صفحة جزء
771 - مسألة : ومن وطئ مرارا في اليوم عامدا فكفارة واحدة فقط ، ومن وطئ في يومين عامدا فصاعدا فعليه لكل يوم كفارة ، سواء كفر قبل أن يطأ الثانية أو لم يكفر : قال أبو حنيفة : عليه لكل ذلك - ولو أنه أفطر في كل يوم من رمضان عامدا - كفارة واحدة فقط إلا أن يكون قد كفر ثم أفطر نهارا آخر فعليه كفارة أخرى . وقد روي عنه : أنه سواء كفر أو لم يكفر ليس عليه إلا كفارة واحدة إذا كانت الأيام من شهر واحد ; فإن كان اليومان اللذان أفطر فيهما من شهر رمضان اثنين ، فلكل يوم منهما كفارة غير كفارة اليوم الآخر . فلم يختلف قوله فيمن تعمد الفطر أيام رمضان كلها أو بعضها أو يوما واحدا منها في أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة فقط ، إذا لم يكفر في خلال ذلك ، ولم يختلف قوله فيمن أفطر يومين من رمضانين أن عليه كفارتين كفر بينهما أو لم يكفر .

واختلف قوله فيمن أفطر يومين فصاعدا من رمضان واحد وكفر في خلال ذلك ; فمرة قال : عليه كفارة أخرى ، ومرة قال : ليس عليه إلا الكفارة التي كفر بعد . [ ص: 416 ] وقال مالك والليث ، والحسن بن حي ، والشافعي : مثل قولنا وهو عطاء ، وأحد قول الشافعي . قال أبو محمد : وهذا مما تناقض فيه أبو حنيفة وخالف فيه جمهور العلماء . برهان صحة قولنا - : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وطئ امرأته في رمضان بالكفارة ، فصح أن لذلك اليوم الكفارة المأمور بها ، وكل يوم فلا فرق بينه وبين ذلك اليوم ; لأن الخطاب بالكفارة واقع عليه فيه كما وقع في اليوم الأول ولا فرق . فإن قيل : هلا قستم هذا على الحدود ؟ قلنا : القياس باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ; لأن الحدود التي يقيمها الإمام والحاكم على المرء كرها ، ولا يحل للمرء أن يقيمها على نفسه ، بخلاف الكفارة التي إنما يقيمها المرء على نفسه وهو مخاطب بها على نفسه ، وليس مخاطبا بالحدود على نفسه ; وفروق أخر نذكرها إن شاء الله تعالى في الحدود ؟ وأيضا : فإن أبا حنيفة رأى إن كان اليومان من رمضانين فكفارتان ولا بد ; ولا خلاف منه في أنه لو زنى بامرأتين من بلدين مختلفتين في عامين مختلفين فحد واحد ، ولو شرب خمرا من عصير عام واحد ، وخمرا من عصير عام آخر فحد واحد ، ولو سرق في عامين مختلفين فقطع واحد - وبالله تعالى التوفيق .

ومن أعجب الأشياء أن أبا حنيفة قال ما ذكرنا ، ورأى فيمن ظاهر من امرأتيه بلفظ واحد أن عليه لكل امرأة كفارة أخرى . وقال فيمن قال في مجلس : والله لا كلمت زيدا ، ثم قال في مجلس آخر : والله لا كلمت زيدا - : أنهما يمينان يجب عليه كفارتان ، ومن قال : والله والرحمن لا كلمت زيدا - : فعليه كفارتان إلا أن ينوي أنهما يمين واحدة . قال علي : وأما إذا كرر الوطء في يوم واحد مرارا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره إلا بكفارة واحدة ولم يسأله أعاد أم لا ؟ وأيضا : فإنه إذا وطئ فقد أفطر ، فالوطء الثاني وقع في غير صيام فلا كفارة فيه ، وأيضا : فإن الواطئ بأول إيلاجه متعمدا ذاكرا وجبت عليه الكفارة عاود أو لم يعاود ، ولا كفارة في إيلاجه ثانية بالنص ، والإجماع ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية