطوعا - : فإنه يدخل في اعتكافه قبل أن يتبين له طلوع الفجر ، ويخرج إذا غاب جميع قرص الشمس ، سواء كان ذلك في رمضان أو غيره ؟

ومن نذر اعتكاف ليلة أو ليال مسماة أو أراد ذلك تطوعا - : فإنه يدخل قبل أن يتم غروب جميع قرص الشمس ، ويخرج إذا تبين له طلوع الفجر ، لأن مبدأ الليل إثر غروب الشمس ، وتمامه بطلوع الفجر ، ومبدأ اليوم بطلوع الفجر ، وتمامه بغروب الشمس كلها ، وليس على أحد إلا ما التزم أو ما نوى ؟

فإن نذر اعتكاف شهر أو أراده تطوعا - : فمبدأ الشهر من أول ليلة منه فيدخل قبل أن يتم غروب جميع قرص الشمس ، ويخرج إذا غابت الشمس كلها من آخر الشهر ، سواء رمضان وغيره .

لأن الليلة المستأنفة ليست من ذلك الشهر الذي نذر اعتكافه أو نوى اعتكافه . [ ص: 435 ]

فإن نذر اعتكاف العشر الأواخر من رمضان : دخل قبل غروب الشمس من اليوم التاسع عشر .

لأن الشهر قد يكون من تسع وعشرين ليلة ، فلا يصح له اعتكاف العشر الأواخر إلا كما قلنا ، وإلا فإنما اعتكف تسع ليال فقط ، فإن كان الشهر ثلاثين ؟ علم أنه اعتكف ليلة زائدة ، وعليه أن يتم اعتكاف الليلة الآخرة ليفي بنذره ، إلا من علم بانتقال القمر ، فيدخل بقدر ما يدري أنه يفي بنذره .

والذي قلنا - من وقت الدخول والخروج - هو قول الشافعي ، وأبي سليمان .

وروينا من طريق البخاري : نا عبد الله بن منير سمع هارون بن إسماعيل ثنا علي بن المبارك ثنا يحيى بن أبي كثير سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا سعيد الخدري قال له { اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان ، فخرجنا صبيحة عشرين } .

وهذا نص قولنا - : ومن طريق البخاري : نا إبراهيم بن حمزة هو الزبيدي - حدثني ابن أبي حازم ، والدراوردي ، كلاهما عن يزيد هو ابن عبد الله بن الهاد - عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سعيد الخدري قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر ، فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه ، ورجع من كان يجاور معه } .

وهذا نص قولنا ، إلا أن فيه أنه عليه السلام كان يبقى يومه إلى أن يمسي وهذا يخرج على أحد وجهين - : [ ص: 436 ] إما أنه تنفل منه عليه السلام .

وإما أنه عليه السلام نوى أن يعتكف العشر الليالي بعشرة أيامها ؟

وهذا حديث رواه مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم ، فوقع في لفظه تخليط وإشكال لم يقعا في رواية عبد العزيز بن أبي حازم وعبد العزيز بن محمد الدراوردي إلا أنه موافق لهما في المعنى ؟ وهو أننا روينا هذا الخبر نفسه عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سعيد الخدري { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأوسط من رمضان ، فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين - وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه - قال : من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ، فقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها ، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها ، فالتمسوها في العشر الأواخر ، والتمسوها في كل وتر ، فمطرت السماء تلك الليلة ، وكان المسجد على عريش ، فبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين } .

قال أبو محمد : من المحال الممتنع أن يكون عليه السلام يقول هذا القول بعد انقضاء ليلة إحدى وعشرين ، وينذر بسجوده في ماء وطين فيما يستأنف ، ويكون ذلك ليلة إحدى وعشرين التي مضت ، فصح أن معنى قول الراوي ، " حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين " أراد استقبال ليلة إحدى وعشرين ، وبهذا تتفق رواية يحيى بن أبي كثير مع رواية محمد بن إبراهيم ، [ ص: 437 ] كلاهما عن أبي سلمة ، ورواية الدراوردي ، وابن أبي حازم ، ومالك ، كلهم عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي - : وروينا من طريق البخاري : نا أبو النعمان هو محمد بن الفضل - نا حماد بن زيد نا يحيى هو ابن سعيد الأنصاري - عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان ، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله } .

قال أبو محمد : هذا تطوع منه عليه السلام ، وليس أمرا منه ومن زاد في البر زاد خيرا .

ويستحب للمعتكف والمعتكفة أن يكون لكل أحد خباء في صحن المسجد ، ائتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم وليس ذلك واجبا - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية