صفحة جزء
857 - مسألة :

فمن وطئ عامدا كما قلنا فبطل حجه فليس عليه أن يتمادى على عمل فاسد باطل لا يجزئ عنه لكن يحرم من موضعه ، فإن أدرك تمام الحج فلا شيء عليه غير ذلك وإن كان لا يدرك تمام الحج فقد عصى ، وأمره إلى الله تعالى ، ولا هدي في ذلك ، ولا شيء ; إلا أن يكون لم يحج قط ، فعليه الحج والعمرة .

وقد اختلف السلف في هذا - : فروينا عن عمر رضي الله عنه أن يتماديا في حجهما ، ثم يحجان من قابل ويتفرقان من الموضع الذي جامع فيه وعليه هدي وعليها ، وهذا مرسل عن عمر ; لأنه عن مجاهد عن عمر ولم يدرك مجاهد عمر .

وروينا عن علي على كل واحد منهما بدنة ويتفرقان إذا حجا من قابل وهذا مرسل عن علي ، لأنه عن الحكم عن علي ، والحكم لم يدرك عليا .

وروينا عن ابن عباس أقوالا منها : أن يتماديا على حجهما ذلك وعليهما هدي وحج قابل ويتفرقان من الموضع الذي جامعها فيه .

وعن عبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن عمر مثله قالوا : فإن لم يجد هديا صام صيام المتمتع ، وقول آخر مثل هذا سواء سواء إلا أنه لم يعوض من الدم صياما .

وعن ابن عمرو ، وابن عمر مثله ، ولم يذكروا تفريقا .

وروي عن ابن عباس أيضا أنه عليه بدنة ، ويتفرقان من قابل قبل الموضع الذي جامعها فيه - وعن ابن عباس على كل واحد منهما هدي . [ ص: 202 ]

وعن جبير بن مطعم أنه قال للمجامع : أف لا أفتيك بشيء ؟ وأما من جامع بعد عرفة - : فعن ابن عمر من وطئ قبل أن يطوف بالبيت فعليه الحج والهدي - وروي عنه أيضا : عليه الحج من قابل وبدنة . وعن ابن عباس على كل واحد منهما جزور .

ومن طريق ابن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : من واقع امرأته قبل أن يطوف بالبيت فعليه دم .

وعن ابن عباس أيضا عليه وعليها بدنة .

وروينا عن عائشة أم المؤمنين لا هدي إلا على المحصر .

وقال أبو حنيفة : إن وطئ قبل عرفة تماديا على حجهما ذلك وعليهما حج ; قابل وهدي ويجزئ في ذلك شاة ولا يتفرقان ، فإن وطئ بعد عرفة فحجه تام وعليه بدنة .

قال أبو محمد : فكان من العجب أنه إذا بطل حجه أجزأه هدي شاة وإذا تم حجه لم يجزه إلا بدنة ، وهذا تقسيم ما روي عن أحد ; فإن تعلق بابن عباس فقد اختلف عن ابن عباس كما ذكرنا وعن غيره من الصحابة رضي الله عنهم ، وليس قول بعضهم أولى من بعض ، وهذا جبير بن مطعم لم يوجب في ذلك هديا أصلا ولا أمر بالتمادي على الحج .

قال علي : قال الله تعالى : { إن الله لا يصلح عمل المفسدين } فمن الخطأ تماديه على عمل لا يصلحه الله عز وجل ; لأنه مفسد بلا خلاف منا ومنهم ، فالله تعالى لا يصلح عمله بنص القرآن .

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحج إنما يجب مرة ; ومن ألزمه التمادي على ذلك الحج الفاسد ، ثم ألزمه حجا آخر فقد ألزمه حجتين ، وهذا خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والعجب أنهم يدعون أنهم أصحاب قياس بزعمهم ، وهم لا يختلفون في أن من أبطل صلاته أنه لا يتمادى عليها فلم ألزموه التمادي على الحج ؟ وقد خالف أبو حنيفة ابن عباس ، وعمر ، وعليا فيما روي عنهم من التفرق فلا نكرة فيمن خالف ابن عباس في قول قد صح عنه خلافه ، وإنما هم ستة من الصحابة رضي الله عنهم مختلفون كما ذكرنا ، فالواجب الرجوع إلى القرآن ، والسنة ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : { إن دماءكم [ ص: 203 ] وأموالكم عليكم حرام } فلا يجوز أن يوجب هدي بغير قرآن ، ولا عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وروينا من طريق مجاهد ، وطاوس فيمن وطئ امرأته وهو محرم : أن حجه يصير عمرة وعليه حج قابل وبدنة - فلم يريا عليه التمادي في عمل الحج .

وروينا عن قتادة : أنهما يرجعان إلى حدهما - يعني الميقات - ويهلان بعمرة ، ويتفرقان ، ويهديان هديا هديا .

وعن الحسن فيمن وطئ قبل طواف الإفاضة ؟ قال : عليه حج قابل ولم يذكر هديا أصلا .

وقال مالك : إن وطئ قبل رمي الجمرة يوم النحر فعليه هدي وحج قابل ويتفرقان من حيث جامعها ; فإن وطئ بعد رمي الجمرة فحجه تام وعليه عمرة وهدي بدنة ، فإن لم يجد فبقرة ، فإن لم يجد فشاة ، فإن لم يجد صام صيام المتمتع ، فكان إيجاب العمرة ، هاهنا عجبا لا يدرى معناه ؟ وكذلك تقسيمه الهدي وتقسيمه وقت الوطء ولا يعرف هذا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم .

وقال الشافعي : إن وطئ ما بين أن يحرم إلى أن يرمي جمرة العقبة فسد حجه وعليه بدنة ، فإن لم يجد بدنة فبقرة ، فإن لم يجد بقرة فسبع من الغنم ، فإن لم يجد قومت البدنة بمكة دراهم ، ثم قومت الدراهم طعاما فأطعم كل مسكين مدا ، فإن لم يجد صام عن كل مد يوما ، فإن وطئ بعد رمي جمرة العقبة فحجه تام وعليه بدنة - فكان هذا أيضا قولا لا يؤيده قرآن ، ولا سنة ، ولا قول صاحب ، ولا قياس ، ولا يوجد هذا عن أحد من الصحابة أصلا - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية