صفحة جزء
686 - مسألة : من اجتمع في ماله زكاتان فصاعدا هو حي ؟ قال أبو محمد : تؤدى كلها لكل سنة على عدد ما وجب عليه في كل عام ; وسواء كل ذلك لهروبه بماله ; أو لتأخير الساعي ; أو لجهله ، أو لغير ذلك ; وسواء في ذلك العين ، والحرث ، والماشية ، وسواء أتت الزكاة على جميع ماله أو لم تأت ، وسواء رجع ماله بعد أخذ الزكاة منه إلى ما لا زكاة فيه أو لم يرجع ، ولا يأخذ الغرماء شيئا حتى تستوفي الزكاة وقال مالك : إن كان ذلك عينا - ذهبا أو فضة - فإنه تؤخذ منه زكاة كل سنة حتى يرجع الوزن إلى مائتي درهم ، والذهب إلى عشرين دينارا ، فتؤخذ الزكاة لسنة واحدة ، ثم لا شيء عليه لما بعد ذلك من السنين ؟ وإن كانت زكاة زرع فرط فيها سنين أخذت كلها وإن اصطلمت جميع ماله ؟ [ ص: 200 ] وإن كانت ماشية .

فإن كان هو هرب أمام الساعي فإن الزكاة تؤخذ منه على حسب ما كان عنده في كل عام ; فإذا رجع ماله بإخراج الزكاة إلا ما لا زكاة فيه لم يؤخذ منه شيء لسائر ما بقي من الأعوام ، وإن كان الساعي هو الذي تأخر عنه فإنه تؤخذ منه زكاة ما وجد بيده لكل عام خلا - سواء كان بيده فيما خلا أكثر أو أقل ما لم يخرج إلى ما لا زكاة فيه ; فإذا رجع إلى ما لا زكاة فيه لم يؤخذ منه شيء ؟ وقال أبو حنيفة فيمن كان له عشر من الإبل عامين لم يؤد زكاتها : إنه يزكي للعام الأول شاتين . وللعام الثاني شاة واحدة وقال هو ومحمد بن الحسن فيمن كان عنده مائتا درهم - لا مال له غيرها - فلم يزكها سنتين فصاعدا : إنه لا زكاة عليه ; لأن الزكاة صارت عليه دينا فيها هذا نص كلامه وقال أبو يوسف : عليه زكاتها لعام واحد فقط ؟ وقال زفر : عليه زكاتها لكل عام أبدا . وبه يقول أبو سليمان ، وأصحابنا ؟ قال أبو محمد : أما قول مالك فظاهر التناقض ، وتقسيم فاسد ، لا برهان على صحته ; لأنه دعوى بلا دليل . وما العجب إلا من رفقهم بالهارب أمام المصدق وتحريهم العدل فيه وشدة حملهم على من تأخر عنه الساعي ، فيوجبون عليه زكاة ألف ناقة لعشر سنين ; ولم يملكها إلا سنة واحدة ، وإنما ملك في سائر الأعوام خمسا من الإبل فقط .

واحتجوا في هذا بأن هكذا زكى الناس إذ أجمعوا على معاوية ؟ قال أبو محمد : وهم قد خالفوا معاوية في أخذ الزكاة من الأعطية ومعه ابن مسعود ; وقلدوا هاهنا سعاة من لا يعتد به ، كمروان ، وسعيد بن العاص ، وما هنالك [ ص: 201 ] ومعاذ الله أن تؤخذ الزكاة من إبل لم يملكها المسلم وتعطل زكاة قد أوجبها الله تعالى ؟

وأما قول أبي يوسف فإنه محمول على أن الزكاة - في العين وغيره - في المال نفسه ، ولا في الذمة ، وهذا أمر قد بينا فساده قبل ; وأوضحنا أنها في الذمة لا في العين ، ولو كانت في العين لما أجزأه أن يعطي الزكاة من غير ذلك المال نفسه ; وهذا أمر مجمع على خلافه ; وعلى أنه له أن يعطيها من حيث شاء ; فإذا صح أنها في الذمة فلا يسقطها عنه ذهاب ماله ، ولا رجوعه إلى ما لا زكاة فيه ؟ واحتج بعضهم بأن امرأ لو باع ماشيته بعد حلول الزكاة فيها أن للساعي أخذ الزكاة من تلك الماشية المبيعة ؟ قال أبو محمد : وهذا باطل ; وما له ذلك ; لأنها قد صارت مالا من مال المشتري ; ولا يحل أن تؤخذ زكاة من عمر ولم تجب عليه وإنما وجبت على زيد ; ولكن يتبع البائع بها دينا في ذمته وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية