صفحة جزء
802 - مسألة : ولا يجوز صيام أيام التشريق ، وهي ثلاثة أيام بعد يوم الأضحى ، لا في قضاء رمضان ، ولا في نذر ، ولا في كفارة ، ولا لمتمتع بالحج لا يقدر على الهدي - وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي . وقال مالك : يصومها المتمتع المذكور كلها ، ولا يصوم الناذر منها إلا اليوم الثالث فقط ; ولا يجوز أن يصام شيء منها تطوعا ، ولا في كفارة - : حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الأعرابي نا أبو داود نا عبد الله بن مسلمة القعنبي نا مالك عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن أبي مرة مولى أم هانئ { أنه دخل مع عبد الله بن عمرو بن العاص على أبيه عمرو بن العاص فقرب إليهما طعاما فقال : إني صائم فقال له : كل فهذه الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بإفطارها وينهانا عن صيامها } قال مالك : هي أيام التشريق . نا حمام بن أحمد نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا بكر هو ابن حماد - نا مسدد نا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن مطعم عن بشر بن سحيم : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادي أيام التشريق : أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ، وأنها أيام أكل وشرب } . قال أبو محمد : تفريق مالك بين اليومين وبين اليوم الثالث لا وجه له أصلا ; فإن ذكر ذاكر ما رويناه من طريق شعبة قال : سمعت عبد الله بن عيسى هو ابن أبي ليلى - عن الزهري عن عروة بن الزبير ، وسالم بن عبد الله بن عمر قال عروة : عن عائشة ، وقال سالم : عن أبيه ، ثم اتفقا ، قالا : لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي . وقد أسنده عن شعبة : يحيى بن سلام ، وليس هو ممن يحتج بحديثه ، فإن هذا موقوف على أم المؤمنين ، وابن عمر رضي الله عنهم ، ولا حجة في أحد مع رسول [ ص: 452 ] الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز أن يسند هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث } . وروينا من طريق وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تصوم أيام التشريق .

ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبد الملك بن أبي نعامة عن أبيه عن ابن عباس أنه كان يصوم أيام التشريق . وعن أبي طلحة : أنه كان لا يفطر إلا يوم فطر أو أضحى . وعن الأسود أنه كان يصوم أيام التشريق . ولو كان مسندا لكان حجة على المالكيين ; لأنه أباح اليوم الثالث أن يصومه الناذر ، وهو خلاف هذا الخبر . قال أبو محمد : عهدنا بالحنفيين ، والمالكيين يقولون فيما وافق أهواءهم من أقوال الصحابة : هذا لا يقال بالرأي ، قالوا ذلك في تيمم جابر إلى المرفقين . وفي قول عائشة رضي الله عنها لأم ولد زيد بن أرقم إذ باعت منه عبدا إلى العطاء بثمان مائة ثم اشترته منه بستمائة : أبلغ زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ إن لم يتب - وهو خبر لا يصح ، وخالفوا بذلك القرآن والسنة الثابتة . وفي التيمم إلى الكوعين ، فهلا قالوا هنا في قول عائشة ، وابن عمر : مثل هذا لا يقال بالرأي ؟ وعهدنا بهم يقولون فيما خالف أهواءهم من السنن ما تعظم به البلوى : لا يقبل فيه خبر الواحد ، وردوا بذلك الوضوء من مس الذكر ، فهلا قالوا هاهنا : هذا مما تعظم به البلوى ؟ فلا يقبل فيه خبر الواحد ، إذ لو كان النهي عن صيام أيام التشريق صحيحا ما خفي على عائشة ، وأبي طلحة وابن عباس ، والأسود . وعهدنا بهم يقولون : إن الخبر المضطرب فيه مردود ، وادعوا ذلك في حديث : { لا تحرم المصة ولا المصتان } فهذا الخبر أشد اضطرابا ، لأنه روي عن بشر بن سحيم ، ومرة عنه عن علي . [ ص: 453 ] وعهدنا بهم يقولون فيما وافقهم : هذا ندب ؟ فهلا قالوه هاهنا ؟ وعهدنا بهم يقولون : إذا روى الصاحب خبرا وتركه فهو دليل على نسخه ، وعائشة قد روت كما ذكرنا النهي عن صيام أيام التشريق وتركت ذلك فكانت تصومها تطوعا ; فهلا تركوا هاهنا روايتها لرأيها ؟ ولا يقدر أحد على أن يقول إنهما وابن عباس صاماها في تمتع الحج ; لأن يسارهما ويسار الأسود وسعة أموالهم لألف هدي أشهر من أن يجهله إلا من لا علم له أصلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية