صفحة جزء
زكاة الغنم .

669 - مسألة : الغنم في اللغة التي بها خاطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم يقع على الضأن والماعز ، فهي مجموع بعضها إلى بعض في الزكاة .

وكذلك أصناف الماعز والضأن ، كضأن بلاد السودان وماعز البصرة والنفد وبنات حذف وغيرها .

وكذلك المقرون الذي نصفه خلقة ماعز ، ونصفه ضأن ، لأن كل ذلك من الغنم ، والذكور والإناث سواء .

واسم الشاء أيضا - : واقع على المعز والضأن كما ذكرنا في اللغة .

ولا واحد للغنم من لفظه ، إنما يقال للواحد : شاة ، أو ماعزة ، أو ضانية ، أو كبش ، أو تيس : هذا ما لا خلاف فيه بين أهل اللغة - وبالله تعالى التوفيق .

670 - مسألة :

ولا زكاة في الغنم حتى يملك المسلم الواحد منها أربعين رأسا حولا كاملا متصلا عربيا قمريا .

وقد اختلف السلف في هذا ، وسنذكره في زكاة الفوائد ، إن شاء الله تعالى : ويكفي من هذا أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب الزكاة في الماشية ، ولم يحد وقتا } ولا ندري من هذا العموم متى تجب الزكاة ، إلا أنه لم يوجبها عليه السلام في كل يوم ، ولا [ ص: 76 ] في كل شهر ، ولا مرتين في العام فصاعدا ، هذا منقول بإجماع إليه صلى الله عليه وسلم فإذ لا شك في أنها مرة في الحول ، فلا يجب فرض إلا بنقل صحيح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ووجدنا من أوجب الزكاة في أول الحول ، أو قبل تمام الحول لم ينقل ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بنقل آحاد ولا بنقل تواتر ولا بنقل إجماع ، ووجدنا من أوجبها بانقضاء الحول قد صح وجوبها بنقل الإجماع عن النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ بلا شك ; فالآن وجبت ، لا قبل ذلك فإن احتج بقول الله تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } .

قلنا : إنما تجب المسارعة إلى الفرض بعد وجوبه لا قبل وجوبه ، وكلامنا في هذه المسألة وفي أخواتها إنما هو في وقت الوجوب ، فإذا صح وجوب الفرض فحينئذ تجب المسارعة إلى أدائه لا قبل ذلك ، بلا خلاف وأما قولنا : أن يكون الحول عربيا فلا خلاف بين أحد من الأمة في أن الحول اثنا عشر شهرا ، وقال الله تعالى : { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم } . والأشهر الحرم لا تكون إلا في الشهور العربية .

وقال تعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } .

وقال تعالى : { لتعلموا عدد السنين والحساب } .

ولا يعد بالأهلة إلا العام العربي ; فصح أنه لا تجب شريعة مؤقتة بالشهور أو بالحول إلا بشهور العرب ، والحول العربي - وبالله تعالى التوفيق ؟ .

671 - مسألة : فإذا تمت في ملكه عاما كما ذكرنا ، سواء كانت كلها ماعزا ، أو بعضها - أكثرها أو أقلها - ضأنا ، وسائرها كذلك معزى - : ففيها شاة واحدة لا نبالي ضانية كانت أو ماعزة ، كبشا ذكرا أو أنثى من كليهما ، كل رأس تجزئ منهما عن الضأن ، وعن الماعز ; وهكذا ما زادت حتى تتم مائة وعشرين كما ذكرنا ؟ فإذا أتمتها وزادت لو بعض شاة كذلك عاما كاملا كما ذكرنا - : ففيها شاتان كما قلنا ، إلى أن تتم مائتي شاة ؟ [ ص: 77 ] فإذا أتمتها وزادت ولو بعض شاة كذلك عاما كاملا وصفنا ففيها ثلاث شياه كما حددنا ; وهكذا إلى أن تتم أربعمائة شاة كما وصفنا فإذا أتمتها كذلك عاما كاملا كما ذكرنا ففي كل مائة شاة شاة .

وأي شاة أعطى صاحب الغنم فليس للمصدق ولا لأهل الصدقات ردها ، من غنمه كانت أو من غير غنمه ، ما لم تكن هرمة أو معيبة ; فإن أعطاه هرمة ; أو معيبة فالمصدق مخير ، إن شاء أخذها وأجزأت عنه ، وإن شاء ردها وكلفه فتية سليمة ، ولا نبالي كانت تجزئ في الأضاحي أو لا تجزئ ؟ والمصدق هو الذي يبعثه الإمام - الواجبة طاعته - أو أميره في قبض الصدقات ؟ ولا يجوز للمصدق أن يأخذ تيسا ذكرا إلا أن يرضى صاحب الغنم ; فيجوز له حينئذ ; ولا يجوز للمصدق أن يأخذ أفضل الغنم ، فإن كانت التي تربى أو السمينة ليست من أفضل الغنم جاز أخذها ; فإن كانت كلها فاضلة أخذ منها إن أعطاه صاحبها ، سواء فيما ذكرنا كان صاحبها حاضرا أو غائبا إذا أخذ المصدق ما ذكرنا أجزأ ؟ برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري ثنا أبي ثنا ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك ( أن أنس بن مالك ) حدثه : أن أبا بكر الصديق كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين " هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين ; فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سأل فوقها فلا يعط " . ثم ذكر الحديث وفيه - : { في صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة } فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين فشاتان ; فإذا زادت على مائتين إلى ثلثمائة ففيها ثلاث شياه ; فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها ، ولا يخرج في الصدقة هرمة ، ولا ذات عوار ، ولا تيس إلا ما شاء المصدق . [ ص: 78 ]

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : { كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض عليه السلام ، فعمل به أبو بكر حتى قبض ، ثم عمل به عمر حتى قبض ، فكان فيه - ذكر الفرائض - : وفي الغنم في كل أربعين شاة شاة ، إلى عشرين ومائة ، فإن زادت واحدة فشاتان إلى مائتين ، فإن زادت واحدة على المائتين ففيها ثلاث شياه إلى ثلثمائة ، فإن كانت الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاة شاة ، وليس فيها شيء حتى تبلغ المائة } .

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد هو ابن مقاتل - أنا عبد الله بن المبارك ثنا زكريا بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس قال { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن - فذكر الحديث وفيه - : فأخبرهم أن الله تعالى قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا بذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب } .

ففي هذه الأخبار نص كل ما ذكرنا - وفي بعض ذلك خلاف .

فمن ذلك - : أن قوما قالوا : لا يؤخذ من الضأن إلا ضانية ، ومن المعز إلا ماعزة فإن كانا خليطين أخذ من الأكثر .

قال أبو محمد : وهذا قول بلا برهان ، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا رواية سقيمة ، ولا قول صاحب ولا قياس ; بل الذي ذكروا خلاف للسنن المذكورة ، وقد اتفقوا على جمع المعزى مع الضأن ، وعلى أن اسم غنم يعمها ، وأن اسم الشاة يقع على [ ص: 79 ] الواحد من الماعز ، ومن الضأن ; ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم في حكمها فرقا لبينه ، كما خص التيس ، وإن وجد في اللغة اسم التيس يقع على الكبش وجب أن لا يؤخذ في الصدقة إلا برضا المصدق .

والعجب أن المانع من أخذ الماعزة عن الضأن أجاز أخذ الذهب عن الفضة والفضة عن الذهب وهما عنده صنفان ، يجوز بيع بعضهما ببعض متفاضلا والخلاف أيضا في مكان آخر : وهو أن قوما قالوا : إن ملك مائة شاة وعشرين شاة وبعض شاة فليس عليه إلا شاة واحدة حتى يتم في ملكه مائة وإحدى وعشرون ، ومن ملك مائتي شاة وبعض شاة فليس عليه إلا شاتان حتى يتم في ملكه مائتا شاة وشاة .

واحتجوا بما في حديث ابن عمر " فإن زادت واحدة " كما أوردناه قال أبو محمد : في حديث ابن عمر كما ذكروا ، وفي حديث أبي بكر الذي أوردنا " فإن زادت " ولم يقل " واحدة " فوجدنا الخبرين جميعا متفقين على أنها إن زادت واحدة على مائة وعشرين شاة أو على مائتي شاة فقد انتقلت الفريضة .

ووجدنا حديث أبي بكر يوجب انتقال الفريضة بالزيادة على المائة وعشرين وعلى المائتين ، فكان هذا عموما لكل زيادة ، وليس في حديث ابن عمر المنع من ذلك أصلا ، فصار من قال بقولنا قد أخذ بالحديثين ، فلم يخالف واحدا منهما ; وصار من قال بخلاف ذلك مخالفا لحديث أبي بكر ، مخصصا له بلا برهان - وبالله تعالى التوفيق .

وهاهنا أيضا خلاف آخر : وهو ما رويناه من طريق وكيع عن سفيان الثوري ، ومن طريق محمد بن جعفر عن شعبة ، ثم اتفق شعبة ، وسفيان كلاهما عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي أنه قال : إذا زادت الغنم واحدة على ثلثمائة ففيها أربع شياه إلى أربعمائة ، فكل ما زادت واحدة فهو كذلك ؟ قال أبو محمد : ولا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد يلزم القائلين بالقياس - لا سيما المالكيين القائلين بأن القياس أقوى من خبر الواحد ، والحنفيين القائلين بأن ما عظمت به البلوى لا يقبل فيه خبر الواحد - : أن يقولوا بقول إبراهيم ; [ ص: 80 ] لأنهم قد أجمعوا على أن المائتي شاة إذا زادت واحدة فإن الفريضة تنتقل ويجب فيها ثلاث شياه ، فكذلك إذا زادت على الثلاثمائة واحدة أيضا ، فيجب أن تنتقل الفريضة ، ولا سيما والحنفيون قد قلدوا إبراهيم في أخذ الزكاة من البقرة الواحدة تزيد على أربعين بقرة ، واحتجوا بأنهم لم يجدوا في البقر وقصا من تسعة عشر أن يقلدوه هاهنا ويقولوا : لم نجد في الغنم وقصا من مائة وثمان وتسعين شاة ; لا سيما ومعهم هاهنا في الغنم قياس مطرد ، وليس معهم في البقر قياس أصلا ، وكل ما موهوا به في البقر فهو لازم لهم فيما زاد على الثلاثمائة من الغنم من قوله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة } ونحو ذلك - وهلا قالوا : هذا مما تعظم به البلوى فلو كان ذلك ما جهله إبراهيم ؟ فإن قالوا : إن خلاف قول إبراهيم قد جاء في حديث أبي بكر ، وخبر ابن عمر ، وعن علي ، وعن صحيفة ابن حزم ؟ قلنا : ليس شيء من هذه الأخبار إلا وقد خالفتموها ، فلم تكن حجة فيما خالفتموه فيه ، وكان حجة عندكم فيما اشتهيتم ، وهذا عجب جدا قال أبو محمد : كله خبط لا معنى له وإنما نريهم تناقضهم وتحكمهم في الدين بترك القياس للسنن إذا وافقت تقليدهم ، وبترك السنن للقياس كذلك ، وبتركهما جميعا كذلك وأما من راعى في الشاة المأخوذة ما تجزئ من الأضحية - وهو أبو حنيفة - فقد أخطأ ; لأنه لم يأت بما قال نص ، ولا إجماع ; فكيف وقد أجمعوا على أخذ الجذعة فما دونها في زكاة الإبل ، ولا تجزئ في الأضحية ، وإنما { قال عليه السلام لأبي بردة ولن تجزئ جذعة لأحد بعدك } يعني في الأضحية ; لأنه عنها سأله ، وقد صح [ ص: 81 ] النص بإيجاب الجذعة في زكاة الإبل ; فصح يقينا أنه عليه السلام لم يعن إلا الأضحية - وبالله تعالى التوفيق .

وأما قولنا إن كانت الغنم كلها كرائم أخذ منها برضا صاحبها ; فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن كرائم الغنم } ; وهذا في لغة العرب يقتضي أن يكون في الغنم - ولا بد - ما ليس بكرائم ، وأما إذا كانت كلها كرائم فلا يجوز أن يقال في شيء منها : هذه كرائم هذه الغنم ; لكن يقال هذه كريمة من هذه الغنم الكرائم .

وقد روينا عن إبراهيم النخعي أنه قال : يؤمر المصدق أن يصدع الغنم صدعين فيختار صاحب الغنم خير الصدعين ويأخذ المصدق من الآخر ؟ وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أنه قال : يفرق الغنم أثلاثا ، ثلث خيار ، وثلث رذال ، وثلث وسط ; ثم تكون الصدقة في الوسط .

قال أبو محمد : هذا لا نص فيه ; ولكن روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : لا يأخذ المصدق هرمة ولا ذات عوار ولا تيسا .

ومن طريق البخاري عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا هريرة قال : قال أبو بكر الصديق : والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها ؟ ومن طريق عبد الرزاق : أخبرني بشر بن عاصم بن سفيان بن عبد الله أن أباه [ ص: 82 ] حدثه ( أن سفيان أباه حدثه ) أن عمر بن الخطاب قال له : قل لهم : إني لا آخذ الشاة الأكولة ولا فحل الغنم ، ولا الربى ولا الماخض ، ولكني آخذ العناق والجذعة ، والثنية وذلك عدل بين غذاء المال وخياره ؟ ومن طريق الأوزاعي عن سالم بن عبد الله المحاربي أن عمر بعثه مصدقا وأمره أن يأخذ الجذعة ، والثنية .

التالي السابق


الخدمات العلمية