صفحة جزء
وأما قولنا - : من أراد أن يخرج من مكة ، من معتمر ، أو قارن ، أو متمتع بالعمرة إلى الحج ; ففرض عليه أن يجعل آخر عمله الطواف بالبيت ، فإن تردد بمكة بعد ذلك أعاد الطواف ولا بد ، فإن خرج ولم يطف بالبيت ففرض عليه الرجوع ، ولو كان بلده بأقصى الدنيا حتى يطوف بالبيت ، فإن خرج عن منازل مكة فتردد خارجا ماشيا ، فليس عليه أن يعيد الطواف إلا التي تحيض بعد أن تطوف طواف الإفاضة فليس عليها أن تنتظر طهرها لتطوف لكن تخرج كما هي ; فإن حاضت قبل طواف الإفاضة فلا بد لها أن تنتظر حتى تطهر ، وتطوف ، وتحبس عليها الكرى والرفقة - : فلما رويناه من طريق مسلم قال : نا سعيد بن منصور نا سفيان عن سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس قال { كان الناس ينصرفون في كل وجه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت } .

ومن طريق مسلم نا محمد بن رمح نا الليث عن ابن شهاب عن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف - أن عائشة أم المؤمنين قالت { حاضت صفية بنت حيي بعدما أفاضت فذكرت حيضتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام : أحابستنا هي ؟ فقلت : يا رسول الله إنها قد كانت أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلتنفر } .

[ ص: 179 ] قال أبو محمد : فمن خرج ولم يودع من غير الحائض فقد ترك فرضا لازما فعليه أن يؤديه - : روينا من طريق وكيع عن إبراهيم بن يزيد عن أبي الزبير بن عبد الله أن قوما نفروا ولم يودعوا فردهم عمر بن الخطاب حتى ودعوا .

قال علي : ولم يخص عمر موضعا من موضع .

وقال مالك : بتحديد مكان إذا بلغه لم يرجع منه - وهذا قول لم يوجبه نص ، ولا إجماع ، ولا قياس ، ولا قول صاحب .

ومن طريق عبد الرزاق نا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن نافع قال : رد عمر بن الخطاب نساء من ثنية هرشى كن أفضن يوم النحر ثم حضن فنفرن فردهن حتى يطهرن ويطفن بالبيت ، ثم بلغ عمر بعد ذلك حديث غير ما صنع فترك صنعه الأول .

قال أبو محمد : هرشى هي نصف الطريق من المدينة إلى مكة بين الأبواء والجحفة على فرسخين من الأبواء وبها علمان مبنيان علامة ; لأنه نصف الطريق .

وقد روي أثر من طريق أبي عوانة عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن عن الحارث بن عبد الله بن أوس " { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب أفتياه في المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ، ثم تحيض أن يكون آخر عهدها بالبيت } " .

قال أبو محمد : الوليد بن عبد الرحمن غير معروف ; ثم لو صح لكان داخلا في جملة أمره عليه السلام - أن لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت - وعمومه ، وكأن يكون أمره عليه السلام الحائض التي أفاضت بأن تنفر حكما زائدا مبنيا على النهي المذكور مستثنى منه ليستعمل الخبران معا ولا يخالف شيء منهما - وبالله - تعالى - التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية