صفحة جزء
734 - مسألة : ويبطل الصوم أيضا تعمد كل معصية - أي معصية كانت ، لا نحاش شيئا - إذا فعلها عامدا ذاكرا لصومه ، كمباشرة من لا يحل له من أنثى أو ذكر ، أو تقبيل امرأته وأمته المباحتين له من أنثى أو ذكر ، أو إتيان في دبر امرأته أو أمته أو غيرهما ، أو كذب ، أو غيبة ، أو نميمة ، أو تعمد ترك صلاة ، أو ظلم ، أو غير ذلك من كل ما حرم على المرء فعله ؟ برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني محمد بن رافع ثنا عبد الرزاق ثنا ابن جريج أخبرني عطاء عن أبي صالح الزيات هو السمان - أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ، ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله ؟ فليقل : إني صائم } .

[ ص: 305 ] وروينا من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { الصيام جنة ، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل ، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه ؟ فليقل : إني صائم } .

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم بن أبي إياس ثنا ابن أبي ذئب ثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة : أن النبي قال : { من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه } .

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن سليمان التيمي عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على امرأتين صائمتين تغتابان الناس فقال لهما : قيئا ، فقاءتا قيحا ودما ولحما عبيطا ، ثم قال عليه السلام : ها إن هاتين صامتا عن الحلال وأفطرتا على الحرام } .

قال أبو محمد : فنهى عليه السلام عن الرفث والجهل في الصوم ، فكان من فعل شيئا من ذلك - عامدا ذاكرا لصومه - لم يصم كما أمر ، ومن لم يصم كما أمر ، فلم يصم ، لأنه لم يأت بالصيام الذي أمره الله تعالى به ، وهو السالم من الرفث والجهل ، وهما اسمان يعمان كل معصية ; وأخبر عليه السلام أن من لم يدع القول بالباطل - وهو الزور - ولم يدع العمل به فلا حاجة لله تعالى في ترك طعامه وشرابه .

فصح أن الله تعالى لا يرضى صومه ذلك ولا يتقبله ، وإذا لم يرضه ولا قبله فهو [ ص: 306 ] باطل ساقط ; وأخبر عليه السلام أن المغتابة مفطرة وهذا ما لا يسع أحدا خلافه ؟ وقد كابر بعضهم فقال : إنما يبطل أجره لا صومه ؟ قال أبو محمد : فكان هذا في غاية السخافة وبالضرورة يدري كل ذي حس أن كل عمل أحبط الله تعالى أجر عامله فإنه تعالى لم يحتسب له بذلك العمل ولا قبله ، وهذا هو البطلان بعينه بلا مرية ؟ وبهذا يقول السلف الطيب - : روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا حفص بن غياث ، وهشيم كلاهما عن مجالد عن الشعبي ، قال هشيم : عن مسروق عن عمر بن الخطاب ليس الصيام من الشراب والطعام وحده ; ولكنه من الكذب ، والباطل واللغو ؟ وعن حفص بن غياث عن مجالد عن الشعبي عن علي بن أبي طالب مثله نصا .

ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا محمد بن بكر عن ابن جريج عن سليمان بن موسى قال قال جابر هو ابن عبد الله - : إذا صمت فليصم سمعك ، وبصرك ، ولسانك عن الكذب والمأثم ، ودع أذى الخادم وليكن عليك وقار ، وسكينة يوم صيامك ، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء .

ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن أبي العميس هو عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود - عن عمرو بن مرة عن أبي صالح الحنفي عن أخيه طليق بن قيس قال قال أبو ذر : إذا صمت فتحفظ ما استطعت ، فكان طليق إذا كان يوم صيامه دخل فلم يخرج إلا إلى صلاة .

ومن طريق وكيع عن حماد البكاء عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال : إذا اغتاب الصائم أفطر .

ومن طريق وكيع عن إسماعيل بن مسلم العبدي عن أبي المتوكل الناجي قال : [ ص: 307 ] كان أبو هريرة وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المسجد وقالوا : نطهر صيامنا ؟ فهؤلاء من الصحابة رضي الله عنهم : عمر ، وأبو ذر وأبو هريرة ، وأنس ، وجابر ، وعلي : يرون بطلان الصوم بالمعاصي ، لأنهم خصوا الصوم باجتنابها وإن كانت حراما على المفطر ، فلو كان الصيام تاما بها ما كان لتخصيصهم الصوم بالنهي عنها معنى ، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة رضي الله عنهم .

ومن التابعين : منصور عن مجاهد قال : ما أصاب الصائم شوى إلا الغيبة ، والكذب .

وعن حفصة بنت سيرين : الصيام جنة ; ما لم يخرقها صاحبها ، وخرقها : الغيبة ؟ وعن ميمون بن مهران : إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب ؟ وعن إبراهيم النخعي قال : كانوا يقولون : الكذب يفطر الصائم ؟ قال أبو محمد : ونسأل من خالف هذا عن الأكل للحم الخنزير ، والشرب للخمر عمدا : أيفطر الصائم أم لا ؟ فمن قولهم : نعم ؟ فنقول لهم : ولم ذلك ؟ فإن قالوا : لأنه منهي عنهما فيه ؟ قلنا لهم : وكذلك المعاصي ; لأنه منهي عنها في الصوم أيضا بالنص الذي ذكرنا .

فإن قالوا : وغير الصائم أيضا منهي عن المعاصي ؟ قلنا لهم : وغير الصائم أيضا منهي عن الخمر ، والخنزير ، ولا فرق ؟ فإن قالوا : إنما نهي عن الأكل والشرب ولا نبالي أي شيء أكل أو شرب ؟ قلنا : وإنما نهي عن المعاصي في صومه ولا نبالي بما عصى ، أبأكل وشرب ، أم بغير ذلك ؟ فإن قالوا : إنما أفطر بالأكل والشرب للإجماع على أنه مفطر بهما ؟ قلنا : فلا تبطلوا الصوم إلا بما أجمع على بطلانه به وهذا يوجب عليكم أن لا تبطلوه بأكل البرد ولا بكثير مما أبطلتموه به كالسعوط والحقنة وغير ذلك ؟ فإن قالوا : قسنا ذلك على الأكل والشرب ؟ [ ص: 308 ] قلنا : القياس كله باطل ، ثم لو صح لكان هذا فاسدا من القياس وكان أصح أصولكم أن تقيسوا بطلان الصوم بجميع المعاصي على بطلانه بالمعصية بالأكل ، والشرب ، وهذا ما لا مخلص منه . فإن قالوا : ليس اجتناب المعاصي من شروط الصوم ؟ قلنا : كذبتم لأن النص قد صح بأنه من شروط الصوم كما أوردنا . فإن قالوا : تلك الأخبار زائدة على ما في القرآن ؟ قلنا : وإبطالكم الصوم بالسعوط والحقنة ، والإمناء مع التقبيل زيادة فاسدة باطلة على ما في القرآن فتركتم زيادة الحق ، وأثبتم زيادة الباطل وبالله تعالى التوفيق

التالي السابق


الخدمات العلمية