صفحة جزء
696 - مسألة : ومن كان له على غيره دين فسواء كان حالا أو مؤجلا عند مليء مقر يمكنه قبضه أو منكر ، أو عند عديم مقر أو منكر كل ذلك سواء ، ولا زكاة فيه على صاحبه ، ولو أقام عنه سنين حتى يقبضه فإذا قبضه استأنف حولا كسائر الفوائد ولا فرق . فإن قبض منه ما لا تجب فيه الزكاة فلا زكاة فيه ، لا حينئذ ولا بعد ذلك - الماشية ، والذهب ، والفضة في ذلك سواء - وأما النخل ، والزرع فلا زكاة فيه أصلا ; لأنه لم يخرج من زرعه ولا من ثماره .

وقالت طائفة : يزكيه - : كما روينا من طريق ابن أبي شيبة عن جرير عن الحكم بن عتيبة قال : سئل علي عن الرجل يكون له الدين على آخر ؟ فقال : يزكيه صاحب المال ، فإن خشي أن لا يقضيه فإنه يمهل ، فإذا خرج الدين زكاه لما مضى ، ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا يزيد بن هارون أنا هشام - هو ابن حسان - عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني : سئل علي عن الدين الظنون : أيزكيه ؟ قال : إن كان صادقا فليزكه لما مضى وهذا في غاية الصحة ، والظنون : هو الذي لا يرجى .

ومن طريق طاوس : إذا كانت لك دين فزكه . [ ص: 222 ] ومن طريق أشعث عن الزبير عن جابر قال : يزكيه - يعني : ماله من الدين على غيره ، ومن طريق عمر بن الخطاب كما ذكرنا قبل - احسب دينك وما عليك وزك ذلك أجمع ومن طريق ابن جريج قال : كان سعيد بن المسيب يقول : إذا كان الدين على مليء فعلى صاحبه أداء زكاته ، فإن كان على معدم فلا زكاة فيه حتى يخرج ; فيكون عليه زكاة السنين التي مضت ، ومن طريق معمر عن الزهري مثل قول سعيد بن المسيب سواء سواء .

وعن مجاهد : إذا كان لك الدين فعليك زكاته ; وإذا كان عليك فلا زكاة عليك فيه ؟ وهو قول سفيان الثوري ، والحسن بن حي

وقالت طائفة : لا زكاة فيه حتى يقبضه ، فإذا قبضه أو قبض منه مقدار ما فيه الزكاة زكاه لسنة واحدة ، وإن بقي سنين - وهو قول مالك .

وقالت طائفة : إن كان على ثقة زكاه ; وإن كان على غير ثقة فلا زكاة عليه فيه حتى يقبضه - وهو قول الشافعي ، وروينا من طريق عبد الله بن عمر أنه قال : زكوا أموالكم من حول إلى حول ، فما كان في دين في ثقة فاجعلوه بمنزلة ما كان في أيديكم ، وما كان من دين ظنون فلا زكاة فيه حتى يقبضه صاحبه .

وعن طاوس من طريق ثابتة : إذا كان لك دين تعلم أنه يخرج فزكه ، وعن إبراهيم من طريق صحيحة : زك ما في يديك ومالك على المليء ، ولا تزك ما للناس عليك . ثم رجع عن هذا .

وعن ميمون بن مهران : ما كان من دين في مليء ترجوه فاحسبه ، ثم أخرج ما عليك وزك ما بقي ؟ وعن مجاهد : إن كنت تعلم أنه خارج فزكه . [ ص: 223 ]

وعن محمد بن علي بن الحسن ليس في الدين زكاة حتى يقبضه ، وأما قولنا فقد روينا قبل عن عائشة أم المؤمنين مثله ، وعن عطاء ، وروينا أيضا عن ابن عمر : ليس في الدين زكاة .

قال أبو محمد : أما قول الحسن بن حي فظاهر الخطأ ; لأنه جعل زكاة الدين على الذي هو له ، وعلى الذي هو عليه . فأوجب زكاتين في مال واحد في عام واحد ، فحصل في العين نصف العشر ، وفي خمس من الإبل شاتان ، وكذلك ما زاد .

وأما تقسيم مالك فما نعلمه عن أحد إلا عن عمر بن عبد العزيز ، وقد صح عنه خلاف ذلك ومثل قولنا .

وأما أبو حنيفة فإنه قسم ذلك تقاسيم في غاية الفساد ، وهي : أنه جعل كل دين ليس عن بدل ، أو كان عن بدل ما لا يملك ، كالميراث ، والمهر ، والجعل ، ودية الخطأ ، والعمد إذا صالح عليها ، والخلع : أنه لا زكاة على مالكه أصلا حتى يقبضه ، فإذا قبضه استأنف به حولا ، وجعل كل دين يكون عن بدل لو بقي في ملكه لوجبت فيه الزكاة كقرض الدراهم وفيما وجب في ذمة الغاصب والمتعدي ، وثمن عبد التجارة - : فإنه لا زكاة فيه - كان على ثقة أو غير ثقة - حتى يقبض أربعين درهما فإذا قبضها زكاها لعام خال ، ثم يزكي كل أربعين يقبض ، وجعل كل دين يكون عن بدل لو بقي في يده لم تجب فيه الزكاة كالعروض لغير التجارة يبيعها - : قسما آخر ، فاضطرب فيه قوله ، فمرة جعل ذلك بمنزلة قوله في الميراث ، والمهر ، ومرة قال : لا زكاة عليه حتى يقبض مائتي درهم ، فإذا قبضها زكاها لعام خال ، وسواء عنده ما كان عند عديم أو مليء إذا كانا مقرين .

وأما قول أبي حنيفة فتخليط لا خفاء به . قال أبو محمد : إنما لصاحب الدين عند غريمه عدد في الذمة وصفة فقط ، وليس له عنده عين مال أصلا ، ولعل الفضة أو الذهب اللذين له عنده في المعدن بعد ، والفضة تراب بعد ، ولعل المواشي التي له عليه لم تخلق بعد ، فكيف تلزمه زكاة ما هذه صفته ؟ فصح أنه لا زكاة عليه في ذلك - وبالله تعالى التوفيق .

واعلم أن تقسيم أبي حنيفة ، ومالك : لا يعرف عن أحد قبلهما ، لأن الرواية عن [ ص: 224 ] عمر بن عبد العزيز إنما هي في الغصب لا في الدين وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية