صفحة جزء
وأما الحقنة ، والتقطير في الإحليل ، والتقطير في الأذن ، والسعوط ، والكحل ، ومداواة الجائفة ، والمأمومة - : فإنهم قالوا : إن ما وصل إلى الجوف وإلى باطن الرأس - لأنه جوف - فإنه ينقض الصوم ، قياسا على الأكل ؟ ثم تناقضوا ، فلم ير الحنفيون ، والشافعيون في الكحل قضاء ، وإن وصل إلى حلقه ، ولم ير مالك بالفتائل تستدخل لدواء بأسا للصائم ، ولم ير الكحل يفطر ، إلا أن يكون فيه عقاقير ؟ وقال الحسن بن حي : لا تفطر الحقنة إن كانت لدواء ؟ وعن إبراهيم النخعي لا بأس بالسعوط للصائم ؟ ومن طريق عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان التيمي . أن أباه ، ومنصور بن المعتمر ، وابن أبي ليلى ، وابن شبرمة كانوا يقولون : إن اكتحل الصائم فعليه أن يقضي يوما مكانه . قال أبو محمد : إنما نهانا الله تعالى في الصوم عن الأكل والشرب والجماع ، وتعمد القيء ، والمعاصي ، وما علمنا أكلا ، ولا شربا ، يكون على دبر ، أو إحليل ، أو أذن ، أو عين ، أو أنف ، أو من جرح في البطن ، أو الرأس وما نهينا قط عن أن نوصل إلى الجوف - بغير الأكل ، والشرب - ما لم يحرم علينا إيصاله والعجب أن من رأى منهم الفطر بكل ذلك لا يرى على من احتقن بالخمر ، أو صبها في أذنه حدا فصح أنه ليس شربا ، ولا أكلا ؟ ثم تناقضهم في الكحل عجب جدا وهو أشد وصولا إلى الحلق ، ومجرى [ ص: 349 ] الطعام من القطور في الأذن ؟ واحتج بعضهم بأنه كغبار الطريق ، والطحين ؟ فقيل له : ليس مثله ; لأن غبار الطريق ، والطحين : لم يتعمد إيصاله إلى الحلق ، والكحل تعمد إيصاله ؟ وأيضا : فإن قياس السعوط على غبار الطريق ، والطحين أولى ; لأن كل ذلك مسلكه الأنف ; ولكنهم لا يحسنون قياسا ولا يلتزمون نصا ، ولا يطردون أصلا وأما المضمضة ، والاستنشاق فيغلبه الماء فيدخل حلقه عن غير تعمد .

فإن أبا حنيفة قال : إن كان ذاكرا لصومه فقد أفطر وعليه القضاء ، وإن كان ناسيا فلا شيء عليه - وهو قول إبراهيم .

وقال مالك : عليه القضاء في كل ذلك .

وقال ابن أبي ليلى : لا قضاء عليه ، ذاكرا كان أوغير ذاكر .

وروينا عن بعض التابعين - وهو الشعبي ، وحماد - وعن الحسن بن حي : إن كان ذلك في وضوء لصلاة فلا شيء عليه ، وإن كان لغير وضوء فعليه القضاء .

قال أبو محمد : قال الله تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { رفع عن أمتي : الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } . وروينا قولنا في هذه المسألة عن عطاء بن أبي رباح .

واحتج من أفطر بذلك بالأثر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { : وإذا استنشقت فبالغ ، إلا أن تكون صائما } .

قال أبو محمد : ولا حجة لهم فيه ; لأنه ليس فيه أنه يفطر الصائم بالمبالغة في الاستنشاق ; وإنما فيه إيجاب المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم ، وسقوط وجوب ذلك عن الصائم فقط ; لا نهيه عن المبالغة ; فالصائم مخير بين أن يبالغ في الاستنشاق وبين أن لا يبالغ فيه ، وأما غير الصائم فالمبالغة في الاستنشاق فرض عليه ، وإلا كان مخالفا لأمره عليه السلام : بالمبالغة ; ولو أن امرأ يقول : إن المبالغة في الاستنشاق تفطر الصائم لكان أدخل في التمويه منهم ; لأنه ليس في هذا الخبر من وصول الماء إلى [ ص: 350 ] الحلق أثر ولا عثير ولا إشارة ولا دليل ; ولكنهم لا يزالون يتكهنون في السنن ما يوافق آراءهم بالدعاوى الكاذبة وبالله تعالى التوفيق

التالي السابق


الخدمات العلمية